وقع أكثر من 50 دبلوماسياً مجموعة (منشقين) بوزارة الخارجية الأميركية على مذكرة داخلية تنتقد بشدة سياسة الولايات المتحدة في سوريا، وتطالب بضربات عسكرية ضد الحكومة السورية لوقف انتهاكاتها المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار في الحرب الأهلية الدائرة هناك. ووقّع المذكرة 51 مسؤولاً من وزارة الخارجية الأميركية من المستوى المتوسط إلى المرتفع شاركوا في تقديم النصح بشأن السياسة تجاه سوري، الأمر الذي اعتبرته وزارة الدفاع الروسية "يثير قلق كل عاقل".
ضربات موجهة
واعترفت وزارة الخارجية الأميركية بوجود "برقية دبلوماسية (منشقة) أعدتها مجموعة من موظفي الوزارة تتعلق بالوضع في سوريا". ورفض الناطق باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، كشف المضمون الدقيق لهذه المذكرة الدبلوماسية. لكن صحيفتي وول ستريت جرنال ونيويورك تايمز، أكدتا أن المذكرة تطلب صراحة شن ضربات عسكرية أميركية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. واكتفى كيربي بالقول "نحن ما زلنا ندرس هذه المذكرة التي صدرت قبل وقت قصير جداً".
وتدعو المذكرة إلى تنفيذ "ضربات عسكرية موجهة" ضد الحكومة السورية في ضوء الانهيار شبه التام لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في وقت سابق هذا العام. وستمثل أي ضربات عسكرية ضد حكومة الأسد تحولاً كبيراً في السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما منذ وقت طويل بعدم الانحياز إلى أي طرف في الحرب الأهلية السورية. وقال مسؤول أميركي -لم يوقع على المذكرة لكنه اطلع عليها- إن البيت الأبيض ما زال يعارض أي تدخل عسكري على نحو أعمق في الصراع السوري.
وأضاف المسؤول لرويترز، أن المذكرة لن تغير هذا الموقف على الأرجح، ولن تحول تركيز أوباما عن الحرب ضد التهديد المستمر والمتزايد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال مسؤول ثانٍ قرأ المذكرة، إنها تعبر عن وجهة نظر المسؤولين الأميركيين الذين يعملون بشأن الملف السوري ويعتقدون أن السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما غير فعالة. وقال المصدر الثاني الذي طلب عدم نشر اسمه "باختصار تود المجموعة طرح خيار عسكري ليضع بعض الضغط..على النظام (السوري)".
وبحثت المذكرة إمكانية شن ضربات جوية، لكنها لم تشر إلى نشر المزيد من القوات الأميركية على الأرض في سوريا.
ومن المعتقد أن للولايات المتحدة نحو 300 فرد من القوات الخاصة في سوريا ينفذون مهاماً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لكنهم لا يستهدفون حكومة الأسد.
وقال مدير المخابرات المركزية الأميركية جون برينان أمام جلسة للكونغرس أمس الخميس، إن الأسد بات في وضع أقوى مما كان عليه قبل عام بفضل الضربات الجوية الروسية ضد المعارضة المعتدلة. وقال أيضاً إن قدرات تنظيم داعش الإرهابي وقدرته على شن هجمات في أنحاء العالم لم تتقلص.
وأثارت استراتيجية اوباما حيال النزاع السوري جدلاً كبيراً في السياسة الخارجية لولايتيه الرئاسيتين. وأوباما الذي انتخب في 2008 ومنح جائزة نوبل للسلام في العام التالي، من القادة الديمقراطيين المشككين في النزعة التدخلية العسكرية. وقد حاول إخراج الولايات المتحدة من حربين بدأتا في عهد سلفه جورج بوش الابن في العراق وأفغانستان. وأعلن أوباما المتحفظ جداً على خوض نزاع جديد في الشرق الأوسط، صيف 2013 في اللحظة الأخيرة، تخليه عن قصف بنى تحتية للنظام السوري، على الرغم من اتهامات للجيش السوري باستخدام أسلحة كيميائية ضد مدنيين في آب من تلك السنة.
وفي الأشهر التي سبقت ذلك، وعد أوباما بالتحرك إذا تجاوزت دمشق هذا "الخط الاحمر". ولم تتقبل فرنسا والسعودية بشكل كامل تخلي الرئيس الأميركي عن التحرك في اللحظة الأخيرة. ومنذ ذلك الحين ترفض الإدارة الأميركية كل تدخل عسكري واسع في سوريا، حيث أسفر النزاع عن سقوط 280 ألف قتيل. ولم يواجه هذا الخط بعدم التدخل الذي يدافع عنه البيت الأبيض، أي انتقادات علنية من قبل، إلا أن وزير الخارجية جون كيري، ألمح في الأشهر الأخيرة إلى أنه أراد بذل جهد أكبر، وتحدث عن "خطة باء" موضوعة إذا توقفت عملية التسوية السياسية بالكامل في سوريا.
سياسة أكثر فاعلية
وقال روبرت فورد، الذي استقال في عام 2014 من منصبه كسفير للولايات المتحدة في سوريا؛ بسبب خلافات سياسية، ويعمل الآن في معهد الشرق الأوسط بواشنطن "هذا رقم كبير على نحو مثير للدهشة".
وأضاف أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، كان هناك حث على ممارسة مزيد من الضغوط على حكومة الرئيس بشار الأسد للقبول بالتفاوض لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا.
وأشار فورد إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تطالب فيها وزارة الخارجية الأميركية بانتهاج سياسة أكثر فعالية تجاه سوريا، ففي صيف 2012 اقترحت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون تسليح وتدريب المعارضين للأسد. لكن الخطة التي أيدها مسؤولون آخرون بالإدارة رفضها الرئيس باراك أوباما ومساعدوه بالبيت الأبيض.
عملية سلام تراوح مكانها
وترعى روسيا والولايات المتحدة عملية دبلوماسية وسياسية لتسوية الأزمة في سوريا -محاولات لوقف إطلاق النار وحل سياسي ونقل مساعدات إنسانية- لكنها تحتضر.
وانتقد المحلل أهارون ديفيد ميلييه، الذي كان مستشاراً لستة وزراء خارجية على التوالي، في تغريدة على تويتر، أن "دبلوماسيين أميركيين يحثون أوباما على ضرب الأسد، باي هدف؟ أمر جيد أن وزارة الخارجية لا تقود السياسة الأميركية".
من جهته، حذر المحلل ستيف سيديمان من أن "الضربات الجوية ليست سحرية تزيد من خطر نزاع بين الولايات المتحدة وروسيا"، ملمحاً إلى دعم موسكو لنظام دمشق.
وبرر الناطق باسم الخارجية الأميركية، إرسال هذه المذكرة بالقول إن "هذه القناة الاحتجاجية" تشكل "عاملاً مهماً يحترمه وزير الخارجية ووزارة الخارجية، ويسمح لموظفي الوزارة بالتعبير عن آرائهم لرؤسائهم بصراحة وسرية".
(رويترز - هافنغتون بوست)