ليس من السهل في مكان أن تبقى المؤسسة العسكرية، وهي من بين المؤسسات القليلة وشبه الوحيدة، عنواناً وحيداً لشيء أسمه دولة، بعدما انهارت أو تكاد مؤسساتها، في غياب الرأس، وقد طوى هذا التغييب عامه الثاني من دون أن تلوح في أفق الأزمة الرئاسية ما يوحي بقرب انفراج.  

  ولأن في هذه الدولة السائرة انحداراً نحو هاوية الإفلاس، على كل المستويات، مؤسسة كمؤسسة الجيش، لا يزال هناك أمل في إمكانية النهوض، وهي التي تحول دون تفكك مفاصل ما تبقى من دولة، ولا تزال واقفة كالرمح في وجه الأعاصير، وفي وجه كل من تسّول له نفسه التطاول على المقدسات، أياً يكن حجم التضحيات، وهي كبيرة، وكبيرة جداً.

  طرح اسم العماد جان قهوجي، ولا يزال، من بين أسماء ليست بكثيرة، قبل أن تعلق لقمة الرئاسة في حلق كل من العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، على رغم الأجواء التي تعيشها الرابية هذه الأيام بقرب التوصل إلى تسوية ما على مستوى الرئاسة الأولى، التي ستفضي إلى وصول عون إلى قصر بعبدا، وفق ما يتمّ تداوله في الرابية، التي بدأت تتهيأ للإنتقال إلى بعبدا.

  إلاّ أن بعض المطلعين على حيثيات هذا التفاؤل في الرابية يقولون أن ثمة معطيات وإشارات وصلتهم من الخارج بأن لا شيء محسوماً حتى الآن في ما يحكى عن تسوية رئاسية، وأن الأمور لا تزال عالقة في عنق الزجاجة المارونية، وأن لا جديد سيطرأ على الإستحقاق الرئاسي قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل، وأن كل ما يبنى من أجواء تفاؤلية مردها إلى الحديث الذي أدلى به النائب وليد جنبلاط، والذي حاول الإيحاء به بأنه لا يمانع في وصول العماد عون إلى القصر الرئاسي.

  وشبّه بعض العارفين هذا الجو التفاؤلي المبني على كلام جنبلاط بمن يسكر على زبيبة.

  ومع هذا لا يزال كثيرون في الداخل كما في الخارج يرون أنه بانتقال العماد جان قهوجي من اليرزة إلى بعبدا، خالعاً عن كتفيه السيوف والنجوم، وحاملاً مكانها همّ الوطن، بداية النهاية مما يتخبط فيه لبنان منذ سنتين ونيّف.

وفي هذا القول بعض من سهولة، باعتبار أن وصول شخصية عسكرية إلى سدّة الرئاسة في هذا الظرف بالذات، ووسط هذا الأتون من الحرائق المستعرة في المنطقة هو الأقرب إلى المنطق وإلى الواقع، خصوصاً أنه أثبت من خلال تحمّله مسؤولية الأمن في أدق الظروف وأصعبها أنه قادر على إيصال البلد إلى شاطىء الأمان بأقل أضرار ممكنة.

  ولكن، وفي هذه " الولكن" الكثير من الممنوعات بما يجعل السهل والممكن ممتنعاً، لا تبدو الساحة السياسية مهيأة، ظروفاً ومعطيات، للقبول بأن يأتي على رأس الدولة ماروني عسكري للمرة الثالثة على التوالي، بعد العمادين اميل لحود وميشال سليمان.

وثمة من يقول "شو ما بقى في موارنة إلآّ العسكر"، مع تسليم هذا البعض بإستحالة وصول المرشحين ميشال عون وسليمان فرنجية في ظل الكباش الحاصل بين كل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، مع استمرار "حزب الله" على موقفه الذي لا يبدو أنه سيتنازل عنه في القريب المنظور، وقبل أن تنجلي غبائر المعركة في سوريا.

  من يلتقي العماد قهوجي هذه الأيام يخرج بإنطباع لا لبس فيه بأن البلاد خرجت من دائرة الخطر، من دون أن يعني ذلك استتباب الأمن مئة في المئة، ولكن هذا لا يدعو إلى الذعر والإستسلام للشائعات، التي يحاول الإرهابيون ترويجها كتعويض عما يلحقه بهم الجيش اللبناني من خسائر، سواء على جبهات المواجهة أو في الداخل من خلال العمليات الأستباقية التي ينفذها، والتي تشكل ضربة موجعة تصيب العمود الفقري لما يسمى خلايا نائمة.

  ويبقى اسم العماد قهوجي رقماً صعباً في لعبة شدّ الحبال، بين أولويات الأمن والسياسة، مع اعتراف الجميع بأن لا أمن سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً إذا لم يكن الأمن الأمني متوافراً على كل شبر من ارض الوطن.

لبنان 24