يفتح الاسبوع على مجموعة من الملفات المعقدة، بدءاً بالحوار الوطني العالق في الانقسامات الحادة بين القوى السياسية، والملف الرئاسي الذي سيضم الخميس المقبل جلسة انتخاب اضافية الى مسلسل الجلسات الفاشلة، والقانون الانتخابي المحبوس في قفص السلبيات والرؤى المتناقضة التي تحكم جلسات اللجان النيابية المشتركة، وبالتالي لا يؤمل من هذا المسار، في المدى المنظور، إنتاج قانون جديد للانتخابات يعيد انطلاق الدولة بكامل عجلاتها الرئاسية والنيابية والحكومية... وصولاً الى الوضع الحكومي الذي بلغ في الآونة الاخيرة أعلى مستويات الإرباك والهشاشة باعتراف رئيس الحكومة تمام سلام. في المقابل، لم تحجب الحماوة السياسية إهتمام اللبنانيين عن موجة الحرّ التي تضرب لبنان، حيث توقّعت مصلحة الأرصاد الجوية أن تبلغ درجات الحرارة معدلات مرتفعة لاسيما في البقاع مع إنخفاض نسبة الرطوبة. وهذا الأمر دفع الجميع الى أخذ إحتياطاتهم، لا سيما المزارعين وسط تزايد المخاوف من إندلاع حرائق، في مقابل ارتياد اللبنانيين البحر بكثافة، مع تخوّفهم من ان يضرب الجفاف لبنان عشيّة بدء فصل الصيف غداً رسميّاً. المشهد الانتخابي معطّل، وقانون الانتخاب يبقى العقدة المستعصية التي ثبت النقاش حوله انه بات يتطلّب عصا سحرية تفرض على قوى الانقسام السياسي التوقّف عن هدر الوقت واستنزاف البلد، والالتزام بخط سير وحيد يقود الى صناعة وصياغة المخرج من المأزق السياسي الذي يتعمق اكثر فأكثر، لا بل يزداد صعوبة اذا ما أضيفت اليه الهواجس الامنية والاخطار التكفيرية المحدقة، والتي تجهد الاجهزة العسكرية والامنية في محاولة درئها وملاحقة الارهابيين.

تبعاً لهذا المشهد، لا تؤشر الاجواء السائدة عشيّة الجولة الحوارية الجديدة في عين التينة غداً، الى إيجابيات يبنى عليها، وخلافاً للعواطف السياسية التي تبديها الاطراف السياسية حول اهمية الاستحقاق الانتخابي النيابي وضرورته، فإنّ الممارسة على الارض تَشي برغبات متقاطعة بتفصيل هذا الاستحقاق بحسب المقاس السياسي او الطائفي والمذهبي. ما يعني استمرار الازمة الى ما شاء الله.

وعليه، لا يبدو انّ خريطة الطريق الى الحل، التي وضعها الرئيس نبيه بري في جولة الحوار السابقة، قد حظيت بالتجاوب المطلوب معها على ما يتمنى بري، خصوصاً وانّ معظم الاطراف لم تخرج من خلف متاريسها،.

هذا الجو التشاؤمي يلاحظه الرئيس بري، الّا انه لا يريد ان يقفل الابواب، حتى ولو كان الامل ضعيفاً، بل ما زال ينتظر الفرج ان يأتي حتى من عمق التعقيدات.

وقال امام زواره: «ما زلت متشائلاً. وانتظر اجوبة القوى السياسية على المبادرة التي طرحتها، والتي اقترحت فيها حلاً عبر سلوك واحدة من الطرق التالية:

- الاولى، عبر الاتفاق على قانون انتخابي جديد، يصار بعد إقراره الى التقصير الفوري لولاية المجلس النيابي الحالي، (مع تعهد القوى السياسية كلها بحضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية)، وإجراء انتخابات نيابية على اساس القانون الجديد، ومن ثم عقد الجلسة النيابية العامة الاولى للمجلس الجديد، يتم فيها انتخاب هيئة المجلس النيابي، ومن ثم ترفع هذه الجلسة، على أن يليها فوراً او بعد ربع ساعة او نصف ساعة، عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية أيّاً كان هذا الرئيس، وإن لم نتمكن من انتخابه في الدورة الاولى فنستمر بدورات متتالية حتى انتخابه. أي لا نخرج من المجلس قبل انتخاب الرئيس.

