يُعتبر الأرزّ من بين المنتجات الغذائية الأكثر استهلاكاً عالمياً، ونراه حاضراً في كلّ المنازل وفي أطباق عديدة. لكن ما حقيقة العلاقة التي تربطه بمرض السكري من النوع الثاني؟ بحث علماء من جامعة هارفارد عن دلائل متعلّقة بين استهلاك الأرزّ الأبيض والإصابة بالسكري من النوع الثاني، وتمكّنوا من تحديد حجم هذا الخطر.
وفي التفاصيل، تمّ تحليل نتائج دراسات عديدة أشارت إلى كميات الأرزّ الأبيض المستهلكة ومستويات السكري من النوع الثاني. وبلغ مجموع المعطيات التي تمّ درسها أكثر من 350 ألف شخص. كذلك تمّت مقارنة سكان آسيا الذين يتميّزون باستهلاك نسبة عالية من الأرزّ الأبيض بالكمية التي تتناولها البلدان الغربية.
وفي النهاية، تمكّن الباحثون من إثبات العلاقة بشكل واضح جداً بين الشعوب التي تستهلك أدنى حصّة من الأرزّ الأبيض وتلك التي تأكل أكبر كمية، فارتفع الخطر إلى أكثر من 50 في المئة لدى الشعوب الآسيوية.
في الدول الغربية، كان تزايد الخطر أقلّ أهمّية بحيث بلغ 12 في المئة فقط. لكن في ما يخصّ عدد سكان العالم، تبيّن أنّ كلّ حصّة يوميّة إضافية من الأرزّ الأبيض رفعت خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 10 في المئة.
لكن لمَ يرتبط الأرزّ الأبيض بهذا الداء؟ إستناداً إلى الخبراء، تماماً كما هو حال أطعمة نشويّة عديدة، يؤدي الأرزّ الأبيض إلى رفع معدل السكر في الدم سريعاً. ومن المعلوم أنّ الغذاء الذي يزيد السكر في الدم هو واحد من أسباب تفاقم السكري من النوع الثاني.
من جهة أخرى، الأرزّ الأبيض عبارة عن حبوب مكرّرة جداً تمّ استخراج كل الألياف منها، غير أنّ هذه الأخيرة تتمتّع بالقدرة على الحماية من السكري.
هل هذه النتائج تعني إذاً أنّ الأرزّ الأبيض مضرّ بالصحّة؟ وماذا عن الحبوب الأخرى المكرّرة؟ من الواضح جداً أنّ هذا النوع ليس صديق الأشخاص الذين يزداد لديهم خطر الإصابة بالسكري، إلّا أنه ليس الوحيد! في الواقع هناك مأكولات أخرى شائعة الاستهلاك تملك الخصائص ذاتها، كالخبز الأبيض، والمعكرونة البيضاء.
بمعنى آخر، الرسالة التي أراد القائمون على الدراسة إيصالها لا تعني أنّ الأرزّ الأبيض مضرّ لكم! وإنّ تَناول بضع حصص خلال الأسبوع لن يسبب الأذى لأحد. لكنّهم في المقابل يشدّدون على أنّ الغذاء المتنوّع والغنيّ بالألياف هو أساسي للوقاية من السكري من النوع الثاني. إذاً في المرة المقبلة، إحرصوا على تحضير أطباقكم بواسطة الأرزّ الأسمر الكامل الذي يمنحكم مغذّيات ثمينة تكون أجسامكم "متعطّشة" لها.
يُذكر أنّ الألياف الغذائية تدعم وظائف عديدة في الجسم، فتحسّن حركة الأمعاء، وتمنع الإمساك، وتسهّل عملية التخلّص من المواد السامة والمُسرطنة، وتخفّض مستويات الكولسترول وأيضاً امتصاص الغلوكوز. وكنتيجة لهذه الأمور، تملك الألياف آثاراً إيجابية عديدة على الصحّة، فتخفّض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والسكري، والبدانة.
لكنّ هذا ليس كلّ شيء! فلقد أثبتت دراسة أخيرة أنّ استهلاك الألياف بانتظام يترافق مع انخفاض معدل الوفاة عموماً. وفي التفاصيل تمّ تَتبّع 220 ألف رجل و170 ألف امرأة لمدة 10 سنوات تقريباً، وتمّ تقييم كمية الألياف التي يستهلكها كلّ شخص من خلال الإستبيانات، وقد تراوحت بين 13 إلى 29 غ لدى الرجال و11 إلى 26 غ لدى النساء.
وتوصّل الباحثون إلى أنّ 20 في المئة من المشتركين الذين حصلوا على أعلى كمية من الألياف (29 غ للرجال و26 غ للنساء) إنخفض لديهم خطر الوفاة بشكل عام بنسبة 22 في المئة مقارنة بنظرائهم الذين لا يتناولون سوى كميات ضئيلة. أمّا في ما يخصّ وفيات أمراض القلب والأوعية الدموية، والعدوى، والجهاز التنفّسي، فقد بلغ الانخفاض 24 إلى 56 في المئة لدى الذكور و34 إلى 59 في المئة لدى الإناث.
وللحصول على كمية جيّدة من الألياف، لا بدّ من التركيز على الحبوب الكاملة (خبز قمح كامل، أرزّ أسمر، معكرونة سمراء، شوفان...)، والفاكهة، والخضار، والبقوليات (عدس، فاصولياء، بازلاء)...
( الجمهورية)