ما أقسى أن يكتب المرء عن صديق، وهو صديق بقامة وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، الذي يبدو أن الشجاعة المعهودة عنه تكتمل تهورا، من دون تلمس لعواقب محتملة.

لقد نجح المشنوق في التحول ببراعة من الصحافة للسياسة، حتى تولى هذه الحقيبة المهمة في حكومة الرئيس تمام سلام، لكن تهوره في بعض الأحيان في إبداء الرأي جلب عليه سخطا وعداوات جهات عدة. حين انشرخ صف «تيار المستقبل» الذي يتزعمه سعد الحريري، في الانتخابات البلدية الأخيرة، وفاز منافسه وزير العدل السابق أشرف ريفي في طرابلس ضد مرشح التيار، اضطر المشنوق إلى إلقاء التبعة على السعودية، على عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، الذي استطاع بحكمة وصبر أن يساند اللبنانيين الشرفاء في معركة التحرر من الهيمنة السورية، التي انتهت بمغادرة القوات السورية لبنان، في ثورة شهد العالم بأسره روعتها، وقوتها، وعظمة الشعب اللبناني التواق للحرية.

هل كانت هزيمة «المستقبل» في طرابلس تستحق هذه الغضبة «المُضرية» لحد حرق الأوراق بين المشنوق والرياض؟ لعل الأخ المشنوق يعرف حق المعرفة أن السعودية لا تتدخل في الشأن اللبناني، إلا بناء على تفاهم بين أطرافه المختلفة، باقية على مسافة واحدة من كل الأطراف، ساعية إلى تقريب وجهات النظر، لتذويب الأزمات التي ما تنفك القوى اللبنانية تدخل فيها، حتى يهدد ذلك استقرار البلاد، وهو يعرف جيدا بحكم قربه من الشهيد رفيق الحريري، ومن نجله سعد، أن المملكة لا تتدخل إلا في الأزمات الكبرى، وليس صحيحا البتة أنها قررت تزكية سليمان فرنجية، أو حاولت الاقتراب من ميشال عون للغرض نفسه؛ إذ إن الموقف السعودي الذي لم يتغير أن انتخاب الرئيس اللبناني هو شأن لبناني صرف، وأنه ينبغي أن يتم بحسب الاستحقاقات الدستورية اللبنانية، وبعيدا عن هيمنة حزب الله الإرهابي اللبناني، الذي تستخدمه إيران أداة لها في لبنان والمنطقة.

والحق أن غضب نهاد الذي ينتهي دائما بالتهور يُفقده أيضا التوازن في التفكير، ويقوده إلى نتائج غير سليمة لمقدمات مغلوطة. فقد حدث ذلك مطلع مارس 2016، حين قرر وزراء داخلية دول الجامعة العربية، في اجتماع عقدوه في تونس، تصنيف «حزب الله» اللبناني الإيراني باعتباره منظمة إرهابية، فاعترض المشنوق على وصف «حزب الله» بالإرهاب، بدعوى أن الحزب شريك في الحكومة اللبنانية، كأن المشاركة الحكومية تعفي هذه المنظمة الإجرامية من عبثها القذر في اليمن وسورية والعراق والبحرين والكويت والسعودية ومصر، ولا بد من أن يذكر هنا الاجتماع الذي عقده المشنوق مع رئيس جهاز الأمن في «حزب الله» وفيق صفا، ومبررات الأول لتسويغ هذا اللقاء، فيما لا يزال الحزب المجرم ملوثا بدم الرئيس الراحل رفيق الحريري. لقد سارع السفير السعودي في بيروت علي عسيري للتصريح بأن المملكة لا تتدخل في الشأن اللبناني، ومن عندنا نضيف أنها لا تتدخل في شؤون اللبنانيين إلا لفك الاشتباكات والمماحكات بين الفرقاء اللبنانيين الذين لا يزالون يثمنون التضحيات الجمة التي قدمتها المملكة يوم جمعتهم في الطائف، ليسدلوا الستار على الحرب الأهلية التي دمرت بلادهم.

ومن المؤسف أن اضطراب المواقف والرؤية لدى الوزير المشنوق هو الذي يزيد الشارع اللبناني ارتباكا بشأن العلاقة مع «حزب الله» الإرهابي، فهو قوي كما أعرفه، لكن كما يبدو حريص على تلك العلاقة، ولا يريد مواجهة الحزب المجرم بحقيقة أنه ممثل المصلحة الإيرانية في لبنان، ومن دهاليزه ومخابئ أمينه العام حسن نصر الله تنطلق الشرور لتطال البلدان العربية والإسلامية، وصولا إلى هيمنة إيرانية مطلقة في الشرق الأوسط والجزيرة العربية.

وأقول لصديقي المشنوق إننا ندرك تماما أن غضبته التي جعلته يخرج عن طوره، ليلقي مسؤولية هزيمة تيار الحريري في طرابلس على السعودية، أمر يخصه وحده، لأن- كما هي سياسة المملكة- لا تريد التدخل في دقائق الخلافات داخل «المستقبل»، ولكن أملنا الكبير أن يلهم الله القادة اللبنانيين المتحررين من هيمنة إيران وسورية الفطنة لوأد تبايناتهم، إذ إن الفتنة التي تقود إلى الاشتعال في لبنان سهلة وساحاتها مفتوحة. ويدرك الصديق الوزير المشنوق، الذي احترمه كثيرا، أن النار إنما تنطلق من مستصغر الشرر، فليوجه طاقة غضبه لما يفيد في لملمة شتات حزبه، وطائفته، اللذين أضناهما الإرهاق والشقاق، وليقف مع السعودية وبقية الأمة العربية والإسلامية لمنع إيران من ابتلاع لبنان، فهي لو فعلت فستنتقل إلى محطة أخرى، ولو حدث ذلك لن يكون بمستطاعنا أن نقول للمشنوق سوى «العوض بسلامتك»!

صحيفة عكاظ