- الثانية، عبر الاتفاق على إجراء الانتخابات النيابية على اساس القانون الانتخابي المعمول به حالياً (قانون الدوحة)، يصار بعده الى تقصير ولاية المجلس الحالي، ومن ثم تجري الانتخابات في ظل التعهد نفسه بحضور الجميع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وثم يتمّ انتخاب هيئة المجلس، وبعد ذلك فوراً تعقد جلسة في اليوم نفسه لانتخاب رئيس الجمهورية، وتستمر العملية الانتخابية فيها الى حين انتخاب الرئيس، أي لا نخرج من المجلس قبل انتخاب الرئيس.

- الثالثة، الاتفاق على عقد «دوحة لبنانية»، شبيهة بتلك التي عقدت في العاصمة القطرية، والاتفاق فيها بشكل حاسم على ثلاثة بنود: الأول على رئاسة الجمهورية وموعد إجراء الانتخابات ومن هو الشخص المؤهل لتولّي هذه المسؤولية، الثاني الحكومة شكلاً ومضموناً والشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة، والثالث قانون الانتخاب والتقسيمات الانتخابية سواء أكانت وفق النظام الاكثري او النظام النسبي او المختلط.

وقال بري: جلسة حوار الثلثاء مفصلية، حيث يفترض ان يبنى عليها كل مسار المرحلة المقبلة، كما يفترض ان يتضح بصورة نهائية مصير قانون الانتخاب من حيث الإجابة عن سؤال حول «ماهية الدوائر والنظام الانتخابي»، وفي حال تمّ حسم هذا الامر فجلسة اللجان النيابية المشتركة في اليوم التالي ستتولى ترجمته وإعداد صيغة القانون الجديد، لكن كما سبق وقلت انا ما زلت متشائلاً والكرة في ملعب القوى السياسية.

وحرص بري على التأكيد مجدداً ان لا تمديد للمجلس النيابي الحالي تحت أي ظرف، فهذه جريمة بحق البلد، وقال انّ قانون الستين يشكّل مشكلة كبيرة، واكثر من ذلك هو وجه آخر للتمديد بمعنى انه تمديد بالانتخاب للمجلس الحالي. ذلك انّ النتائج، اذا ما أجريت الانتخابات على أساسه، ستأتي تقريباً بذات التركيبة النيابية الحالية، ومع ذلك هناك من يتعمّد عرقلة التوجه نحو اعتماد النسبية، لكي نصل الى قانون الستين كأمر واقع.

وعشيّة جلسة الحوار استطلعت «الجمهورية» مواقف اطراف الحوار، فجاءت على الشكل التالي:

«المستقبل»

رفض الرئيس فؤاد السنيورة استباق جلسة الحوار بتحديد موقف تيار المستقبل من مبادرة بري قائلاً: جوابنا سنعطيه في الجلسة، وليس قبلها، مفضّلاً الاعتصام بالصمت ريثما يأتي أوان الكلام المُباح في جلسة الحوار. وعلمت الـ«الجمهورية» انّ «المستقبل» سيجتمع في الساعات المقبلة لتنسيق الموقف قبَيل نقله الى الحوار.

«الإصلاح والتغيير»

وقال عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون لـ»الجمهورية» إنّ «التكتل» يتعاطى بإيجابية مع كل طرح يسمح بالخروج من الأزمة، خصوصاً إذا تضمّن إعادة تكوين السلطة، وهو كان دعا في أكثر من مناسبة الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لوَضع حدّ لمسلسل التمديد ولإعادة تحديد الواقع التمثيلي لكل القوى السياسية كمدخل لمعالجة الأزمة الرئاسية العالقة.

