تذهب معظم الترجيحات المتعلقة بالاجتماع العسكري الثلاثي الروسي ــ الإيراني ــ السوري، في العاصمة الإيرانية، طهران، اليوم الخميس، نحو وضعه في خانة التصعيد العسكري للنظام السوري وحلفائه، في سياق تندرج ضمنه النبرة التصعيدية الحربية التي ظهرت في خطاب رئيس النظام، بشار الأسد، قبل يومين، والتي توحي، بالإضافة إلى رفع وتيرة القتل في المحافظات الخارجة عن سلطة النظام والمليشيات الحليفة له، بأن سمة المرحلة السورية المقبلة ستكون دموية حربية لا تفاوضية سياسية. وجاء عنوان الإعلان الرسمي عن اجتماع طهران اليوم، ليعزز هذه التوقعات بما أن وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان وجه دعوة لنظرائه الروسي سيرغي شويغو والسوري فهد جاسم الفريج "لعقد اجتماع ثلاثي لبحث آخر التطورات الأمنية الإقليمية ولمناقشة سبل تطوير التعاون بين هذه الأطراف لمحاربة الإرهاب". ويكفي الزجّ بعنوان "مكافحة الإرهاب" ليتوقع كثيرون بأن الهدف الرئيسي للاجتماع قد يكون وضع خطة عسكرية جديدة للمناطق العصية على الحلف الثلاثي، مثل حلب وعدد من مناطق أريافها، وإدلب، وأرياف حمص واللاذقية ومناطق أخرى تكبدت فيها المليشيات السورية والأجنبية والإيرانية خصوصاً، المقاتلة إلى جانب النظام، خسائر كبيرة. كما أن أجواء الرسائل العسكرية بدت واضحة في إعلان وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن وزراء الدفاع الثلاثة "سيناقشون على طاولة الحوار ما تم تحقيقه ميدانياً في سورية خلال الأشهر التسعة الماضية، حيث سيكون التركيز على التنسيق الإيراني الروسي في ما يتعلق بالوضع في سورية". كما سيبحث الأطراف الثلاثة تطورات الوضع في العراق بحسب الوكالة ذاتها. وكان الأسد قد شدّد في كلمته يوم الثلاثاء، أنه "لا توجد خلافات بين نظامه وكل من: روسيا وإيران"، معتبراً أن "الأمور أكثر ثباتاً من قبل، والرؤية أكثر وضوحاً بكثير". في سياق متصل، نقلت وكالة مهر الإيرانية أن اجتماعا أمنيا ثنائيا عقد بين وفدين من وزارتي الداخلية الإيرانية والسورية في طهران، حيث ترأس الوفد السوري نائب وزير الداخلية خالد عبد الله خضر، واستقبله نظيره الإيراني حسين ذو الفقاري، وأكد الطرفان عقب اجتماعهما على "استمرار التعاون والتنسيق بين طهران ودمشق لمحاربة الإرهاب وتنظيماته، فضلاً عن الاتفاق على رفع مستوى تبادل المعلومات والخبرات وإجراء دورات تدريبية تعليمية".
ويُعد هذا الاجتماع هو الأول للجنة الأمنية المشتركة بين إيران وسورية، والتي تضم بالإضافة لمسؤولين من وزارتي الداخلية، شخصيات من وزراة الخارجية بالإضافة لشخصيات عسكرية وأمنية.
وعن اللقاء المرتقب في طهران، يعتبر مستشار وفد المعارضة المفاوض في جنيف، يحيى العريضي، أن "نتائج اجتماع طهران مجسّدة على الأرض قبل أن يعقد، وذلك من خلال القصف اليومي الذي يحصد أرواح المدنيين السوريين على امتداد الجغرافيا السورية"، موضحاً أن "سورية بلد محتل من الروس والإيرانيين ولا سيادة لها".
ويرى أن "وزير الدفاع في نظام الأسد ليس أكثر من شاهد زور في الاجتماع، والذي يُعدّ اجتماعاً تنسيقياً بين قوى احتلال، يشبه الاجتماعات التنسيقية التي يعقدها الرئيس الروسي بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
ويعرب العريضي عن اعتقاده أن "اجتماع طهران الثلاثي رسالة واضحة للطرف الأميركي، مفادها أن لدى موسكو من تنسّق معه في سورية، طالما هو يرفض التنسيق معها في الإجرام الذي تمارسه، وما تقوم به روسيا وإيران ونظام الأسد في سورية، وللأسف لا يوجد من يردعهم".
ويأتي اجتماع طهران بعد إغلاق نظام الأسد، الباب أمام الجهود الدولية، للتوصّل إلى اتفاق سياسي في سورية، وفق قرارات دولية تدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية. يأتي ذلك في وقتٍ تحاول فيه الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة، فتح "قنوات حوار" مع تيارات سياسية، ومنصات معارضة، نافية وجود نية لديها لضمّ شخصيات جديدة، معتبرة أن أطياف المعارضة كلها ممثلة فيها.
