يمكن لمتابعي مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان سماع موجة الغضب العارمة على اللجنة التي وضعت اسئلة الامتحانات الرسمية للثانوية العامة في دورتها العادية، التي يرأسها وزير التربية الياس ابو صعب، تحديدا في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية.
أما زوايا الغضب الاخرى، فتوزعت على الاجراءات الامنية والعسكرية والرقابة الصارمة في مراكز الامتحانات، وفي القاعات ايضا، وعلى طريقة التعامل مع الطلاب من قبل المراقبين، ما أدى الى انهيارات نفسية وعصبية لدى بعض الطلاب حتى المتفوقين منهم لا يكفي ان الامتحانات الرسمية مرحلة اساسية ومهمة لتقييم المستوى العلمي للطالب، التي من خلالها يسهل تصنيفه نحو أي اختصاص سيتوجه من خلال المعدلات والنتائج النهائية بعيدا عن النتائج المدرسية. هذه الامتحانات متبعة منذ بدايات القرن التاسع عشر مع اختلاف المسميات والإجراءات.
إجراءات لم تخضع لأي تعديل في الشكل والطريقة والنتيجة منذ أمد بعيد رغم الثورة التكنولوجية الكبيرة التي شهدها ويشهدها العالم منذ سنوات.
فالصيغة التقليدية المتبعة في لبنان هي النجاح العام من خلال مجموع العلامات بغض النظر عن المواد ما إذا كانت أساسية ام فرعية او مكملة. هذا في النتيجة اما في الإجراءات فتلك حكاية طويلة.
يعيش الطالب المرشح للامتحانات الرسمية ضغطاً نفسياً منذ لحظة تلقيه خبر ترفيعه الى صف هذه الاختبارات، والامر يعود الى الخوف المتناقل عبر الأجيال لسيرة هذه الامتحانات.
تتدرج الآمال تباعا بخصوص هذه الامتحانات.
اولا على المنهاج ان يكون مقبولا وإكماله متاح خلال عام "بغض النظر عن العطل والاضرابات والعوامل المناخية او غيرها التي قد ترافق مسار العام الدراسي"، ثم أسئلة الامتحانات والدعاء بأن تكون مطابقة لما جرى درسه، واخيرا مرحلة التصحيح.
وهي مرحلة يجري التعامل معها كسلعة، اذ إن الاستاذ المصحح يتقاضى بدلا عن كل مسابقة ينجزها فيصبح همه تصحيح اكبر عدد من المسابقات بهدف الكسب الأكبر على حساب المحتوى. مراحل ثلاث ينشغل بها الطالب طوال السنة.
ولكن ما ليس في الحسبان لدى الطالب هو المفاجآت عشية الامتحانات وايام الاختبارات. وهو ما لم يتسن له ان يفكر فيه او يحسب حسابه.
فعشية الامتحانات توعد وزير التربية، في مؤتمر صحافي، وبنبرة حادة، الطلاب بالويل والثبور في حال حصول أي نوع من الغش او ما شابه، وهدد بتشديد المراقبة والتشدد في توزيع الطلاب داخل الصفوف من ناحية العديد والاختصاصات، فضلا عن زيادة المراقبين في كل قاعة امتحان.
وتوعد أيضا بالإجراءات القاسية في حال المخالفة. يوم الامتحان يدخل الطالب الى "الثكنة" التربوية، التي تجري حراستها بنحو ظاهر من قبل القوى الامنية "المسلحة"، فيما يدقق عناصر الامن في أوراق الترشيح، وطبعا بعد التفتيش الجسدي الدقيق من قبل أصحاب البزات العسكرية نفسها. المقدمات في التعاطي مع الطالب تؤدي إلى ردات فعل نفسية متفاوتة "الاخبار" واكبت الامتحانات في ايامها الأولى واستطلعت ردود فعل بعض الطلاب.
تبكي الطالبة آية (المرشحة للثانوية العامة عن فرع الاجتماع والاقتصاد) قبيل دخولها مركز الامتحان بعد وصول قوة من الجيش اللبناني المكلفة حماية احد مراكز الامتحان في بيروت.
