«يا علي أنتم خلص خلصتم. آخر هذا الشهر تتوقفون عن العمل. كل عناصر الحرس في التيار في كل لبنان سيكون أول تموز آخر يوم عمل لهم. وستأخذون كل تعويضاتكم». ثم يستدرك مصحّحاً: «تأخذون كل معاشاتكم السابقة والتعويضات المستحقة هي أساس راتب شهر عن كل سنة.

وأكلّمك لاحقاً. الآن مش فاضي لأبلغ العالم». هذا نص رسالة صوتية أرسلها أحد مسؤولي «المستقبل» إلى أحد عناصر التيار في طرابلس صباح أمس. قبل علي، تبلّغ العشرات من زملائه في المناطق قرار صرفهم من العمل نهاية الشهر الجاري، في إطار الأزمة المالية التي يعاني منها «المستقبل». المصروفون هم حراس مكاتب التيار ومؤسسات الحريري ومستوصفاتها في صيدا والبقاع والشمال وبيروت، إلى جانب مرافقين لمنسقين ومسؤولين في التيار وشخصيات محسوبة على آل الحريري، من بينهم مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان الذي خصّص له التيار مرافقاً شخصياً. وبحسب الرسالة، سيحصل المصروفون على رواتبهم المتأخرة منذ ثمانية أشهر. أما التعويضات التي ينص عليها قانون العمل، فستختصر بدفع أساس راتب شهر واحد عن كل سنة عمل. لكنها لن تصرف عند الصرف. فبحسب مصادر من داخل التيار، وُعِد الكوادر بصرف التعويضات «عندما تتوافر المبالغ». وأوضحت المصادر: يستثنى من الصرف حراس مقر الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل ومقر عمته النائبة بهية الحريري في مجدليون.
حبات السبحة الحريرية تسقط واحدة تلو الأخرى. قبل صرف الحراس، طال الصرف مئات الموظفين والعمال في مؤسسات الحريري وفي منزله في وادي أبو جميل ومنزل عمته في مجدليون وفي شركتي سوليدير و»أوجيه ليبان». قبل الصرف، تأخر صرف الرواتب لأشهر طويلة. قبيل عودة الحريري بأيام، قبض موظفو وحراس منزله راتب شهر واحد. لكنهم منذ ثلاثة أشهر لم يتقاضوا شيئاً. وفي مجدليون، الحال «مستورة». الست بهية للسنة الثالثة على التوالي لا تنظم الولائم الرمضانية اليومية كما عهد الصيداويون. مع ذلك، فقد طلبت من أحد طباخيها الذي صار يعمل بدوام جزئي، بعد توقف دفع الرواتب ويداوم جزئياً في أحد الأفران، بأن «يعود إلى العمل بدوام كامل في القصر... لكن مجاناً».


المصروفون هم حراس مكاتب التيار ومؤسساته في كل المناطق ومرافقو مسؤوليه

 


في الإطار ذاته، لا يرحم بنك البحر المتوسط (الذي يملكه آل الحريري) الموظفين الذين لا يقبضون. تطالب الإدارة من اقترض مبلغاً بسداد فوائده الشهرية من دون تأخير. وفي السعودية، قطعت الكهرباء عن أحد المجمعات السكنية لموظفين في «أوجيه» بسبب عدم دفع الفواتير، ما اضطرهم إلى شراء المازوت للمولدات من جيوبهم الخاصة.
الصرف بـ»المفرق» في لبنان، يقابله صرف بالجملة في «سعودي أوجيه». 54 ألف موظف وعامل من جنسيات عربية وآسيوية وأوروبية تبلغوا قرب صرفهم. آخر الأخبار الواردة من المملكة تحدثت عن تبلغ هؤلاء بالصرف من دون تعويضات. واقع الشركة يوحي بأنها قد أفلست، من دون أن تعلن الأمر. بحسب مصادر من داخل الشركة، فإن قيمة الرواتب المتأخرة عن الأشهر الثمانية الماضية تبلغ حوالى 500 مليون دولار، فكم قد تبلغ قيمة التعويضات المستحقة للمصروفين كما يقتضي القانون؟.
هل يقف الحريري متفرجاً على سفينة «أوجيه» وأخواتها، تغرق؟ وهل تلعب السعودية دور المنقذ؟ في نيسان الفائت، جزم ولي وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن الشركة «حصلت بالفعل على العديد من الأقساط المستحقة لها لدى الحكومة. لكن الشركة عليها ديون داخل المملكة وخارجها، لذا فبمجرد إيداع مستحقات الشركة في حساباتها المصرفية، يقوم البنك الدائن بسحب تلك الأموال». وغسل بن سلمان يد السعودية من أزمة الموظفين، مشيراً الى أن «عدم تغطية تكاليف العمالة الخاصة بها ليس مشكلة الحكومة». مصادر من داخل الشركة لفتت إلى أن الأزمة تكمن في القروض التي استدانتها الشركة من البنوك وبلغت 7,5 مليارات ريال سعودي. جزء من القروض «أخرج إلى خارج المملكة ولم يصرف على المشاريع وتغطية النفقات، ما أدى إلى فقدان تدريجي للسيولة». قبل القروض، تراجعت السيولة المالية في الشركة بسبب عمليات الاختلاس والهدر التي اتُّهِم بها موظفون ومديرون بعضهم من آل الحريري. المصادر لفتت إلى أن الحريري لا يتحمّل وحده مسؤولية الأزمة المالية. فالشركة توزعت بحسب تركة الرئيس رفيق الحريري بين زوجته نازك وأولاده بهاء وسعد وهند وأيمن وفهد. أيمن كان يتولى الإدارة حتى عام 2011، قبل أن يوكل سعد ترتيب الأوضاع إلى ابن السيدة نازك، عدي آل الشيخ. وعلى نحو تدريجي، كان «الشيخ سعد» يشتري حصص أشقائه من السيولة المالية المتوافرة في صندوق الشركة.
كرة الثلج بدأت تكبر. تناقص السيولة وتراكم الديون أدّيا الى غرق السفينة بالموظفين والعمال. أما ثروة الشيخ سعد فلم تتأثر، إذ قدرتها مجلة «فوربس» نهاية العام الماضي بـ1.5 مليار دولار .
«لا قصاص سياسياً على الحريري من مملكة الخير». تؤكد أوساط المستقبل، «لكن الأزمة المالية التي تعاني منها السعودية تمنعها من دعمه».