إنها المرة الاولى التي يتحقق فيها مثل هذا المشروع في العالم كله. "تكنولوجيا المستقبل"، وهو من توقيع عالم لبناني رائد يتبوأ أحد أهم المناصب العلمية الرئيسية في الولايات المتحدة، البروفسور حبيب داغر وفريقه في الولايات المتحدة الاميركية. "ستكون لحظة ضخمة لطاقة الرياح البحرية، لا سيما في الولايات المتحدة، ولبرنامج بحوثنا في جامعة ماين"، يقول لـ"النهار". "المشروع مثير جداً. إنه الاول من نوعه في العالم... ونحن أول من ينفذه".
قبل نحو 10 ايام، تلقى داغر، مدير مركز AEWC (Advanced Structure &Composites Center) في جامعة ماين، الخبر السار. "لقد فزنا بمسابقة بحثية وطنية كبرى، بقيمة 39.9 مليون دولار تمنحها لنا وزارة الطاقة الاميركية، لبناء توربيني رياح عائمين، كل منهما بقدرة 6 ميغاواط، بطول "نصب واشنطن"، وقطر دواريهما 156 متراً... وسيطفوان على بعد 14 ميلاً قبالة سواحل ولاية ماين".
صانع التاريخ... مجدداً
الحلم سيتحقق اخيراً... سنة 2018، يشهد الاميركيون انبعاث "أول مزرعة رياح عائمة" ضخمة في البحر، باستخدام براءة اختراع VolturnUS (التوربين الهوائي البحري العائم) الذي "اخترعه" داغر وفريقه في مختبرات مركز AEWC الرائد في تطوير فاعلية المواد المركبة وادائها، لا سيما في عمليات البناء والانشاءات. في الخطط، "نباشر عملية البناء ومتطلباتها في الاشهر المقبلة، على ان نطلق التوربينين سنة 2018".
المهمة ضخمة بحجم "المشروع الضخم جداً"، بتعبير داغر. وهذا يعني انه سيكون منهمكاً جداً في السنتين المقبلتين، "لفوق رأسه"، في "صناعة التاريخ"، مجدداً. صنع التاريخ أمر اعتاده، ويخطط له باستمرار وبحماسة. قبل 3 اعوام (الجمعة 31 ايار 2013)، وقف أمام مئات عند ضفة نهر بينوبسكوت - بروير قرب بانغور في ولاية ماين، على مرمى حجر من التوربين الشهير VolturnUS الذي أُنزِل قبل دقائق الى الماء بنجاح. في تلك الساعة، علا تصفيق حار لمشروع رائد، الأول من نوعه.
في ذلك اليوم، "اطلقنا توربيننا العائمVolturnUS " بنجاح. "واليوم، سنبني توربينين ضخمين، 8 اضعاف حجم التوربين الاول. انها فرصة رائعة"، يقول. من نحو 9 اعوام، بدأ المركز عمله على المشروع... "ويسعدنا جداً ان نرى ثمار عملنا المتواصل، بعد كل تلك الاعوام".
"لهذا السبب، نحن متحمسون"
واذا كانت العين على 2018، فإن البشرى التي يحملها داغر هي "تكنولوجيا المستقبل، تكنولوجيا ستقلص تكاليف طاقة الرياح في شكل كبير. لهذا السبب، نحن متحمسون لذلك"، يقول. وفقاً للتوقعات، من شأن هذه التكنولوجيا الفريدة ان تحدّ تكلفة طاقة الرياح البحرية إلى أقل من 8 سنتات لكل كيلوواط واحد سنة 2020.
عامل آخر يجعل تحقيق هذا المشروع مهماً للغاية. "30 في المئة من موارد الطاقة البحرية الاميركية موجودة في المياه العميقة، بما يجعل الوصول اليها متعذراً باستخدام التوربينات العائمة. لذلك، تفسح هذه التكنولوجيا في المجال أمام 70 في المئة من موارد طاقة الرياح البحرية. وسيكون لها تأثير ضخم على الولايات المتحدة".
مشروع بناء ضخم جداً
"اول مشروع ينفذ في العالم" له تحدياته الكبيرة. لتنفيذه، يتوجب أن يستخدم داغر وفريقه هياكل إسمنتية للتوربينين العائمين، وأدوات بناء خاصة. وهذا يعني امراً واحداً: "انه مشروع بناء ضخم جداً، تحد هندسي كبير، بسبب حجم الوحدتين". وهذا يعني ايضاً "وجوب تحديث مرافق الميناء في ولاية ماين، للتمكن من رفع التوربينين وتثبيبتهما، اذ يصل ارتفاع كل منهما الى 100 متر في الهواء". ويتدارك داغر: "نحن واثقون من التصميم. ونعتقد ان لدينا كل الاجوبة عن التحديات التي يمكن ان نواجهها".
في المنظور الاميركي، ستمكّن هذه التكنولوجيا الولايات المتحدة من ان "تكون لديها، ضمن 80 ميلاً من الساحل الاميركي، طاقة رياح كافية لتغطي حاجاتها 4 مرات. هذه التكنولوجيا هي الوسيلة الوحيدة لزيادة تلك الطاقة"، يقول داغر. المثير ايضاً انه يمكن اعتمادها، ليس في الولايات المتحدة فحسب، انما ايضاً في اي مكان في العالم. "اكثر من 50 في المئة من سكان العالم يعيشون على السواحل. ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا لتأمين الطاقة لمختلف المدن الكبرى في العقدين المقبلين. انها محطة رئيسية، تحوّل كبير... اعتراف بقيم التكنولوجيا للولايات المتحدة اولاً".
فرصة حقيقية في المتوسط
منطقة البحر المتوسط في أول لائحة المستفيدين المحتملين من هذه التكنولوجيا. "ما ان نحقق المشروع في الولايات المتحدة سنة 2018، فستكون هناك فرصة حقيقية لتنفيذه ايضاً في ارجاء العالم، بما فيه البحر الابيض المتوسط الذي يتميز ببحار عميقة، ويمكن الافادة من ذلك كمصدر طاقة".
في وقت يستعد داغر وفريقه لتلك اللحظة الاميركية، بدأت مساع لتنفيذ مشروع مماثل في جنوب فرنسا على البحر المتوسط. "لدينا فريق هناك يتعاون مع "كهرباء فرنسا" لهذه الغاية. وتقدمنا باقتراح بهذا الخصوص". لكن الصدارة ستكون لاطلاق المشروع في الولايات المتحدة.
والحلم يكبر مع داغر. فاذا كانت الانطلاقة بـ6 ميغاواط سنة 2018 لكل من الوحدتين، فإن الهدف الذي يطمح الى تحقيقه سنة 2020 بواسطة هذه التكنولوجيا هو "بناء توربينات عائمة اكثر ضخامة، تستخدم في مختلف أنحاء العالم".
البروفسور داغر ابن بكفيا. العام 2015، كرّمه البيت الابيض كاحد "ابطال التغيير"، "مبدع في مجال النقل للمستقبل". في رصيده الابداعي، جوائز عدة، منها جائزة "تشارلز بانكو للابتكار"، 24 براءة اختراع على الاقل، واكثر من 8 قيد الانتظار... وابرز الصيحات التي تحمل توقيعه، "جسر في حقيبة ظهر" الذي يستخدم مواد بناء مبتكرة وخفيفة الوزن في بناء الجسور، في شكل يسرّع عملية البناء ويخفف ازعاج السائقين.
هالة الحمصي