تجاوز مجلس الوزراء مطبات مطمري «الكوستا برافا» وبرج حمود، تحت ضغط الحاجة لتحقيق تقدّم في ما خصّ المطامر للحؤول دون تجدد أزمة النفايات على أبواب الصيف، وتفهّم الرئيس تمام سلام مغادرة الوزيرين سجعان قزي وآلان حكيم كممثلين لحزب الكتائب في الحكومة، على الرغم من حرصه على الاستماع إلى وجهة نظرهما الاعتراضية، مع تأكيده على أن الشفافية مطلوبة في مقاربة ملف النفايات أو غيره من الملفات.
وخلافاً لما توقّع وزراء قبل الجلسة، فإنها أنتجت إقرار معظم بنود جدول الأعمال، على أن تناقش الجلسة المقبلة ما أرجئ من نقاط ذات طابع وظيفي أو متعلقة بسدّ جنّة، فضلاً عن اتخاذ قرار ينقذ الصحافة الورقية من خطر محدق بها، يتراوح بين الموت البطيء، أو التوقّف المفاجئ عن الصدور، بعد أن يكون أعدّ وزير المال علي حسن خليل مطالعته على هذا الصعيد.
وبقدر ما أنهت مواقف الرئيس سعد الحريري فترة اختلطت فيها مواقف تأدّت عن الانتخابات البلدية الأخيرة، وشكّلت بلبلة كادت أن تضع حقائق مكان حقائق، وأن تشوّش أذهان الرأي العام في مرحلة بالغة التعقيد والحساسية يمر فيها لبنان، بين غموض رئاسي متمادٍ ومحاولات بريئة أو غير بريئة لتصديع الحكومة، ومخاوف أمنية لم تنفع معها التطمينات الأميركية لعدم تعريض الوضع الأمني للاهتزاز، جاء تجدد الإشتباك بين «حزب الله» عبر كتلة «الوفاء للمقاومة» وحاكمية مصرف لبنان، عبر الحاكم رياض سلامة، مستغلاً من طرف ذي طموح رئاسي، ليجعل هذا الوضع المستجد بنداً قيد المتابعة في الأسابيع المقبلة للحؤول دون تعريض الاستقرار من باب النقد، وما يستتبع ذلك من اهتزازات تتعدّى المضاعفات على هذا الصعيد.
الحريري: عودة إلى الثوابت
في رأي شخصية محايدة شاركت في الإفطار الذي أقيم على شرف الهيئات الدينية، في حضور الرئيس سلام وحشد من الشخصيات الروحية الإسلامية والمسيحية والنيابية، من بينهم الرئيس فؤاد السنيورة والوزير نهاد المشنوق، فإن الخطاب المركّز والمدروس لرئيس تيّار المستقبل الرئيس الحريري، أعاد الوضع إلى نصابه، ضمن ثوابت وحقائق أعاد التأكيد عليها، وتمحورت حول ثلاث نقاط: العلاقة مع المملكة العربية السعودية، إتفاق الطائف والمناصفة، وتداعيات الإنتخابات البلدية.
1- بشجاعة نادرة، أعلن الرئيس الحريري أمام رؤساء الطوائف اللبنانية وقيادة تيّار «المستقبل» أنه من موقعه في رئاسة التيار «لن يلقي المسؤولية في أي اتجاه، ولن أعفي نفسي ومن معي من المسؤولية لألقيها على غيري، فأنا المسؤول عن نتائج الانتخابات، وأنا في رأس الهرم السياسي في تيّار المستقبل سأتحمّل النتائج مهما كانت قاسية».
ولم يغفل عن الإشارة إلى أن ما علّمته إياه السياسة في لبنان من مناورات وتجييش وكذب وتلاعب على غرائز النّاس يرفضها هو.
2- أعاد التأكيد على ثوابت مدرسة أبيه السياسية المتمثلة بالإعتدال والعيش المشترك والوحدة الوطنية والإنفتاح والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ولن يكون بإمكان نتائج بلدية هنا أو حملة إعلامية من هناك أن تبدّل في هذه القناعات «بصرف النظر عن أينما أصبنا الخيار أو أخطأنا».
