الثابت أن الحكومة التي عقدت جلسة بغياب ستة وزراء، في سابقة هي الأولى من نوعها، وإن تعددت الأسباب، بين استقالة أو سفر أو لأسباب خاصة، بدت أثبت من اي وقت مضى.
وإذا كانت استقالة وزيري الكتائب سجعان قزي وآلان حكيم حضرت في الجلسة من زاوية الأسف للخطوة التي اقدم عليها حزب الكتائب مع الإشادة بعمل الوزيرين، فإن إبعاد ملف سد جنة وملف «أمن الدولة» عن المناقشات، فضلاً عن إعلان وزيري «حزب الله» محمّد فنيش وحسين الحاج حسن انهما صائمان، عوامل فتحت الطريق امام قرارات منتجة بعضها في حقل التشريع المالي، والبعض الآخر في حقل اتفاقيات ونقل اعتمادات وقبول هبات، مما يؤشر إلى أن الحكومة ماضية في عملها بصرف النظر عن استقالة وزير من هنا، أو عنعنة وزير من هناك، فهي أقرّت الموافقة على مشروع قانون يرمي إلى منح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي اعتباراً من 14/12/2016، ومشروع قانون اخر يرمي الى فتح اعتماد اضافي لتغطية العجز في الادارات ذات الموازنات الملحقة.
وعلى وقع استمرار الحملات المتبادلة بين الكتائب و«التيار الوطني الحر» أعلن رئيس الحزب أن الاستقالة الخطية لكل من الوزيرين قزي وحكيم ستقدم رسمياً وخطياً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء بحيث يمتنعان عن توقيع أي قرار حكومي من دون توقف عن متابعة المعركة الحكومية لجهة إبداء الرأي بالمواضيع التي يفترض أن تناقش في جدول الأعمال، بصرف النظر عن المشاركة.
ولم يكتف النائب الجميل بذلك، بل دعا الحكومة والرئيس تمام سلام إلى الاستقالة، بعدما أصبح بقاء الحكومة «جريمة في حق لبنان وشعبه»، واصفاً قرار استقالة الوزيرين بأنه «يجب أن يصب في خانة التعجيل بانتخاب رئيس الجمهورية، ولم ير أي ارتباط بين الخروج من الحكومة ومشاركة الحزب في هيئة الحوار الوطني، مشيراً الى انه عندما «تصبح الحكومة أسوأ من الفراغ الدستوري يصبح ذهابها أفضل من بقائها»، مؤكداً رفضه أن «يكون شاهد زور على أخطاء وجرائم ترتكب ضد مصلحة اللبنانيين».
ولم ينج موقف الكتائب هذا من انتقاد «القوات اللبنانية» التي لم تشارك في الحكومة اصلاً، على لسان مسؤول مصلحة الإعلام والتواصل في الحزب ملحم رياشي، الذي اعتبر أن انسحاب الكتائب «غير مفيد».
ويزور الوزير قزي معراب اليوم للقاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع والتشاور معه حول الوضع العام في البلاد، وخطوة الاستقالة.
الحريري في البقاع
سياسياً، كان الحدث في شتورة، حيث أقام رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري غروب أمس في مطعم «سما شتورة» افطاراً على شرف عائلات البقاع الغربي وراشيا وعرسال، في أوّل افطار خارج العاصمة هذا العام، وفي اول زيارة للبقاع، في إطار خطة متكاملة لإعادة اللحمة إلى تيّار «المستقبل» وجمهوره، بدءاً من الاعلان عن المؤتمر العام في منتصف تشرين الاول المقبل، وصولاً إلى شرح رؤية سياسية لتيار المستقبل والخيارات الوطنية والعربية التي تعبر عنها «الحريرية الوطنية»:
1 - أكّد الرئيس الحريري أن ثوابت الحريرية الوطنية حماية البلد واستقراره وحماية العيش المشترك والوحدة الوطنية في البقاع وكل لبنان.
ومن ثوابتنا الاعتدال ورفض الفتنة وحماية الدولة، ورفض أي اعتداء على سيادتها وحقها الحصري في السلاح والسلطة على كل الأراضي اللبنانية، وعليه، أضاف الرئيس الحريري «ثوابتنا ليست للمساومة أو التنازلات أو التسويات، وعندما نقوم بحوارات محلية أو وطنية او خطوات سياسية فمن أجل مصلحة لبنان».
2 - الحوار مع «حزب الله»: شرح الرئيس الحريري للبقاعيين فائدة هذا الحوار، لجهة العمل على خفض التوتر ودرء الفتنة بين السنة والشيعة، والمقياس ليس ما أنجز، ولكن كل ما أدى إليه هذا الحوار من تفادي المآسي والويلات لو سمح للفتنة أن تقع.
3 - وإذ نوّه بصمود أهالي عرسال والطفيل، كشف عن خطوات تتعلق بتنظيف نهر الليطاني واستكمال الأوتوستراد العربي من ضمن سلسلة مشاريع في منطقة البقاع، منها تلزيم محطة التكرير بقرض إيطالي قيمته 32 مليون دولار، وقرض من البنك بقيمة 55 مليون دولار لشبكة الصرف الصحي.