وقد جدّد الأسد، يوم الثلاثاء، رفضه حلاً سياسياً على أساس مبادئ جنيف، معلناً أمام "مجلس الشعب" (البرلمان السوري) أن "الورقة التي طرحها وفده، منذ بداية جنيف 3، الداعية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع بقاء الأسد في السلطة، تُشكّل أساساً للمحادثات". الأمر ترفضه المعارضة بـ "المطلق"، وتعتبر القبول به "خيانة"، و"استسلاماً".
في هذا السياق، تفيد مصادر في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"، بأن "الهيئة العليا للتفاوض، ستعقد اجتماعات في مقرّها بالعاصمة السعودية الرياض، خلال أيام، لمناقشة العديد من الملفات، تحديداً مسألة الانفتاح على ما يُسمى بمنصتي موسكو والقاهرة، اللتين تضمّان شخصيات معارضة".
كما تشير المصادر إلى أن "الهيئة العليا للمفاوضات، ربما تناور بعض الشيء لامتصاص ضغط إقليمي ودولي عليها"، موضحة أن "هناك حواراً جرى بالفعل مع شخصيات من منصتي موسكو والقاهرة، وأحزاب وتيارات كردية مؤمنة بوثيقة الرياض، والتي تنصّ على حلّ سياسي ينهي حكم بشار الأسد، ويؤسس لدولة ديمقراطية تعددية".
كما تضيف المصادر أن "النية تتجه لفتح حوار مع الحزب الديمقراطي الكردي، ومع تيار المستقبل الكردي"، مشيرة إلى أن "حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة، صالح مسلم، خط أحمر، لا يمكن تجاوزه بسبب ارتكابه عمليات تهجير عرقي في شمال وشمال شرق سورية، وتنسيقه الواضح مع قوات النظام، ومحاولته تشكيل إقليم كردي في شمال سورية. ما يهدد بالتالي مستقبل سورية برمّته".
وتشير المصادر إلى أن "هناك تياراً قوياً داخل الهيئة، يرفض فتح أي حوار مع عضو قيادة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، قدري جميل، كونه يتبنّى وجهة النظر الروسية، والتي تدعو إلى إبقاء الأسد في السلطة، في حكومة تجمع النظام والمعارضة معاً".
وتتوقع المصادر "عدم عقد جولة رابعة من مفاوضات جنيف 3 خلال وقت قريب، بسبب وجود استعصاء سياسي، وانسداد آفاق، كرّسه الأسد في كلمته الثلاثاء". وتردف "ما يعني أن الوضع ذاهب إلى التصعيد، الذي سيدفع ثمنه مدنيون أبرياء، خصوصاً في مدينة حلب وريفها"، لافتة إلى أن "الولايات المتحدة لا تزال في سياق الحياد السلبي على الصعيد السياسي، مكتفية بالدعم العسكري لقوات "سوريا الديمقراطية" في تقدمها في ريف حلب، على حساب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". مع العلم أن الرئاسة التركية أصدرت بياناً، أمس الأربعاء، ذكرت فيه أن "بقاء المعارضة السورية في المفاوضات يبدو مستحيلاً مع استمرار انتهاكات النظام".
من جهته، يجزم العريضي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توسيع للهيئة العليا للمفاوضات، ووفدها المفاوض"، نافياً "وجود ضغوط إقليمية ودولية على الهيئة العليا للتفاوض على هذا الصعيد".
كما يشير إلى أن "كل أطراف المعارضة السورية موجودة في الهيئة، بما فيها منصتا موسكو والقاهرة وأكراد سورية"، وساق مثالاً على ذلك، وهو وجود خالد المحاميد في الوفد المفاوض، ممثلاً عن منصتي موسكو والقاهرة". ويشير العريضي إلى أن "جهود موسكو في بعثرة وتشتيت المعارضة السورية لن تنجح"، موضحاً أن "عدم وجود أشخاص مثل قدري جميل أو صالح مسلم، لا يعني أن معارضة موسكو أو أكراد سورية، غير ممثلين في الهيئة العليا للتفاوض". ويعتبر أن "ترحيب الهيئة بكل الأطراف التي تؤمن بحل سياسي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية، من دون وجود لبشار الأسد".
ويرى أغلب المراقبين للمشهد السوري أنه "لا يوجد في الوقت الراهن أي أفق للعودة إلى طاولة التفاوض في جنيف، في ظلّ تعنّت واضح من النظام، والذي يرفض الاعتراف أساساً بالمعارضة، والتي أطلق عليها بشار الأسد صفة الأطراف الأخرى" في خطابه الثلاثاء.
في هذا الصدد، يرى المحلل أحمد رياض غنام، أن "النظام لا يرغب بأي حلّ سياسي مهما كان شكل وجوهر هذا الحلّ"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن "النظام يشعر بأنه أفضل على المستوى العسكري والسياسي أكثر من أي يوم مضى".
ويعتبر غنام أن "الحوار الذي بدأت به الهيئة العليا للتفاوض مع شخصيات وتيارات سورية معارضة، خطوة في الاتجاه الصحيح"، مضيفاً أنها "تسقط ذرائع النظام وروسيا على حدّ سواء، من مسألة المشاركة الواسعة للمعارضة بكافة أطيافها، فعدم وجود تناغم في المواقف بين هذه القوى، لا يلغي الحوار فيما بينها".
محمد أمين :العربي الجديد