لا يتعب متى ولا يكل، فهو في ذهاب وإياب من السوبر الماركت إلى المستودع إلى توصيل الأغراض للزبائن، وكل ذلك ببسمة مع نكتة حاضرة عفوية ومهذبة في آن.
متى فتى عراقي لا يتجاوز عمره الـ12 سنة، وعلى الرغم من صغر سنه، يبقى المعيل الوحيد لأهله وإخوته بعدما نزحوا من العراق بسبب المشاكل وذاقوا الأمرّين في طريق الهروب من "داعش" الذي احتل مدينتهم وأخذ سيارة الوالد وبيتهم حيث مرتع الطفولة الغائبة اليوم عن يوميات هذا الطفل العراقي، الذي بات في لمحة بصر يعمل كالرجال وبمسؤولية قد لا نراها في أقرانه.
قصة متى بدأت منذ لحظة وصوله مع عائلته الى بلدة مجدليا في قضاء زغرتا، حيث استأجرت منزلا صغيرا بما تبقى معها من مدخرات، وبدأ الوالد والوالدة يفتشان عن عمل دون جدوى لأشهر طويلة فما كان من متى وهو كبير الاولاد إلا أن شمّر عن ساعديه وبدأ يطرق الابواب بنفسه بحثا عن عمل لأبيه أستاذ المدرسة في العراق وأمه الموظفة الحكومية وذلك دون جدوى حتى وفقه الله بعمل له في احدى السوبرماركات في المنطقة، أتقنه بسرعة وبات ضرورة ملحة في العمل على حد ما يقول أصحاب السوبرماركت الذين يعاملونه كولد من أولادهم لا كعامل لديهم، لا سيما أنه قريب من القلب وظريف ويتقن عمله.
لا أحلام ولا طموحات لدى متّى في الوقت الراهن سوى أن تكون غلة النهار من توصيل الأغراض للزبائن محرزة لان راتبه مخصص لإيجار المنزل أما ما يتقاضاه يوميا فهو للمعيشة وشراء المستلزمات بانتظار الحصول على تأشيرة سفر الى أستراليا حيث أقاربه وحيث قد يجد هناك فرصة لإكمال دراسته ويصبح مهندسا ميكانيكيا أو الكترونيا بحسب ما يقول، فيما حاول الخيرون من أبناء المنطقة تسجيل متى في المدرسة الرسمية ليتابع دراسته كغيره من الاولاد في عمره، إلا أنه رفض ذلك متمسكا بعمله ومؤكدا انهم يريدون ان يأكلوا خبزهم بعرق جبينهم لا أن يعتاشوا على المساعدات ومد اليد للمنظمات الاغاثية التي لا ينتظرون منها إلا جلب تأشيرة مغادرتهم الى أستراليا فقط لا غير.
(السفير)