للسنة الثالثة على التوالي، يواظب المخرج السوري سامر البرقاوي على "نسخ" أعمال أجنبية. هذا الموسم، حاول إحاطة مشروعه بالسرية، ولم يكتف بـ "الشفط" من فيلم واحد، فيما كان الجمهور أوّل من كشف فعلته.
لم يعد الموسم يكتفي بجرعة التشويه التاريخي والخواء الدرامي التي يقصفنا بها بسام الملّا بمعيّة mbc في "باب الحارة"، بل صارت الشبكة السعودية نفسها ترعى مادة تلفزيونية ثانية، لا تقل خطورة عن الأولى، بل ربما تتفوّق عليها.
هي عبارة عن سرقة موصوفة يقوم بها سنوياً المخرج السوري سامر البرقاوي بعد جولته على أفلام عالمية، لتتولّى شركة "الصبّاح" إنتاجها بالمحاصصة مع O3، الذراع الإنتاجية لـ mbc التي تسهم بدورها في عرض جماهيري وتسويق جيّد!
هكذا قدّم البرقاوي ثلاثية تلفزيونية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة هي: "لو" (2014) عن الفيلم الأميركي unfaithful (خائنة ــ 2002)، و"تشيللو" العام الماضي عن فيلم Indecent Proposal (عرض غير لائق ــ 1993)، ليعود هذا العام بمسلسل "نص يوم" عن فيلم original sin (الخطيئة الأصلية ــ 2001). طبعاً، حرص مخرج الفيلم التسجيلي "كلام حريم" (كتابة عدنان العودة ــ 2010) خلال الإعداد والتصوير أن يحيط مسلسله بالسرّية التامة مع السماح بتسريب معلومة يتيمة تفيد بأنّ العمل مأخوذ "عن رواية أجنبية"!
ربّما ليقي نفسه من العواصف النقدية التي فنّدت له مسلسليه السابقين، وشرحت أوجه التشابه بينهما وبين الفيلمين الأصليين على مستوى الحوارات وحركة الكاميرا والكوادر الإخراجية والروح العامّة التي قلّدها، إضافة إلى نسخه من دون أن يرف له جفن مشهداً كاملاً في "تشيللو" عن فيلم عمر أميرلاي "الرجل ذو النعل الذهبي".
ظن سامر البرقاوي أنّه لو تستّر على "ملهمه الإبداعي" هذه المرّة، فستمر الأمور على خير من دون أن يكتشف أمره أحد، أو تجابهه رياح النقد كما كل عام.
لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، وسرعان ما ضبط روّاد مواقع التواصل الإجتماعي البرقاوي وبطلَيْه تيم حسن ونادين نسيب نجيم وآخرين متلبسين باقتباس واحد من أشهر الأفلام الهوليوودية. بعد عرض بضع حلقات من "نص يوم"، عرف الجمهور أنّه مستنسخ عن "أورجينال سين" الذي قدّمه النجمان العالميان أنجلينا جولي وأنطونيو بانديراس، لينتشر هاشتاغ حرقنا المسلسل بنص يوم على السوشال ميديا، مع ملخص بسيط عن حكاية الفيلم.
يعود الشريط بفلاش باك تقليدي بالاتكاء على أسلوب الراوي، وهو صوت بطلته تسرد حكايتها عندما استخدمها صديقها في الميتم، فانتحلت شخصية امرأة كانت تعتزم الزواج برجل ثري تعرّفت إليه بالمراسلة. وبعد أن يضع أمواله في عهدتها، تختفي، ثم يُلاحق الزوج أثرها ويجدها في هافانا.
هنا، تعترف له بأنّها أحبته، لكنّها نفذت خطة عرّابها. حبّه الجارف يجعله يطوي الصفحة ويعود إليها، لكن النتيجة أنّها تخدعه مجدداً مع شريكها، ولا يكتشف المكيدة إلا يوم يعتزم المجرمان التخلص منه، فيقدم بنفسه على رشف القهوة التي وضعت له الزوجة السم فيها بعد أن يُفصح عن مونولوج رومانسي بالغ الأثر. تهرع زوجته لإنقاذه وتهريبه من شريكها، فيموت الأخير برصاص رجلها المخدوع.
