لا يزال مؤتمر لندن لدعم دول الجوار السوري يشكّل أولويّة للمتابعة، نظراً لما حمله من مقررات وتعهّدات من الدول المانحة من جهة ومن دول الجوار السوري من جهة ثانية، ولبنان في طليعتها، لكونه يستقبل عدداً هائلاً من النازحين السوريين، فضلاً عن تفاصيل كثيرة تتبدّى يومياً وتفاجئ حتى وزراء في الحكومة اللبنانية لم يكن بعضهم حاضراً في المؤتمر المذكور أو في مؤتمر اسطنبول الذي انعقد الشهر الماضي وخصص لدعم اللاجئين في العالم.

  الجديد أن مؤتمراً سينعقد في 28 تموز المقبل في واشنطن، ومن المنتظر أن يقدّم لبنان لائحة المشاريع للدول المانحة، التي ستتعهّد مجدداً بدفع جزء من المبالغ التي تعهّدت بها، تبعاً لأهمية هذه المشاريع أولاً، ثمّ بعد تنفيذ عدد منها ليتمّ تقديمه نموذجاً للدول المانحة تُصرَف على أساسه الأموال.   ما تزال النّظرة الغربيّة تختصر ملفّ النازحين في لبنان بالجانب الإنساني البحت، وفي أفضل الأحوال بالحديث عن ضرورة مساعدة اللبنانيين من دون تقديم إجابات شافية مثلاً حول الخطر الأمني الذي يمكن أن يُشكّله بعض المتلطين خلف النازحين، في محيط إقليمي متفجّر.  

فالمجتمع الدولي الغربي يرى في هؤلاء كتلة بشرية مسالمة مستعجلة في العودة الى سوريا في انتظار الحلّ السياسي الموعود، وإنما عملياً فإن الوعود بخلق فرص عمل وبإيجاد مساحة تتسع للسوريين الى جانب اللبنانيين باتت تتحقق تدريجيّاً على أرض الواقع وسط خطاب ديبلوماسي غربي «طهراني» هدفه الأول والأخير منع انتقال السوريين الى أوروبا.  

وللهواجس اللبنانية إجابات وتوضيحات «على المقاس»: تقرير الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون حول ضرورة بقاء النازحين في أماكن وجودهم في حال تعذر الحلول هو «تقرير دولي ولا يعني لبنان». لكن من محاسن الصدف أن لبنان مدعوّ في 19 أيلول المقبل إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماع الدولي حول مسألة النزوح التي تطال 250 مليون نازح ولاجئ في العالم.

  أما طلب نائب ممثل الأمين العام للأمم المتّحدة في لبنان فيليب لازاريني من أكثر من وزير لبناني أن تزوّد الحكومة اللبنانية النازحين السوريين ببطاقات عمل وببطاقات إقامة، فله جوابه أيضاً. فقد اعتبر المجتمع الدولي في لندن بأن بطاقات الإقامة هي نوع من تعهّد قدّمته الحكومة اللبنانية في ورقة النيات الى مؤتمر لندن، وفيها أن الحكومة اللبنانية سوف تعمد الى مراجعة إجراءات الإقامة للسوريين وتسهيل معيشتهم وعملهم في لبنان.

وقد تركت «عملية التسهيل» ليتدارسها اللبنانيون داخلياً، إلى أن جاء مؤتمر اسطنبول فقدّمت الحكومة أفكاراً جديدة منها أنه لا يمكن إعطاء السوريين إقامات لأنهم ببساطة لا يستطيعون دفع كلفتها وهي 200 دولار سنوياً. وبما أن عدم وجود بطاقة إقامة ترتّب تحوّل السوري الى شخص غير شرعي ممكن توقيفه عند أي حاجز أمني، فإن وجهة النظر الغربية تقول بوجوب منح السوريين بطاقات إقامة لأنّها تجعلهم ضمن نظام الدولة، من هنا جاءت فكرة جديدة للحكومة هي بطاقات تعريف بالنازحين السوريين تساعدهم على التنقل بحرية من دون أن يدفع النازح شيئاً ولا يترتّب عليها منح النازحين أي حق بالمواطنيّة أو بالجنسيّة بل حق الوجود في لبنان بشكل شرعي فحسب.