إلّا أنّ شعوري هو أنّ نتائج الإنتخابات البلدية شكلت الضربة القاضية لفكرة الإنتخابات المبكرة حيث ما زالت قوى عدة تلملم جراحها وخسائرها، وهي تحتاج لِما تبقى من مدة فاصلة عن الاستحقاق النيابي المقبل لمحاولة استنهاض قواعدها لتجنّب تكرار نكسة البلديات».

ميقاتي

وأكدت مصادر الرئيس نجيب ميقاتي لـ»الجمهورية» انّ موقفه الثابت يتلخّص بضرورة إعطاء الاولوية للاتفاق على قانون انتخاب قبل أي أمر آخر، على ان يتمّ قبل ذلك إجراء الانتخابات الرئاسية ومن ثم إقرار قانون الانتخاب الجديد وإجراء الانتخابات على أساس هذا القانون.

واشارت المصادر الى انّ الرئيس ميقاتي يعتبر انّ الخيارات المتاحة باتت حالياً برأيه: إمّا مشروع القانون الذي أقرّته حكومته او اقتراح القانون المقدم من كتلة الرئيس بري وهذه هي خريطة الحل للأزمة الراهنة».

«الكتائب»

وقال عضو كتلة «الكتائب» النائب ايلي ماروني لـ»الجمهورية»: «نحن مع الانتخابات النيابية اليوم قبل الغد، لكن بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، ونتمنى الّا نصل الى موعد الانتخابات النيابية في سنة 2017 من دون ان يكون هناك رئيس جمهورية».

وأضاف: «على صعيد القوانين الانتخابية المطروحة، تقدّمنا باقتراح قانون معجّل مكرر ينصّ على الدائرة الفردية، لكننا في الوقت نفسه نناقش في مختلف القوانين في اللجان النيابية المشتركة». وجدد التأكيد اننا «نسعى ونعمل جاهدين لانتخاب رئيس للجمهورية، وعندها تسقط كل الاعتبارات ولا يعود هناك مبرر لأيّ مبادرة لأنّ الامور الدستورية تأخذ مجراها الطبيعي».

«القوات»

ورفض عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم إبداء أي رأي في مبادرة بري «طالما انّ «القوات» غير مشاركة في طاولة الحوار»، لكنه تمنى «ان يحصل توافق بين جميع الافرقاء على قانون انتخابي جديد». وقال لـ»الجمهورية»: نحن سنعمل على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس قبل الانتخابات النيابية، ولكنّ التمديد لمجلس النواب لم يعد مقبولاً».

«اللقاء الديموقراطي»

وقال عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب غازي العريضي لـ»الجمهورية»: «لقد أيّدنا مبادرة الرئيس نبيه بري حين طرحها على طاولة الحوار ولا شيء جديداً عندنا». واكد «اننا اوّل من نادى بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس».

«القومي»

وذكّر النائب مروان فارس بمشروع «الحزب السوري القومي الاجتماعي» لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية، وقال لـ«الجمهورية»: «أيّ قانون انتخابي نريده خارج القيد الطائفي، ومشروعنا يساهم في اخراج لبنان من وضعيته الطائفية، ونحن نتمسّك به وسنطالب به داخل طاولة الحوار وفي كل الامكنة الاخرى». اضاف: «نحن مع انتخاب رئيس جمهورية في اقصى سرعة، ونتمنى إنجاز هذا الاستحقاق اليوم قبل الغد. ونحن مع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها».

إستقالة «الكتائب»

وفي تطورات الاستقالة الكتائبية من الحكومة، يفترض ان يرسم اجتماع المكتب السياسي الكتائبي خريطة الطريق التي ستسلكها استقالة الوزيرين سجعان قزي وآلان حكيم، وآلية عملهما في المرحلة المقبلة.

