يبدو المشهد الداخلي عرضة لموجات متقلبة بين سخونة سياسية تتصل بأزمة الفراغ الرئاسي وما يتفرع عنها من أزمات وتعقيدات، ومبادرات جديدة يراد لها ان تحرك جمود هذه الازمة على غرار الاستعدادات الفرنسية لإيفاد وزير الخارجية جان - مارك ايرولت الى بيروت ولكن من دون أي أفق واضح لحظوظ هذا التحرّك الجديد. وفي ظل هذه الاجواء اكتسبت مواقف جديدة اطلقها الرئيس سعد الحريري مساء أمس في افطار هو الثاني اقامه "تيار المستقبل" لعائلات من زحلة والبقاع الاوسط في شتورا دلالات بارزة وخصوصاً لجهة الحملة الحادة التي شنها على "حزب الله" في مسألة تورط الحزب في الحرب السورية كما في موضوع ازمته مع القطاع المصرفي. وتناول الحريري في كلمته الحرب السورية وانعكاساتها على لبنان فقال: "انا غير مستعد لا من أجل مزايدات ولا من أجل انتخابات ولا من أجل أي شيء ان اسمح لأهلي ان يتعرضوا هنا في البقاع وفي لبنان لما يتعرض له أخوتنا في سوريا". ولفت الى ان "لبنان بكل مناطقه وطوائفه بدءاً بالطائفة الشيعية الكريمة يدفع أثماناً لا تطاق لخيارات لا رأي فيها للبنان واللبنانيين ودولتهم" جراء مسلسل تورط "حزب الله وليس شيعة لبنان في حروب لا نجني منها سوى المقاطعة والعقوبات ووقف الدعم عن مؤسساتنا الشرعية". واذ رأى ان مشكلة العقوبات الاميركية "تعكس جانباً من هذه المشكلة"، أضاف ان الولايات المتحدة "تحاسب أو تعاقب حزب الله وليس اخواننا الشيعة ومعظم الدول الاوروبية أدرجته على لوائح الارهاب على خلفية عمليات أمنية منسوبة الى الحزب وليس اخواننا الشيعة وكذلك الامر بالنسبة الى السعودية والبحرين والكويت والامارات وقطر وغيرها من الدول العربية". كما حمل على الحزب لتهجمه على القطاع المصرفي ومنعه منذ سنتين اكتمال النصاب في مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية.
يشار في هذا السياق الى ان معلومات موثوقاً بها توافرت أمس عن سقوط أكثر من 20 قتيلاً في صفوف مقاتلي "حزب الله " في جنوب حلب في اليومين الاخيرين بينهم فتى في السابعة عشرة من عمره، وذلك عقب نصب مكمن لهم وعدم توافر غطاء جوي روسي لقوة من الحزب كانت في مهمة قتالية. كما وقع عدد من الاسرى في صفوف القوة. واعتبرت هذه الحصيلة الخسارة الكبرى للحزب في معركة واحدة منذ معارك القصير في أيار 2013.
وفي سياق التحركات المتصلة بالازمة الرئاسية، أفاد مراسل "النهار" في باريس سمير تويني ان الملف اللبناني سيكون مع الملف السوري على رأس قائمة المواضيع المدرجة في جدولي زيارتين لكل من وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف وولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لباريس ابتداء من 26 حزيران الجاري. وتسعى العاصمة الفرنسية التي بدأت التحضير لزيارة وزير خارجيتها لبيروت في العاشر من تموز المقبل الى مزيد من المشاورات مع القوى الاقليمية والدولية للدفع نحو اخراج لبنان من المأزق السياسي المرتبط بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنتين.
استقالة... لا استقالة!
الى ذلك، برزت أمس ملامح تعقيدات في قضية استقالة الوزيرين الكتائبيين سجعان قزي وألان حكيم التي بدا في وجهها الحزبي انها تستبطن خلافاً صامتاً مرشحاً للخروج الى العلن بين رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والوزير قزي. وقد استرعى الانتباه ان الجميل قام بنفسه ظهر أمس بزيارة السرايا من غير ان يرافقه الوزيران قزي وحكيم حيث أبلغ رئيس الوزراء تمام سلام استقالة الوزيرين رسمياً وشدد على الاثر على ان "لا عودة عن الاستقالة".
وقالت مصادر قيادة حزب الكتائب لـ"النهار" إن الإستشارات الدستورية التي أجراها الحزب بيّنت أن استقالة الوزير من الحكومة تُقدم خطياً إلى رئيس الجمهورية بموجب البند 4 من المادة 53 من الدستور وهو الذي يصدر مرسوما بقبولها مرفقاً بتوقيعه وحده بالإتفاق مع رئيس الحكومة، وفقاً لما يسمى "الصلاحيات اللصيقة بالرئيس"، وتالياً لا حاجة دستورياً إلى تقديم الإستقالة خطياً إلى رئيس الحكومة. وعلى هذا الأساس زار رئيس الكتائب الرئيس سلام وأبلغه استقالة وزيري الحزب.
وذكّرت بأن وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي قدم استقالة خطية إلى الرئيس سلام وصدر مرسوم بقبولها وبتكليف الوزيرة أليس شبطيني تولي وزارة العدل بالإنابة، وسرعان ما تبين للمستشارين القانونيين أن مرسوم قبول الإستقالة غير جائز قانوناً، كما أن لا حاجة إلى تكليف شبطيني وزارة العدل ما دام مرسوم التكليف صادراً عن رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان مع مرسوم تشكيل الحكومة. وما حصل بعد ذلك أن الوزير ريفي عاود مهماته بصلاحياته كاملة وليس في وضع تصريف الأعمال، علماً أن هذه العملية تقوم بها الحكومة وليس الوزير.
وقالت المصادر لـ"النهار" إن المكتب السياسي لحزب الكتائب سيثبت قراره بالإستقالة من الحكومة الإثنين المقبل، ويؤكد مرة أخرى أن لا عودة عنها.
بيد ان مصادر مواكبة لموضوع تبلّغ الرئيس سلام أمس من رئيس حزب الكتائب إستقالة الوزيرين قزي وحكيم قالت لـ"النهار" إن هناك من يرى ان الوزيريّن لا يزالان كامليّ الصلاحيات وإذا لم يمارساها فيعتبران منقطعيّن عن عملهما. ورأت انه كان من المفروض أن يزور الوزيران السرايا لإبلاغ رئيس الوزراء استقالتهما وهذا ما لم يحصل.
وسألت "النهار" الوزير قزي هل يشارك في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، فأجاب: "كل شيء وارد طالما أن الاستقالة لا مفعول تنفيذيّا لها". وفي هذا السياق علمت "النهار ان الوزير قزي تلقى جدول أعمال الجلسة العادية لمجلس الوزراء الخميس المقبل، كما تلقى إشعارا بعقد جلسة إستثنائية لملف النفايات للاستماع الى مجلس الانماء والاعمار.