  أما التفاصيل، فمتروكة للبنانيين، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية تحتاج الى معرفة أماكن تواجد أي شخص من هؤلاء. أما بالنسبة الى بطاقات العمل، فهي لم تكن يوماً مطلباً لمؤتمر لندن ولا للدول التي دعت إليه، أي بريطانيا، الكويت، ألمانيا، النروج والأمم المتّحدة وجلّ ما طلبه هو مشاريع توفر فرص عمل للبنانيين والسوريين على حدّ سواء وتطال قطاعات البناء والصحّة والزراعة.   أما سبب تأخير وصول الهبات للبنان، وهل يشكّل هذا التأخير نوعاً من العقاب له لعدم منح السوريين بطاقات إقامة أو عمل؟ فتشير أوساط مطلعة لـ «السفير» بأن لبنان نال لغاية اليوم ضعفَي المبالغ التي تلقّاها الأردن وهو مبلغ 1.3 مليار دولار، في مقابل 600 مليون دولار للأردن.

علماً بأن مساعدة لبنان ليست مجانية، خصوصاً أنّه تعهّد تسهيل الإقامة بلا أية شروط مسبقة في مؤتمر لندن المذكور. أما بالنسبة الى القروض الميسّرة بفائدة شبه معدومة والتي تعهّد بها البنك الدولي فإنها تخضع الى المسار الآتي: ثمّة قروض طويلة الأمد يرصدها البنك الدولي للبنان والأردن وسيُثار هذا الموضوع في 27 تموز المقبل في واشنطن للدول المانحة، ومن المنتظَر أن يقدّم لبنان طلب تمويل رسمي مرفق بلائحة المشاريع التي يطلب تمويلها للنظر فيها، وبعد الاتفاق مع لبنان على توزيع الأموال تحوّل هذه القروض الى البرلمان اللبناني للنظر فيها.

علماً بأن لبنان سوف يقدّم 12 مشروعاً وثمة أولوية قصوى لـ4 مشاريع منها تتعلقّ بالبنى التحتية والكهرباء والطرق ووسائل النقل وحتى القطارات.. وقد رصد البنك الدولي في المرحلة الأولى قروضاً تصل الى 800 مليون دولار أميركي سوف توزّع بين لبنان والأردن. علماً بأن الموافقة على المشاريع ورصد المبالغ تتطلب اجتماعات عدّة، إذ ستتم الموافقة عليها بشكل متدرّج ما سيتطلّب وقتاً. كما يحرص المانحون على التنفيذ بحيث إن المشاريع التي ستنفذ ستكون نموذجاً لأخرى يتم تمويلها، وتشير الأوساط المطّلعة الى أن وزارة الاقتصاد اللبنانية تقوم بعمل جبار بالتعاون مع الوزارات الأخرى المعنيّة.  

50 مدرسة جديدة يموّلها البنك الدولي

  أما الإجابة عن سبب التركيز على التربية والتعليم، وقد بلغ عدد التلامذة السوريين حوالي الـ80 في المئة من نسبة التلامذة في لبنان، ولا سيما في المدارس الرسمية، فإن الأوساط المطّلعة تنفي نفياً قاطعاً الأمر قائلة بأن عدد التلامذة السوريين لا يتجاوز الـ150 ألفاً من المسجلين في المدارس اللبنانيّة، أما البقية فمسجلون ضمن مدارس شبه مجانية أو يخضعون لدورات مع جمعيات أهلية، لافتة الى أن عدد التلامذة اللبنانيين يبلغ 270 ألفاً.  

وتشير الأوساط الى وجود أكثر من 500 ألف تلميذ سوري خارج المدارس وهؤلاء هم عرضة لليأس من المستقبل وعرضة للانجراف في التطرف والجريمة وأمور أخرى.. من هنا أهمية التعليم. وثمة خطّة تقوم على إدخال المزيد من السوريين الى المدارس اللبنانية وبناء 50 مدرسة جديدة يموّلها البنك الدّولي وسوف تشكل مكسباً للبنان بعد خروج السوريين في المدى الطويل ـ بحسب الأوساط الغربية ـ كذلك سيفيد لبنان من تأهيل المدارس وتحسين المناهج أو وضع أخرى جديدة، كما طلبت وزارة التربية اللبنانية، بتمويل مباشر من البنك الدولي.  

 (السفير)