وكشف الرئيس الحريري في إطار هذه الحقيقة أن «قراري كان لو انكسرت المناصفة في بيروت أن أطلب من المجلس البلدي أن يستقيل»، مؤكداً «هذه هي الحريرية السياسية قولاً وفعلاً».
وخاطب رؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية قائلاً: «نحن في تيّار المستقبل سنبقى نمارس فعل اعتدال، وسنبقى نتصدى للفتنة».
ولم يُخفِ الحريري عزمه، خلال هذا الشهر، على فتح العديد من الدفاتر وأن يتحدث بما يمليه عليه ضميره وما يتحمّل من مسؤوليات تجاه جمهور تيّار «المستقبل» وتجاه اللبنانيين والحلفاء والخصوم.
3- أما الحقيقة الثالثة، فهي إعلانه دون مواربة «أننا في تيّار «المستقبل» سنبقى متمسكين باتفاق الطائف، بما هو مشروع لبناء الدولة، الممتلكة وحدها حصرية السلاح، والحامية بالقانون مواطنيها، وبما هو تحديد نهائي لهوية لبنان العربية».
ومن إتفاق الطائف، تطرّق الرئيس الحريري الى الموقف من المملكة العربية السعودية فقال: «وقفت المملكة مع لبنان لا من أجل مشروع لها ولا لأجل مصلحة لها، ولا لأجل فئة من اللبنانيين دون أخرى».
ودلف من هذه المناسبة إلى شكر المملكة على كل دعمها غير المشروط للبنان، «وعلى كل مساعيها السياسية في كل المراحل التي مررنا بها، وكل مساعداتها الإنمائية والاجتماعية».
وخاطب من يريد الإصطياد في ماء يريده عكراً: «ان ما من شيء يمكنه أن يُعكّر العلاقة بيننا وبين المملكة العربية السعودية»، و«انطلاقاً من أن خيار المستقبل من مدرسة الوفاء»، و«المملكة مملكة الوفاء ومن باله مشغول بهذا الأمر فليطمئن، ومن لديه سوء نيّة لا يسعنا خلال شهر رمضان الا أن نقول سامحه الله».
وفي سياق متصل يجمع سفير المملكة العربية السعودية في لبنان علي عواض عسيري رؤساء الحكومات ومفتي الجمهورية ومفتي المناطق إلى مأدبة إفطار في دارته في اليرزة يوم الجمعة المقبل، وهو كان لهذه الغاية زار الرئيس سليم الحص موجهاً إليه الدعوة.
التجاذب المالي
كان المثير للاهتمام والقلق الرد الذي لم يتأخر من كتلة «الوفاء للمقاومة» على ما كشفه الحاكم سلامة من اقفال حسابات ما لا يقل عن مائة حساب لحزب الله في المصارف اللبنانية، وجاء فيه: «إن الموقف الأخير لحاكم المصرف المركزي جاء ملتبساً ومريباً، وهو يشي بتفلت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية».
وأعلنت الكتلة رفض هذا الموقف جملة وتفصيلاً داعية الجميع إلى أن يُدرك «ان جمهور المقاومة ومؤسساته التربوية والصحية عصي على محاولات النيل منه من اي كان مهما علا شأنه»، في إشارة إلى تأثيرات إجراءات الحاكم في ما خص مدارس ومؤسسات ومستشفيات مرتبطة بجمعيات يديرها أو محسوبة على حزب الله، وأن هذه الإجراءات الجديدة من قبل سلامة، وفقاً لأوساط الحزب، من شأنها أن تفجر الوضع ما لم تجر معالجتها في أقرب وقت ممكن.
