حتى اليوم، لم تُعرف «أسرار» عمليّة هروب ثلاثة سجناء من داخل سجن رومية: الجزائري فيصل عقلي، والسوري عمر عثمان والفلسطيني محمود فلاح. 4 سنوات من التّحقيقات والاستجوابات التي تخلّلتها جلسات عامّة في المحكمة العسكريّة، من دون أن تفضي إلى اكتشاف كيفيّة هروب هؤلاء.

 

الخيط الوحيد الذي استطاع المحقّقون والقضاة أن «يتثبّتوا» عليه هو ما أفشى به النزيل السابق في رومية خليل ب. الذي زار عقلي بعد خروجه من رومية، حيث طلب منه الأخير مساعدته في الهروب بعد أن حضّر عمليّة محكمة من خلال ارتداء زيّ امرأة منقّبة. واستفاد عقلي من تخفيف الإجراءات على النساء المنقّبات اللواتي يدخلن كزائرات إلى رومية واحتفاظهنّ بهوياتهنّ وتأمين مصلّى لهنّ، بعد «انتفاضة صغيرة» قام بها الموقوفون في الطبقة الثالثة من المبنى «ب».

 

هل هرب عقلي بزيّ امرأة؟ لا أحد يعرف. والأصحّ، لا أحد يعلم التاريخ الحقيقي لهروب أيّ من المساجين الثلاثة، خصوصاً أنّ القوى الأمنيّة لم تكن تتجرأ على الدّخول إلى الطبقة الثالثة وتعداد الموقوفين خوفاً من الاحتجاز، مكتفيةً بالتعداد الذي كان يقدّمه «شاويش الطابق».

 

ولو لم تعمد المخابرات إلى إرسال دوريّة مكافحة إلى السّجن بعد ورودها معلومات عن حصول عمليّات هروب، لما كان عرف الأمنيون داخل رومية بالأمر.

 

كلّ ذلك حصل، من دون أن يفكّر المعنيّون داخل رومية، ولو للحظة، أنّ في الأمر شبهة ما، إلى أنّ قام المسؤول عمّا كان يسمى «الموقوفين الإسلاميين» خالد يوسف الملقّب بـ «أبو الوليد» ومعه «أبو تراب» بإبلاغ المعنيين عن حصول عمليّة هروب ثلاثة موقوفين.

 

بالأمس، لم تخرج عمليّة استجواب المدّعى عليهم الموقوفين الـ9 بينهم عميد و3 ضبّاط و3 عسكريين بالإضافة إلى موقوفين سابقين وحاليين، عن جلسات الاستجواب السابقة، تماماً كما لم يقدّم المدّعى عليهم معلومة جديدة عن عمليّات الهروب.

 

كلّ ما حصل هو تراشق للمسؤوليّات بين الضباط والعسكريّين الموكلين مهام السجن في تلك الفترة، ليصبح الاستجواب أشبه بـ «مضبطة اتّهامات» بين المدّعى عليهم. كلّ واحدٍ منهم يريد التنصّل من مسؤولياته وإلصاق الأخطاء بمن هو أقلّ منه رتبة! فيما تكفّل ممثّل النيابة العامّة القاضي داني الزعني بالإشارة إلى التسيّب الذي كان يغرق به سجن رومية والانتفاضات المتكرّرة التي كان يقوم بها المساجين واحتجاز القوى الأمنيّة ومنع هؤلاء من الدخول إلى الغرف للتعداد أو سوق الموقوفين.

 

وعلى هذا المنوال، كانت الاتهامات متلاحقة. «أبو تراب» ينفي أن يكون الموقوفون قد قاموا باحتجاز عسكريين، مؤكّداً أنّ القوى الأمنيّة التي كانت تقوم بالتّعداد، وإن أكّد المؤكّد بشأن تمتع الموقوفين بإدخال الكثير من الهواتف والحواسيب النقّالة!

 

آمر سريّة السجون اتّهم الضبّاط والعسكريين أنّهم لا يحبونه لأنّه لم يكن يقبل بالتسيّب الحاصل داخل رومية وهم أتوا إلى رومية «غصباً عنهم»، وأجبرهم في إحدى المرّات على الدّخول إلى الطبقة الثالثة كي يؤكّد لهم أنّ «المساجين ما بياكلوا عالم»، برغم أنّ مكتبه كان خارج رومية وهو مسؤول عن أكثر من سجن وليس متابعة التفاصيل الدقيقة داخل رومية.



يحكي الضابط عن سجلّاته الحافلة بضبط المخالفات وتوقيف ضبّاط وعسكريين كانوا يُدخلون الهواتف والمخدّرات إلى داخل رومية، بالإضافة إلى أنّه قام بتركيب أجهزة تشويش على هواتف المساجين ليطلب منه بعد ساعات قليلة أن يقوم بفكّها!

 

يعتبر الضابط المدّعى عليه أنّ إشارتهم (الضباط) بأنّ هروب عقلي حصل بارتدائه ثياب إمرأة منقّبة هي «محاولة مدسوسة لكي يعلّقوني أنا»!

 

أمّا آمر السّجن فيدافع عن نفسه بأنّه أمضى في سجن رومية أقلّ من 35 يوماً.. وبالتالي «من يؤكّد لي أن عمليّات الهروب الثلاثة حصلت في وقت تسلّم مهامي؟!».

 

ويذهب الضابط أبعد من ذلك ليتّهم آمر السّجون بأنّه هو من أعطاه أمراً شفهياً بعد اتفاق حصل بينه وبين «لجنة الإسلاميين» بعدم تفتيش الأغراض الآتية من «حانوت السجن»، بالإضافة إلى تخفيف إجراءات التفتيش وتسهيل دخول النساء إلى رومية.

 

في حين يؤكّد ضابط الدّوام أنّ «التعداد كان وهمياً» وأنّه لا يتجرأ على الدّخول إلى الطبقة الثالثة لأي سبب من الأسباب «كي لا يأخذونا رهائن». يستذكر الضابط أنّه دخل بعد ثلاثة أيّام من تكليفه بمهام أمرة السجن، ليتمّ احتجازه في غرفة مع اثنين من العسكريين مقابل تأمين 26 مروحة للموقوفين!

 

على مدى أكثر من نصف ساعة، بقي الضبّاط والعسكريون يتراشقون التّهم. كلّ يريد إلباسها للآخر، فيما طالب أحد العسكريين بأن يتمّ استدعاء العسكريين الآخرين الذين كانوا داخل السّجن خلال معرفة عمليّة الهروب أو قبلها.

 

وقد أرجئت الجلسة إلى 14 تشرين الثاني المقبل لاستكمال الاستجواب والاستماع إلى عدد من الشهود.

 

المصدر: السفير