يعمل «حزب الله« على أكثر من جبهة في آن، بعضها عسكري وبعضها الآخر سياسي، وآخرها فتحه جبهة حرب جديدة على القطاع المصرفي في لبنان من خلال تهديده بضرب استقراره المرتبط اصلاً باستقرار البلد. وزبدة أو خُلاصة هذا التهديد، تُرجمت بتفجير مبنى مصرف «لبنان والمهجر» في فردان. وبغض النظر عما إذا كان الحزب هو الفاعل أم لا، لكنه بكل تأكيد ساهم إلى حد كبير في وصول الوضع إلى هذا الحد وذلك بعد النكبات والأزمات التي مني بها في الحرب السورية التي وبسببها ازدادت أنشطته غير المشروعة ليتم على أثرها تسليط الضوء على كافة أنشطته في الداخل والخارج.

هي جبهات متنقلة ومتفلّتة، يرسم من خلالها «حزب الله» لنفسه، طريقاً واحدة لا إياب فيها. يحتار من أين يبدأ ومن دون أن يدري متى وكيف ستكون النهاية. في الحرب السياسية خسر حلفاء وأصدقاء بعدما انقلب على المواثيق والأعراف وحاول أن يفرض قوانين جديدة وليس آخرها تكريس مبدأ تعطيل انتخاب رئيس جمهورية. وفي حرب العسكر، لا مجال لحصر الخسائر التي ما زالت تُلاحقه على جبهات الموت إذ لا يكاد يمر يوم من دون تشييع فرد أو أكثر من عناصره سقط في سوريا، وفي الكثير من الأحيان تكون الخسارة سقوط مجموعة بكاملها، وهو مستنقع لم يستطع حتىّ اليوم الخروج منه أو أقله الحد من خسائره.

أمّا في الحرب المصرفية والتي يبدو أنها آخر الكيّ بالنسبة اليه، فهناك شكوك كبيرة بأن «حزب الله» هو من يقف وراء التفجير الأخير خصوصاً إذا تمت مقاطعته مع ما نشرته «وكالة فارس» أوّل من أمس عن «مقرّب مجهول« من «حزب الله» أن «المواجهة غدت بين الحزب والمصارف شبه حتمية في ظل إصرار الأخيرة على التملّق أمام واشنطن، وعلى نحو مضطرد«، محذراً «إما أن تُستثنى بيئة الحزب الحاضنة وتنحصر المواجهة معه بشكل مباشر، وإلا نكون في النهاية أمام 7 أيار جديد، وربما الخامس والعشرين منه«. والغريب أن هذا التهديد صدر قبل ساعتين تقريباً من وقوع الانفجار في مصرف «لبنان والمهجر».

من يُتابع مسيرة «حزب الله» منذ اعلان الثورة في سوريا العام 2011، يظن لوهلة أن هذا الحزب يهوى الهزائم ويُلاحقها من مكان إلى آخر، وذلك على عكس الصورة التي كان قد رسمها لنفسه في زمن حربه مع إسرائيل. لا انتصار يُسجل في أي حرب يخوضها مهما حملت من عناوين «مقدسة» أو شعارات «إلهية»، فبعد الخسائر المتلاحقة التي تكبدها في بلدتي «مضايا» و»الزبداني» في ريف دمشق، عاود بالأمس شنَّ هجومٍ جديدٍ على الأخيرة في محاولة هي العاشرة ربما لاقتحامها والضغط على المدنيين والفصائل المعارضة للخروج من المدينة. وقد تزامن هذا الهجوم مع أنباء عن مفاوضات رعتها إيران لإخراج الأهالي والفصائل المعارضة من الزبداني وتسليمها للحزب خلال 10 أيام.

جبهات «حزب الله» العسكرية والسياسية و»المصرفية»، كلفته لغاية اليوم، آلاف العناصر بين قتلى وجرحى. ضرب الاستقرار الاجتماعي والمعيشي وربط مصير البلد بمصيره ومصير حروبه، وفي الحرب المصرفية، فمن المؤكد ان هذه الحرب سوف لن تعود بالفائدة على جمهوره وبيئته بعدما زجّ بهم بهذه الحرب عنوة ومن دون الاخذ برأيهم تماما مثلما جرّهم الى حرب تموز وباعهم بعدها كلاماً في «العزة» و»الشرف» و»الطهارة». وفي عملية حسابية بسيطة، يتبيّن أن مجموع ما خسره الحزب من عناصر وعتاد ومال ومؤيدين منذ تدخّله في الحرب السوريّة، لا تجوز مُقارنته في أي شكل من الأشكال مع ما حقّقه ميدانيّاً او ما كسبه تجاريًّا، ولا حتّى مع الأهداف التي كان أعلنها يوم انخراطه بهذه الحرب والوعود بـ»النصر».

من الواضح أن غض طرف جمهور «حزب الله« عن مُحاسبة أو مساءلة الحزب وقيادته حول السياسة التي يتبعها وإغراقه في هذه الحرب التي أدت إلى كل هذه الخسائر الكبيرة في الأرواح حتّى اليوم، يزيد من تفرّد الحزب بالقرار الشيعي وغير الشيعي وآخرها اعلان الدخول في حرب اقتصادية باسمهم. كل هذا من شأنه أن يضع هذا الجمهور في مواجهة مستمرة مع الشعب السوري أوّلاً ومع المجتمع الدولي ثانياً. والأغرب من كل هذه الافعال التي يصر الحزب على ممارستها، هو قراره بالأمس القاضي بإرسال مقاتلين جدد إلى سوريا قيل إن عددهم يفوق الثلاثمائة عنصر، واللافت أن هذه العناصر تنتمي بمعظمها إلى كتيبة «الرضوان» النخبوية، ما يعني أن الحزب قرّر أن يتحضر لهزيمة جديدة.

علي الحسيني المستقبل