يحتاج الواقع السياسي في لبنان الى ما يشبه المعجزة لتعود اليه الحياة في المدى المنظور.

لا طاولة الحوار على أهميتها، ولا الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، ولا أعمال اللجان النيابية، ولا المقايضات والمزايدات في مجلس الوزراء، ولا التمسك بمرشحين معلنين الى رئاسة الجمهورية أو الإختباء خلفهم، يمكن أن يفتح أيّ منها ثغرة في السباق المعطّل الى بعبدا، أو في إبتكار قانون انتخاب يُعيد صياغة موازين قوى جديدة في مجلس النواب.

لا صُدق الرئيس نبيه بري في محاولة الدفع في اتجاه خرق رئاسي قبل أيلول، ولا استعداد الرئيس سعد الحريري دفع أي ثمن للخروج من تعطيل رأس الدولة، ولا تويترات الزعيم وليد جنبلاط، ولا ثنائية العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، قادرة على تأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس في مجلس النواب.

المشكلة في لبنان، غير أن حلّها في مكان آخر. ليس في الإمكان فك الملف اللبناني عن ملفات المنطقة بعدما تمّ ربط مناطق النزاع بعضها ببعض وجعلها ساحة واحدة مفتوحة وإن بأساليب مختلفة، بعضها بالمواجهة العسكرية، وبعضها بالعمليات الأمنية، وبعضها بالسياسة والإعلام.

ولا يعدو لبنان، كما غيره من دول المنطقة، أكثر من بيدق في لعبة أكبر، تشارك فيها القوى الكبرى، كلٌ وفق خططه الخاصة في الشرق الأوسط.

وهذا الجمود القاتل، خصوصاً على مستوى الشغور الرئاسي، أصبح أمراً واقعاً مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، لأن كل اللاعبين الأساسيين في المنطقة سواء روسيا أو إيران يترقّبون من سيصل الى البيت الأبيض ويبنون حساباتهم على هذا الأساس للتعامل معه، ولا أحد مستعداً لعقد أي تسوية مع رئيس تشارف ولايته على الإنتهاء.

روسيا وإيران تتمسّكان بما لديهما من أوراق في المنطقة، وتعتمدان استراتيجية المعارك العسكرية لاحتلال أكثر ما يمكن من الأراضي، خصوصاً في سوريا، للمقايضة بها على طاولة المفاوضات والتسويات، حين يأتي أوان التسوية.

موسكو في هذا الوقت، تريد المقايضة في جنيف والعقوبات والناتو. تهدف إلى التأثير على المفاوضات في جنيف، وعينها على تقرير الأوروبيين في تموز المقبل وهل سيرفعون العقوبات عن روسيا أم لا. وترصد مناقشات أعضاء الناتو خططهم لتوسيع وجود التحالف في المناطق المتاخمة لروسيا من الغرب.

وإيران تريد الإعتراف بنفوذها وضمان مصالحها من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان مروراً بالخليج. لكن المناهضين للمشروع الإيراني يرون أن طهران لم تستطع الحسم عسكرياً في أي مكان.

فهي احتاجت الى تدخّل روسيا لإنقاذ الرئيس بشار الأسد وتحتاج الى معجزة لإعادة سوريا اليه.

واحتاجت الى الوقوف خلف إصرار العماد ميشال عون على التمسك في ترشحه للرئاسة خياراً وحيداً، لكي تتمكن من إمساك ورقة الإنتخابات الرئاسية في لبنان.

ولم تستطع الحسم في العراق، وتراجع حلفاؤها الحوثيون في اليمن

لن يكون لبنان لقمة سائغة، ولا شيء يدلّ على أن مشاريع الهيمنة على المنطقة ستتحقق في المدى المنظور. واذا لم يكن الزمن زمن معجزات، فهذا لا يعني أن ليس هناك مفاجآت.

جورج سولاج