عناصر هذه القوة مُدججون بالسلاح الفردي الكامل. تسأل "في شيء؟ ليه هيك فايتين؟ معقول يطلع انفجار؟".
تتوتر ويصفر وجهها محاولة الحفاظ على تماسكها قبل بدء الامتحان، وتكمل رحلة استكشاف "طريق الشوك"، وإذ بالتدقيق على باب المركز من قبل أحد عناصر قوى الامن الداخلي يشبه اجراءات التدقيق في هويات المسافرين في المطارات، تحت حجة التأكد من تطابق بطاقة الترشيح مع المتقدم للامتحان. كثيرون اشتكوا، ولا سيما الفتيات، من طريقة التفتيش الجسدي الدقيق لهن من قبل العناصر النسائية في قوى الامن الداخلي قبل توجههن الى قاعاتهن المخصصة.
هذه ببساطة المرحلة التي يمر بها الطالب قبل ان يستلم اوراق المسابقات. يصل الى الصف بنفسية غير ملائمة لخوض الامتحان الصعب، فهو لم يعتد الدخول الى "ثكنة عسكرية".
يمر اليوم الأول للامتحان على وقع مؤتمر صحافي اخر يعلن فيه وزير التربية اكتشاف "شبكة" غش للامتحانات ويعلن عقوبات بحق كل متورط... هنا يزداد التوتر لدى الطالب، ويشعر كأنه بات في خضم عملية "اجرامية".
يقول الطبيب النفسي أحمد عياش لـ"الاخبار" ان هذه المقدمات في التعاطي مع الطالب تؤدي إلى ردات فعل نفسية متفاوتة الحدة وفق المعطيات ووفق المناعة النفسية لدى الطلاب عامة، مستغربا قبول وزارة التربية والتعليم العالي هذا التعاطي والسلوك في لحظة استنفار نفسي عند طلاب آتين وعلى أكتافهم حمل صراعات سياسية واقتصادية وتربوية واجتماعية.
يضيف ان هناك حالات خاصة وكثيرة يعانيها الطلاب قبل الامتحان، حالات نفسية متوترة وحالات عصبية متوسطة وحادة ومزمنة، ومنهم من يتناول الادوية، ومنهم من يعاني افراطا في ردات الفعل امام الاحداث.
لذلك، فالمسألة معقدة، وعلى وزارة التربية التخفيف في يوم الامتحان من الضغوط والاشارات والايحاءات الاستفزازية ليتمكن الطلاب جميعا من التعبير خطيا براحة وهدوء.
ثارت موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الطلاب، وخاصة من ناحية التشدد في المراقبة وصعوبة الامتحانات خاصة الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية. احد الطلاب اشتكى على صفحته من عدم اعطاء المراقب له كراسا ثانيا ليكمل مسابقته.
العديدون منهم اشتكوا من تزامن الامتحانات مع شهر الصوم ولم يراع أحد من المسؤولين هذا الموضوع ابتداء من الوزير وصولا الى المراقبين. طالب آخر نشر علاماته المدرسية على صفحته في الفايسبوك وهي بمعدل جيد جدا، وقال انا ادعو الله أن انجح فقط في هذه الامتحانات التعجيزية. لم تقف حدة الانتقادات عند هذا الحد، بل وصلت الى حد اتهام الوزير بأنه يريد ان يكفر عن ذنب إعطائه الافادات العام الماضي بمعاقبتنا هذه الدورة.
هذه المواقف جاءت على الرغم من اصرار وزير التربية على التبشير بامتحانات غير صعبة في معظم المواد، بما في ذلك شطب مقررات من مادة الفلسفة.
وهذا يدل على ان الطلاب، قد لا يكونون محقين في ملاحظاتهم، الا ان الاجواء التي تُفرض عليهم قبل الامتحانات وخلالها تجعلهم شديدي التوتر وخائفين وفاقدي الثقة بانفسهم.
الأخبار