أولا: هزيمة عام ١٩٦٧..
في هذا العام ،تمكنت إسرائيل من اجتياح ثلاث دول عربية، مصر وسوريا والأردن، وأطبقت احتلالها على ما تبقّى من فلسطين، وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية.
هزيمة لم تبتلعها الأمة إلا تحت مُسمّى "النكسة"، وشعار إزالة آثار العدوان، ثم ما لبث أن تكشّف حجم الهزيمة وتداعياتها، والتي ما زالت دوائرها تتّسع حتى يومنا هذا، ولعلّ أول ضحاياها كانت هزيمة الفكر القومي العربي، الذي كان يحمل آمالا وطموحات مستقبلية، وكانت الأمة في ظلاله على وعي تام بخطر الوجود الصهيوني في قلب العالم العربي، تراجع الفكر القومي، وطفت على السطح ما سُمّي يومها بالصحوة الإسلامية، صحا الإسلامويّون ونفثوا حقدهم في الصدور، وبسطوا فكرهم الظلامي المدقع في صفوف الأجيال التي هالها وقع الهزيمة، ثم ما لبثت أن سطعت وهج الديكتاتوريات في ظلهم، وتحت سمعهم وبصرهم.
خرجت بعد الهزيمة تحليلات بائسة ، هدفها تخدير ما بقي من عزيمة وحيوية في مسام الأمة،تُفضي إلى أنّنا بخير، فالعدو الصهيوني أراد بعدوانه إسقاط الأنظمة، وها هي صمدت، هي بخير، نحن بخير، وهي ذُخرنا للأيام القادمة، والأجيال الناشئة، فلا تهنوا ولا تحزنوا، الأنظمة بخير، والله راعينا، بعد أن اخزى القوميين واليساريين والشيوعيين والتقدميين، لتنعم الأنظمة الديكتاتورية، وتنتشر دعاوى الإسلامويين وإرهابهم.
ثانيا: "انتصارات" حزب الله..
نسب حزب الله لنفسه ، وله وحده، فضيلة تحرير جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، وأضاف إليها أمجاد حرب تموز ٢٠٠٦، وانبرى عام ٢٠١٢ للدفاع عن مقدسات الشيعة وقراهم في سوريا، وما لبث أن غرق في أتون الحرب السورية، بحجّة الدفاع عن خط المقاومة والممانعة تارة، ومنع التكفيرين من القدوم إلينا طورا، ثم ما لبث أن خاض حربا "مقدسة" إضافية ضد حكام البحرين والسعودية، ووقف مناصرا للحوثيين في اليمن.
ولا يُفصح الحزب وقيادته أنّ ما يجمع هذه الساحات، إنّما هي مصالح إيران الإقليمية والدولية، وليس الحزب فيها سوى رأس حربة متقدم، إلا أنّ حربا غير متوقعة، وجد الحزب نفسه متورطا فيها، وهي حرب تجفيف منابعه المالية والتضييق على حركة مناصريه، وعموم بيئته الحاضنة ماليا، ممّا ضاعف من حجم الارباك الذي يعانيه، وتعانيه معه الدولة اللبنانية، التي باتت حائرة كيف تُرضيه، وهي إذ أقرّت لاجتيازه الحدود مع سوريا والانخراط في حربها، تجد نفسها مرغمة على الانصياع للإدارة الأميركية في محاصرة الحزب ماليا.
المدهش فعلا، أنّ هنا من لا يزال مقتنعا، ويحاول إقناعنا بأنّ الطائفة بخير، وإن تدمّرت، وأنّ الوطن بخير، وإن شارف على الهلاك، فقيادة الحزب بخير، ووعودها صادقة، لا يأتيها الباطل من قدامها أو خلفها أو حواليها، والانتصارات قادمة لا محالة.
يُنسب إلى عمرو بن العاص، قوله لأهل الشام، عندما حمي الوطيس في صفّين: أعيرونا رؤوسكم ساعة من زمن، وأنتم يا جمهور الحزب: أعيرونا رؤوسكم، وافتحوا لنا جيوبكم ساعة من زمن، فالله غالبُ أمره.