خلطت نتائج الإنتخابات البلدية والإختيارية في لبنان أوراق الأحزاب السياسية الراكدة منذ مدّة، وجاءت نتائج إنتخابات طرابلس مفاجئة للجميع وطرحت تساؤلا عمّا إذا كانت تعكس انتصارًا للتطرّف على الإعتدال، فضلا عن تداعياتها السياسية المحتملة.

 

وتقول أوساط سياسية واسعة الإطلاع في قوى 8 آذار لـ"لبنان 24" إنّ الإنتخابات البلدية في طرابلس جرت بطريقة لا دخل فيها للتطرّف. فاللائحة المدعومة من القوى السياسية الطرابلسية وأبرزها الرئيسان نجيب ميقاتي وسعد الحريري متميزة باعتدالها، في مقابل اللائحة المدعومة من وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي المعروف بخطابه المتطرف، وهو برأي هذه الأوساط يحاول توظيف النتيجة في هذا الإتجاه، والحقيقة أن الذي حصل ليس انتصار"ا للتطرّف السنّي ضدّ "حزب الله" بل خسارة للحريري أمام ريفي.

لكن، هل سيغير الفوز في الإنتخابات البلديّة في موازين القوى السياسية؟ الجواب الحاسم الذي يقدّمه محللون بارزون في قوى 8 آذار هو: كلا. ففوز اللواء أشرف ريفي وخسارة السيدة ميريام سكاف وسواها من النتائج التي تسيل الكثير من الحبر في الآونة الأخيرة لن يؤدي الى إجراء الإنتخابات النيابية ولن يأتي برئيس للجمهورية.

أبرز العناصر التي تتوقف عندها أوساط قوى 8 آذار هي الآتية:

أولا، خسارة سعد الحريري في طرابلس وتراجع كثافة التصويت للائحة التي يدعمها في بيروت واضطراره للتحالف مع الوزير السابق عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي وفوزه بشقّ النّفس في مدينة صيدا.

ثانيا، أظهرت الإنتخابات بما لا يقبل الشك مشاكل داخلية في تيار"المستقبل" بين أشرف ريفي وفؤاد السنيورة ونهاد المشنوق لم تصل الى حدّ الطلاق لكنّ ندوبها ظاهرة للعيان.

ثالثا، لم يعد من شكّ في أن ثمة مشكلة بين الحريري من جهة وبين السعودية من جهة ثانية.

رابعا، كل هذه المشاكل والمعطيات الجديدة بدأت تشكّل تركيبة لبنانية جديدة طابعها اصطفاف محور ثلاثي ضدّ الثنائية المسيحية. هذا التحليل الذي تتوغل فيه قوى أساسية في فريق 8 آذار وتدرجه أوساط قوى 14 آذار ضمن القراءات الموجودة في التحليل وليس على أرض الواقع.

ويذهب هذا التحليل لقوى 8 آذار الى القول بأنّ خسارة الحريري للغطاء المسيحي بسبب الخلاف مع رئيس حزب " القوات اللبنانية" سمير جعجع على ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، وضعفه في داخل بيئته السنية دفع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط الى احتضانه مجددًا بغية إعادة تعويمه.

هذا الثلاثي ( مع تيار"المستقبل" بطبيعة الحال) بدأ بالخروج تدريجيًا من فكرة ترشيح النائب سليمان فرنجية، وقد تلقف الأخير كلام جنبلاط عن إمكانية القبول بميشال عون رئيسًا بكثير من التوجّس وأجرى إتصالات بحلفائه للإستفسار عن الخلفية التي انطلق منها جنبلاط.

ويبدو أنّ الأولوية لهذا "الثلاثي الجديد" تتمثل بتطويق أي تباين مع "حزب الله" بهدف اجتذابه ليكون الحلف رباعيًا فيتم التحكّم بالتالي بمصير الإنتخابات النيابية المقبلة على أنّ يغرّد المكوّنان المسيحيان لوحدهما.

وفي القراءة أن احتضان جنبلاط وبرّي للحريري متواصل لتثبيته زعيمًا للسنّة اللبنانيين بلا منازع والهدف إعادته الى رئاسة الحكومة.

في هذه المرحلة يحاول هؤلاء التغزل بـ"حزب الله" وإيهامه بأنه يمكن القبول بعون (كلام جنبلاط) لأن هذا الثلاثي يدرك بأن مجيء عون الى السلطة لن يكون ممكنًا بلا موافقة الحريري وبلا ضوء أخضر سعودي.

هذه المحاولة التي لم تصل إلى خواتيمها السعيدة بعد بسبب تشبّث "حزب الله" بعون، لكن نجاحها كفيل بتمرير الإنتخابات النيابية العتيدة في حزيران 2017 بسلام ودماثة... بلا الثنائي المسيحي في حال قبل الحزب هذا الإقتراح.

ويختصر سياسي لبناني من قوى 8 آذار ما يحدث حاليًا بقوله إن "لبنان يتوجّه نحو مزيد من الإنقسام".

لبنان 24