عندها، تحاول السيدة التكفير عن ذنبها عندما تعيد إطلاق النار على صديقها، وتطلب من رجال الشرطة إنقاد زوجها، فيما تخبر الراهب الذي قدم إليها، قبل تنفيذ حكم الإعدام، قصتّها التي تمثّل قوام الشريط، لتتمكن لاحقاً من الهرب من السجن إثر خداع الراهب ورجال الشرطة معاً، لنراها مجدداً مع زوجها في المغرب العربي يديران نادياً صغيراً للمقامرة ويحتالان فيه على الزبائن.
لكن للمسلسل حكاية مختلفة كلياً على الأقل من ناحية الأسماء. يمر اسم البرقاوي على الشارة كمعد ومخرج، واسم باسم السلكا ككاتب سيناريو وحوار، تتبعه ثلاثة أسماء أخرى كفريق إعداد! كذلك، استبدل البرقاوي مشكوراً أنجلينا جولي بنادين نسيب نجيم، و"اقتبس" النجم تيم حسن مكان أنطونيو بانديراس، وغيّر الحصان بسيّارة من طراز "مرسيدس"، وبساتين القهوة ببيّارات ليمون، وجعل البطل يروي بدلاً من البطلة، من دون أن ينسى استعارة جوهر الفيلم كاملاً وبعض مشاهده بحذافيرها.
لم يملأ عيني المخرج البارع كل ذلك، بل عرّج على فيلم Focus (تركيز ــ 2015) لغلين فيكارا وجون ريكيوا، من بطولة ويل سميث ومارغوت روبي. "لطش" مخرج "قلبي معكم" (2009) من الفيلم الأميركي مشهداً طويلاً بحرفيته.
وهو مشهد ماستر بُني الفيلم كلّه على أساسه، عندما تحاول جيس باريت (روبي) الإيقاع بنيكي (سميث) بعد استدراجه إلى مكان سكنها، ومن ثم يقتحم المكان رجل يدّعي أنّه زوجها، لكن نيكي الذي يحترف التشليح والسرقة والمقامرات يكتشف الخدعة فوراً، ويطلب من الرجل إطلاق النار عليه فيرتبك ويسأل "جيس" ماذا يفعل كونه كومبارساً مستأجراً!
هنا، تطلب "باريت" مساعدة الرجل بإيجاد فرصة عمل لكونها نصّابة فاشلة، فتبدأ أحداث الفيلم المشوٌق! ببساطة، "اقتبس" البرقاوي في الحلقة الثامنة من "نص يوم"، وبرؤيته الإخراجية المتخصصة في القص واللصق، هذا المشهد بأدق تفاصيله.
لكن التغيير الوحيد تمثّل بأنّ من أدّى المشهد هو الممثل السوري الشاب أويس مخللاتي والحسناء اللبنانية ديما حايك. مشهد يبني عليه البرقاوي لاحقاً جزءاً يسيراً من مسلسله.
ما الضير في ذلك طالما أنّ الحكاية مأخوذة عن قصص أجنبية، بحسب شارة العمل؟! خلافاً للسياسة التي حاصرت "نص يوم" بالسرية أثناء إعداده، لجأ البرقاوي إلى الصحافة سريعاً بعد انتشار الهاشتاغ المذكور، واختار الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع. أعاد في تصريح صحافي نشر الإثنين الماضي كلامه المكرور عن منح الأعمال المقتبسة أوسكاراً، بعدما اعترف صاغراً بأنّ مسلسله مقتبس عن رواية أجنبية هي Waltz into Darkness التي أصدرها الكاتب الأميركي كورنل وولريتش عام 1947، واقتبس عنها original sin لمايكل كريستوفر. وتحدّث سامر البرقاوي عن ضرورة الاقتباسات من الأدب العالمي في المسلسلات العربية من دون أن يدعو أحداً لتقليده. غير أنّه لم يخف استمتاعه بما يفعل، مؤكداً أنّ الجمهور "ينتظر" أعماله من عام إلى آخر، من دون أن يوجد شيء يمنعه عن الاستمرار في اقتباساته!
طبعاً لا يميّز البرقاوي بين الإفادة من فكرة معيّنة وصناعة مادة مختلفة عنها جذرياً وهو ما يعرف بالاقتباس، والسرقة الموصوفة الممزوجة باستخفاف مدهش واعتقاد خاطئ بأنّه لا أحد سينتبه. الأكيد فعلاً أنّ أحداً لن يتمكن من إيقاف هذه الظاهرة، طالما أنّ شركات الإنتاج الهوليوودية لم تسمع حتى الآن بأسماء المسلسلات العربية المطوّلة التي ينتقي صنّاعها ما يشتهون من مكتبات السينما من دون إذن من أحد؟!
(الاخبار)