أجواء سلبية خيّمت على محور دمشق ــ طهران ــ "حزب الله" بعد الهدنة الروسية ــ الأميركية. أجواء أدّت إلى أزمة ثقة مع موسكو سرعان ما تغيّرت بعد فشل محادثات جنيف والحراك الميداني الكبير للمجموعات المسلحة المدعومة أميركياً وتركياً وسعودياً. تغيّرت الحسابات الروسية، وأفضت الاتصالات مع الحلفاء، والتي توجّت في لقاء طهران الأخير، إلى إطلاق ورشة عمل ميدانية كبيرة تهدف إلى تعزيز وضع الجيش في حلب ومحيطها، والقيام بعمل كبير في دير الزور أيضاً، يكون لحزب الله دور أساسي فيه.

 

منذ 28 شباط الماضي، تاريخ بدء سريان الهدنة على محاور القتال في سوريا، لم تتوقف القراءات والسجالات السياسية بين أطراف المحور الداعم لحكومة الرئيس بشار الأسد.

كان صحيحاً ما قيل عن أنّ الروس أوقفوا الموجة الكثيفة من عمل سلاح الجو، بالتفاهم مع الحكومتين السورية والإيرانية ومع "حزب الله" في لبنان. لكن الأسباب التي تقف خلف الخطوة، والذهاب مباشرة نحو الهدنة ثم السير في موجة تفاوض جديدة، أعادت إلى الواجهة تباينات جدية بين أطراف هذا الحلف. كان الأمر مناسبة عملانية لتأكيد توصيف العلاقات التي تحكم أطرافه: محور متماسك يضمّ دمشق وطهران وحزب الله، وقوى عراقية، وحليف لهذا المحور، اسمه روسيا. لكن السقوف والضوابط التي تتحكم في عمل الطرف الروسي، تختلف تماماً عن تلك التي يعمل وفقها أطراف المحور.

منذ اليوم الأول لانضمام روسيا إلى المواجهة العسكرية المباشرة، حرصت موسكو على إفهام الجميع، ومن دون استثناء، أنّ حركتها تقوم ضمن الإطار الآتي:

ــــ مهمة قواتها تقتصر على العمل الجوي، أما المشاركة على الأرض فتقتصر على عناصر تدريب من جهة، وخبراء يعملون على الجانب الاستخباري إضافة إلى ضباط غرفة العمليات.

ــــ القوات الروسية تحتفظ بحق الإمرة في المعارك التي تشارك فيها، وطائراتها تتحرك وفق مقتضيات الميدان، لكن بأوامر روسية بحتة.

ــــ روسيا أتت إلى سوريا لحسم النقاش حول مصير النظام، وبتّ هذا الأمر ميدانياً لمرة أخيرة. لكن ذلك يتم وفق معايير لا تجعل موسكو تدخل في مواجهة مباشرة، لا مع الأميركيين ولا الإسرائيليين، ولا حتى مع الأطراف الاقليمية الأخرى. حتى التوتر مع تركيا لم تكن تريده، بل توّلت أنقرة جرّ الجميع إليه.

ــــ إن الهدف المركزي الأول للعمليات العسكرية الروسية هو تحقيق توازن قوي يسمح بالذهاب الى طاولة المفاوضات بوضعية أفضل. وعند إعلان الهدنة، قالت موسكو إنها حققت جميع الأهداف. لكنها أيضاً أوضحت بكلمات حازمة، على لسان الرئيس فلاديمير بوتين، أنّه "خلال ساعات قليلة يمكن لقواتنا أن تعود الى الميدان".

بناءً عليه، استؤنفت المفاوضات السورية ــــ السورية في جنيف. وخلال كل الاجتماعات، لم يظهر الفريق الخاضع لوصاية السعودية وتركيا والولايات المتحدة أي استعداد عملاني للتقدم نحو حل فعلي. عمد الفريق الخارجي إلى "شراء الوقت"، بالتوازي مع سعي جميع المجموعات المعارضة إلى استيعاب صدمة المواجهات الميدانية، وتولّت تركيا، وبخلاف كل التعهدات الأميركية السابقة، إعادة دعم المسلحين عسكرياً ومادياً وبشرياً في سياق خطة تعزيز نقاطها العسكرية، خصوصاً في الجانب الشمالي ــــ الغربي من سوريا. وهي منطقة لا تقتصر على الحدود اللصيقة، بل تشمل مناطق حلب وادلب والساحل الشمالي لمحافظة اللاذقية.

هنا، بدأت علامات القلق تتسرّب إلى قوى "المحور"، وأصبح نقد الخطوة الروسية يرتفع. وعندما نُفذت خطّة استعادة تدمر من أيدي "داعش"، تمظهر التباين بحجمه الحقيقي. قال الروس إنّ على دمشق والحلفاء التقدم مباشرة صوب دير الزور، والاستعداد لعمل في الرقة، وطالبوا في الوقت نفسه بوقف العمليات في منطقة حلب. ثم سارع الروس إلى التفاهم مع الأميركيين على تحييد المجموعات المسلحة في منطقة حلب وادلب عن النيران الروسية بحجة أنّ هؤلاء يمثلون آخر النفوذ الميداني للقوى المعارضة التي تجلس على طاولة المفاوضات في جنيف. ولم يعد خافياً على أحد التدخل الروسي لمنع مواصلة العمليات العسكرية في منطقة حلب، ولا حتى في مناطق ادلب (معركة جسر الشغور مثالاً).

في المقابل، لم يكن ممكناً للحكومة السورية الدخول في مواجهة مع الروس. لكن حلفاء دمشق، وخصوصاً حزب الله، قالوا ما يفترض أن يعبّر عن قلق أطراف المحور كافة. رفض حزب الله خوض معارك دير الزور والرقة إلا في سياق سياسي يشمل كل المجموعات الارهابية في سوريا.

عملياً، قال حزب الله، وباسم تحالف دمشق ــــ طهران، إنّه لا يمكن السير في المشروع الروسي الذي تسعى موسكو لصرفه ضمن تفاهم خاص مع الاميركيين. وقد انعكس التباين جموداً حقيقياً في الميدان، وأصبح همّ الجيش السوري وحلفائه تثبيت النقاط التي وصلوا إليها قبل الهدنة، والاستعداد لصدّ الهجمات التي بدأها الطرف الاخر، بمجرد أن ضمن تحييده عن الطائرات الروسية، وتلقّيه المزيد من الدعم النوعي من جانب أنقرة والرياض والدوحة.

خلال كل الفترة الماضية، كان واضحاً أن الاستفادة التي حققها المحور الداعم للرئيس الأسد من الهدنة، هي إعادة ترتيب بعض المسائل اللوجستية، وأخذ بعض الأنفاس لدرس حاجات الجولات المقبلة، بالتوازي مع تشدد في الجانب السياسي، خصوصاً بعدما أظهر الروس ليونة مبالغاً فيها إزاء بعض الافكار الأميركية، لا سيما عندما وصل النقاش إلى بنود الدستور الجديد. وتلقّت دمشق، كما طهران وحزب الله، نسخة عن مشروع جديد للدستور السوري، وتولى الجانب الروسي نقلها باعتبارها حصيلة محادثات مع الأميركيين. وقد تسببت الأوراق في صدمة كبيرة لدمشق.

 

 

الاخبار