ولفت الانتباه في هذا السياق موقف رئيس الحكومة تمام سلام من الاستقالة، حيث اكد في دردشة صحافية أنّه اذا كانت النية جدية بالاستقالة فيجب ان تقدّم خطية الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

ورداً على دعوته الى الاستقالة من قبل رئيس الكتائب، قال سلام إنّ «لكلّ رأيه، وغيره قال كلاماً آخر، ورغبة عارمة بعدم التخلّي وعدم ترك المسؤولية وهذا الأمر يشكل عليه عبئاً كبيراً». واعتبر انّ «المسؤول ينبغي الّا يتخذ قرارات فَشِّة خلق أو لرغبات ذاتية او شخصية».

وقالت مصادر كتائبية لـ«الجمهورية» انّ «المناقشات ستكون محصورة بعدد من الإقتراحات حول ما يمكن القيام به في المرحلة المقبلة، وتحديداً بين دعاة الإستقالة النهائية والشاملة التي تؤدي الى تجميد عمل الوزيرين وتسليم وزارتيهما الى الوزيرين البديلين، وآخر يقول باستمرار تصريف الأعمال من أي مكان، ومقاطعة جلسات مجلس الوزراء من دون البت بموضوع توقيع المراسيم الدستورية التي تحتاج توقيع رئيس الحكومة والوزراء كافة لتصبح نافذة، عملاً بانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحكومة وكالة».

وعلى هامش هاتين النظريتين، تبرز مناقشات حول كيفية تحديد الحد الأدنى لتصريف الأعمال والحد الأقصى، على خلفية القراءات الدستورية والقانونية التي تسلّح بها رئيس الحزب النائب سامي الجميّل عند زيارته رئيس الحكومة تمام سلام يوم الجمعة الماضي ناقلاً اليه الاستقالة شفهياً بدلاً من ان تكون خطية لعدم وجود رئيس للجمهورية يبتّ بها.

وقد تسلّح الجميّل بدارسات عدة طلبها من بينها دراسة للوزير السابق إدمون رزق وثلاث أخريات إحداها للوزير السابق البر منصور كما تردد في أوساط حزبية، وكلها قالت بما يوحي بتكرار تجربة استقالة الوزير أشرف ريفي ما لم يَعد الحزب في اجتماع المكتب السياسي عن قراره بالاستقالة، وهو أمر شبه مستحيل.

وفي السياق، قال قزي لـ«الجمهورية» تعليقاً على رأيه فيما إذا كانت المشهدية نفسها ستحصل لو كان الرئيس أمين الجميل ما زال رئيساً للحزب: «بالطبع لا لم تكن ستحصل»، بينما قال حكيم لـ»الجمهورية» إنه «يعلن مسبقاً التزامه قرار الحزب مهما كان».

النفط

بعيداً عن السياسة، عاد ملف الثروة النفطية والغازية البحرية الى دائرة الاهتمام مجدداً مع الجهود التي برزت أخيراً من قبل الجهات المعنية اللبنانية لإعادة تحريك هذا الملف وصولاً الى إمكان الانتقال فعلياً وبصورة نهائية الى استفادة لبنان من هذه الثروة الضائعة في اعماق البحر. وهذا الأمر كان مدار بحث جدي ومفصّل بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الطاقة ارتور نظريان ووفد من اللجنة المختصة بملف النفط، وبرزت خلاله نوايا جدية لوضع هذا الملف على نار حامية.

وعلمت «الجمهورية» انّ الرئيس بري سيثير هذا الموضوع على هامش جلسة الحوار الوطني غداً مع رئيس الحكومة تمام سلام، وسيقترح عليه ضرورة ان يدرج هذا الامر في جدول اعمال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، حيث بات من الضروري والملحّ إصدار المراسيم التطبيقية التي تتيح الشروع في وضع لبنان على سكّة الاستفادة من ثروته النفطية.