4- وفي ما خصّ التحضيرات لمؤتمر التيار، دعا لإفساح المجال بنسبة لا تقل عن 40 في المئة للشباب والشابات في كل هيئات التيار، وأن تأخذ المرأة دورها.
مجلس الوزراء
وبالعودة إلى مجلس الوزراء، أوضحت مصادر وزارية أن الجلسة التي لم تدخل في تفاصيل الموضوع الأمني على خلفية تفجير «بنك لبنان والمهجر» باعتبار أن هناك تحقيقات جارية في هذا السياق، شهدت سجالاً بين وزير الاتصالات بطرس حرب ووزراء «التيار الوطني الحر» والوزير الاشتراكي وائل أبو فاعور، لم تخل من الحدة، وقد تهجم هؤلاء الوزراء على الوزير حرب منتقدين التقرير الذي أعده حول «أوجيرو».
وفي المعلومات أن التقرير أعد في 18 شباط الماضي وأرسل إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من دون ذكر ملف الإنترنت غير الشرعي، الأمر الذي لم ينل إعجاب الوزراء فرفض الوزير حرب هذا التهجم، وفتح هذا النقاش أبواب المداخلات لوزراء اعتبروا فيه أن ملف الانترنت غير الشرعي أصبح في عهدة القضاء وهناك موقوفين اعترفوا بإمتلاكهم معدات غير شرعية.
وبنتيجة النقاش، تقرر عقد جلسة خاصة عن الاتصالات بعد 15 يوماً لكن وزير التنمية الإدارية نبيل دو فريج رأى أن ملف الاتصالات شائك ويتضمن ملف الانترنت غير الشرعي ودفاتر الشروط المتصلة بالخليوي والألياف البصرية والهيئة الناظمة.
وأشارت مصادر وزارية إلى أن موضوع استقالة الوزيرين الكتائبيين حضر في مداخلات عدد من الوزراء، حيث تكرر الكلام نفسه لجهة رفض الاستقالة في هذه الظروف.
ولوحظ أن الوزيرين قزي وحكيم سجّلا في المعلومات الرسمية عن الجلسة أنهما غائبان، وليسا مستقيلين.
وعلم أن عدداً من الوزراء طرح موضوع سدّ جنّة، لكن الرئيس سلام أكد أنه ليس مدرجاً على جدول أعمال الجلسة، وأن الحديث فيه يستغرق وقتاً طويلاً ما قد يطيّر وقت الجلسة وجدول الأعمال، ولذلك اقترح تخصيص جلسة خاصة له.
كذلك أثار الوزير ميشال فرعون موضوع جهاز أمن الدولة، لكنه لم يناقش باعتبار أن هناك حاجة إلى عقد جلسات خاصة لسلسلة مواضيع تحتاج إلى بتّ.
حرب الإشاعات
في ظل هذه الأجواء التي يعمل الحريصون على إبقائها تحت السيطرة، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي، عبر أجهزة الخليوي، بموجة من «الخبريات» عن عمليات تفجير في أكثر من منطقة في بيروت والضاحية الجنوبية، وصولاً إلى طرابلس، حيث كثرت الشائعات عن سيّارات مشبوهة أو أجسام.
وأحدثت هذه الموجة إرباكاً في الشارع وعلى مستوى الجهات السياسية والأمنية، في حين طمأن وزير الداخلية نهاد المشنوق أن هذا النوع من الخبريات قديم، وعمره يعود إلى ما قبل الانتخابات البلدية، وأن الأجهزة الأمنية بالتكامل والتضامن أحبطت عدداً من المحاولات ضمن استراتيجية الحرب الاستباقية، في حين نفت السفارة الكندية ما نسب إليها على مواقع التواصل من إعطاء تعليمات إلى الموظفين الكنديين من تجنّب الحمراء ومناطق أخرى.
وربطت مصادر سياحية بين هذه الحملة ومحاولات تعطيل الموسم السياحي، فضلاً عن الضغط لإبقاء التوتر قائماً بين المصارف و«حزب الله»، قبل إطلالة أمينه العام بعد أسبوع، في ضوء معلومات عن نعي الحزب 11 مقاتلاً، وسط أنباء عن اشتباكات بين الحزب والنظام السوري.
ولم تستبعد مصادر سياسية أن تكون التوترات السياسية والشائعات الأمنية مرتبطة بالأجندة السياسية على جدول أعمال الأسبوع المقبل:
الثلاثاء: طاولة الحوار الوطني.
الأربعاء: عودة اللجان النيابية للإجتماع وبحث قانون الانتخاب على قاعدة الأكثري والنسبي في خلطة جديدة تراعي مطالب كل الأطراف.
وقالت هذه المصادر أن الرئيس برّي استبق طاولة الحوار بتحديد موعد جلسة اللجان، بعدما وصلته إشارات إيجابية بأنه لا يجوز تأجيل بت قانون الانتخاب، ومن ثمّ إقراره إذا ما تبيّن أنه ليس في الإمكان في المدى المنظور، فتنصبّ الجهود على إنجاز قانون جديد للإنتخاب وفق ما أشارت إليه «اللواء» أمس، على أن ينتهي الأسبوع الطالع بالجلسة 41 لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس في 23 الحالي.