أعربت دوائر مطلعة في بيروت عن مخاوف تراودها من ان غالبية القوى الداخلية تعاني ما يشبه “العمى السياسي”، في ظل عدم انكشاف الرؤية أمامها ولا إلمامها بطبيعة الصراع الدائر في المحيط التي يتداخل فيه الاقليمي بالدولي والمذهبي بالحضاريّ، وخرج معه التاريخ السحيق ليضع الجغرافيا امام مخاطر غير مسبوقة منذ اتفاقية “سايكس بيكو”.
وفي رأي هذه الدوائر، ان اللبنانيين الذين يتعاطون بالسياسة على طريقة “الأقدار”، ويسلّمون بأن واقعهم المأزوم لن ينتهي إلا حين تُحسم جولات معركة “مَن الأقدر” في المنطقة فترسو على “برِّ” توازناتٍ جديدة قد تغيّر وجه دول عدة، هم كمَن “يلهون بقنبلة” يمكن ان تنفجر بين أيديهم ليكون بلدهم حين تدقّ لحظة “القطاف” الإقليمي بمثابة “أشلاء دولة”، سيسهل الانقضاض عليها في لعبة تقاسُم النفوذ ولو “على أنقاض” الحدود المعروفة.
ومن هنا، تعتبر الدوائر نفسها عبر صحيفة “الراي” الكويتية، ان لبنان يعاني طبقتين من صراع متداخل:
الاول، محلي سياسي – مذهبي يشكّل انعكاساً للاشتباك الاقليمي، ولا سيما بين ايران ودول الخليج وعلى رأسها السعودية، يقف على مشارف مرحلة بالغة الدقة في ظلّ خروج كل خيوط اللعبة السياسية من أيدي الأطراف المحليين، الذين باتوا أعجز من اجتراح مخارج داخلية للمأزق الرئاسي الذي بات يستولد سلسلة أزمات بالغة التعقيد أوقفت عملياً عجلة المؤسسات.
والثاني، اشتداد حلقات “التطاحن” في المنطقة الذي ينذر بجعل بيروت في “مرمى” عواصف متتابعة، ليس أدلّ منها قضية العقوبات الأميركية المالية على “حزب الله” التي فجّرت أزمة غير مسبوقة بين الحزب والقطاع المصرفي على آليات تطبيق القانون الاميركي قبل ان ترسو “على وهج” استهداف بنك “لبنان والمهجر” بانفجار على صيغة مرنة لجهة عدم شمول المؤسسات الطبية والتعليمية والإنسانية بنظام العقوبات الأميركية في ضوء مساعٍ بذلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم (مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة) الذي اعلن “أن الأزمة اليوم أصبحت وراءنا والعلاقة بين الحزب والمصارف على أكمل ما يرام”.
واذا كان الواقع الأمني يبقى دائماً في الواجهة في ضوء المخاطر المرتفعة من امكان حدوث اختراقات لجعل لبنان “دفرسوار” يخفف الضغط عن “داعش”، او يحاول بثّ الفتنة داخلياً في ضوء المناخ المشحون مذهبياً نتيجة خسائر “حزب الله” في حلب والذي يعّبر عن نفسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الدوائر المطّلعة لا تشاطر مَن يعوّلون على امكان ان تنجح باريس في إحداث اختراق في الأزمة اللبنانية انطلاقاً من اللقاءات التي ستشهدها على حدة في الايام المقبلة مع كل من ولي ولي العهد السعودي الامير محمّد بن سلمان، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قبل انتقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت إلى بيروت.
ورغم غمْز تقارير من إمكان تجدد الحوار الإيراني – السعودي بعد إقالة حسين عبد اللهيان كمساعد للشؤون العربية والافريقية في الخارجية الإيرانية وتعيين حسين جابر الانصاري خلفاً له، فإن الدوائر نفسها ترى ان من المبكر استشراف هذا المعطى وأبعاده ولا سيما ان التحولات في المنطقة تتسارع، من دون ان تُسقط من الحساب ان استشعار طهران في لحظة ما بأن عملية ترسيم النفوذ في المنطقة ستنتهي في يد القوى العظمى يمكن ان يدفعها الى محاولة التفكير في مسارات أكثر توزاناً في الحسابات ولا سيما حيال العلاقة مع الرياض.
ومن هنا، لا تعوّل الدوائر المطلعة على أجندة الاسبوع اللبناني بدءاً من جولة الحوار الوطني اليوم الثلثاء، التي ستشهد تسلُّم رئيس مجلس النواب نبيه بري ردود القوى السياسية على مبادرته للأزمة الرئاسية على قاعدة إنتخابات نيابية مبكرة مع التزام مسبق بإنتخاب رئيس فور إجرائها او حل السلة المتكاملة وفيها مجمل عناصر الأزمة اللبنانية (قانون الانتخاب وتوازنات الحكم والحكومة) على ان يُنتخب الرئيس أولاً، الى جانب محاولة تفعيل “حوار الطرشان” في اللجان النيابية المشتركة حول قانون الإنتخاب .