"قامت الدنيا ولم تقعد"، هكذا عبّر الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، في صحيفة "إندبندنت" عن الانتقاد الذي تعرّض له الكاتب اللبناني - الفرنسي أمين معلوف، أحد خالدي "الأكاديمية الفرنسية"، عقب ظهوره على القناة الإسرائيلية "إسرائيل- 24"، التي يملكها الملياردير الفرنسي-الإسرائيلي باتريك دراحي، في 2 الجاري في إطار مقابلة "ثقافية"، متسائلاً عما إذا كان هذا الهجوم الذي خوّنه وبلغ حد المطالبة بإسقاط جنسيته الأم عنه ومحاكمته مُبَرراً.
استهل فيسك مقالته معتبراً معلوف، الحائز على وسام جوقة الشرف الفرنسي من رتبة فارس، أرقى روائي على قيد الحياة، كتب باللغتين العربية والفرنسية. ومتحدثاً عن روايته "صخرة طانيوس" التي تجسد الانقسام الطائفي في الشوف والاستعمار في الشرق، ولفت إلى أنّ الإنجازات هذه تدفع المرء إلى الاعتقاد بأنّ معلوف فوق النقد.
من جهة ثانية، كشف الكاتب البريطاني المخضرم أنّه التقى معلوف شخصياً في أحد الأديرة المارونية في المتن، بعدما نشر روايته "صخرة طانيوس"، قائلاً "كان ممتلئ الجسم وظريفاً ومتواضعاً"، ومستطرداً "لم تثر ثقافته السياسية اهتمامي بقدر أدبه". وعلى الرغم من أنّه اعتبر أنّ كاتب "ليون الأفريقي" لم يخالف القانون بظهوره على القناة الإسرائيلية، كونه يحمل الجنسية الفرنسية، أكّد أنّه فوّت فرصة التطرّق إلى وحشية الانتهاكات الإسرائيلية في بلده الأم، في حلقة شاهدها آلاف الإسرائيليين.
وعلى رغم أنّ فيسك أيّد الكاتبة في صحيفة "لوريان لوجور" دومينيك إده بقولها "ليس معلوف برجل نزاع"، قال "بعد مرور أشهر على الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، أصبح معلوف عضواً في الوفد الرسمي اللبناني-الإسرائيلي الذي تألّف للتوصل إلى معاهدة سلام بين إسرائيل ولبنان، وهي معاهدة لكانت تصبح ظالمة ومنحازة إلى تل أبيب لو نجحت مساعي التوصل إليها"، مضيفاً "فيما كان بلده مدمراً، زار معلوف- متعاطفاً- مستوطنة كريات شمونة الإسرائيلية لتفقد آثار القذائف في مبانيها. إلاّ أنّه اتخذ قراراً حكيماً في ما بعد، وتكتم عن نشاطاته هذه".
بالعودة 3 سنوات إلى الوراء، أشار فيسك إلى أنّ أحداً لم يعترض على معلوف حين شارك بمقابلة أُجريت في بروكسل في العام 2013، مع الروائي الإسرائيلي دايفيد غروسمان، الذي قُتل ابنه الجندي في عدوان تموز في العام 2006، لافتاً إلى أنّ وسائل الإعلام اللبنانية لم تتداول هذا الخبر.
في هذا الصدد، تحدّث فيسك عن "النفاق"، وأكّد أنّ ملايين العرب يدركون أنّ المسؤولين الفلسطينيين يتحدّثون يومياً مع الجنود والقادة السياسيين الإسرائيلين، مذكّراً بتقدّم قناة "الجزيرة" القطرية، التي تجري مقابلات مع إسرائيلين بشكل دائم، بتعازيها لتل أبيب بوفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون. وعلى هذه الحادثة، علّق فيسك بالقول "لم يطالبوا بمحاكمة الجزيرة بالطبع! ولم يتهموها بالخيانة"، متابعاً "ينحدر معلوف من عائلة غنية، جنت ثروتها في مصر، إلاّ أنّه ليس ثرياً كالأمير القطري (في إشارة إلى مالك الجزيرة) ولا كدراحي الذي صنّفته "فوربس" أغنى رجل في إسرائيل".
أخيراً، رفض فيسك المراهنة على قيام معلوف بتصحيح الخطأ الذي اقترفه، مشيراً إلى أنّ المغتربين اللامعين، كمعلوف الذي غادر لبنان إبان الحرب الأهلية في العام 1975، يبرعون في تذكر بلدهم الأم وتاريخه الاجتماعي، بدقة "مدمّرة"، إلاّ أنّهم يفقدون كل اتصال بواقع البلد الذي هجروه السياسي ومعاناته.
فيسك الذي قارن بين معلوف وويستن هيو أودن، الشاعر الانكليزي-الأميركي اللامع، رأى أنّ الأوّل استثنائي، مؤكداً أنّه فوق النقد بقدر ما هو خالد، إلاّ أنّه خلص إلى أنّ الظهور على قناة تلفزيونية قد لا يكون الوسيلة الأفضل لرأب أيّ صدع ثقافي، نظراً إلى القيادة التي تتولى السلطة الإسرائيلية حالياً.
( لبنان 24 - Independent)