وكان الحاكم سلامة كشف النقاب لمحطة CNBC الأميركية، أن المصرف اقفل مائة حساب مرتبط بحزب الله تطبيقاً للقانون الأميركي، مبرراً ذلك «بإبقاء لبنان على الخريطة المالية الدولية»، مع الحفاظ على حقوق الشيعة «في الولوج إلى المصارف».
وأكد اننا «لا نريد لعدد قليل من اللبنانيين أن يفسد صورة البلاد أو الأسواق المالية في لبنان»، مشيراً إلى أن «المركزي» يناضل للحفاظ على الاستقرار النقدي في ظل الانقسامات السياسية والاضطرابات الحاصلة على نطاق أوسع في الشرق الأوسط.
تجدر الإشارة إلى أن هيئة التحقيق الخاصة في المصرف التي اجتمعت أمس برئاسة سلامة قررت عدم اقفال حسابات جمعية «المبرات الخيرية» التي انشأها العلامة الراحل محمّد حسين فضل الله، والتي كان أحد المصارف طلب اقفالها، وكذلك الأمر بالنسبة لرواتب نواب كتلة الوفاء للمقاومة، حيث رفضت الهيئة تجميد حسابات التوطين الخاصة بهم، وتركت النظر في حال مؤسسات أخرى، كمستشفى «الرسول الأعظم» و«بهمن» إلى حين وصول تقارير من مصارف للهيئة تطلب اقفال حسابات هذين المستشفيين.
وفي سياق إقليمي، وفي إطار جولة تشمل دول جوار العراق، وصل وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري إلى بيروت، والتقى الرئيس سلام ناقلاً اليه رسالة من نظيره العراقي حيدر العبادي يُؤكّد فيها أن لا استهداف للسنّة في معركة الفلوجة.
مجلس الوزراء
وعلى الرغم من أن مجلس الوزراء انعقد على وقع مواقف متشنجة من قبل عدد من الوزراء على خلفية النفايات وسد جنة، فإن الجلسة تميزت، بحسب ما أكدت مصادر وزارية لـ«اللــواء» بالنقاشات الهادئة والموضوعية، وبقيت ضمن السقف الطبيعي، باستثناء المشادة التي دارت بين وزير الخارجية جبران باسيل من جهة ووزير الاشغال والنقل غازي زعيتر والوزير خليل من جهة ثانية، على خلفية إبقاء ثلاثة مراكز شاغرة في وزارة الأشغال منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهي من حق الطائفة المسيحية، فاعترض الوزير زعيتر كاشفاً عن اجراءات اتخذها باسيل في وزارته بتعيين مستشارين على حساب عدد من الموظفين الشيعة، ودعمه في هذا الموقف الوزير خليل، إلا النقاش عاد في اتجاه إقرار معظم بنود جدول الأعمال، بناء لرغبة الرئيس سلام، داعياً لإبعاد ملف سد جنة عن التداول الإعلامي، واعداً ببحثه في أقرب فرصة، خصوصاً وأن وزير البيئة محمّد المشنوق كان يرفض تأجيل الموضوع لأن الأعمال مستمرة في المشروع، وكذلك فعل وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج الذي أعاد طرح اقتراحه بتكليف البنك الدولي اجراء دراسة علمية على موقع السد، من دون ان يلقى طرحه استجابة واضحة لا سلبية ولا إيجابية من الوزراء، باستثناء باسيل الذي اعتبر ان هذه الدراسة تحتاج إلى سنوات.
ومع ذلك، شهدت الجلسة بما وصف بانتكاسة تمثلت بانسحاب وزيري الكتائب في خطوة أرادا منها تسجيل موقف رافض لتمرير بندي النفايات ودراسة الأثر البيئي لمطمري «الكوستا برافا» وبرج حمود من دون أخذ ملاحظاتهما بعين الاعتبار، إلا أن الوزير قزي أوضح بعد الجلسة أن خروجه وحكيم لا يعني مقاطعة مجلس الوزراء أو الخروج من الحكومة، وهو الموقف نفسه الذي أكد عليه رئيس الكتائب النائب سامي الجميل لاحقاً في مؤتمر صحفي.