ازدادت حدة الصراع بين السعودية وإيران على أكثر من صعيد، وفي عدة جبهات ساخنة ومفتوحة، ولم يسلم من الاختلاف الحاد بين الجانبين حتى موسم الحج.
وكانت السعودية ودول الخليج الأخرى بدأت في القلق على استقرارها وأمنها الاجتماعي منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران على أنقاض نظام الشاه عام 1979. منذ ذلك الحين استشعرت هذه الدول أن أمنها بات في خطر من "المد الشيعي" بخاصة في الدول التي بها تنوع طائفي كالسعودية والبحرين والكويت والعراق.
وعلى الرغم من أن ما يعرف بمرحلة تصدير "الثورة" الإيرانية قد مرت بسلام نسبي، إلا أن التصدعات الاجتماعية ذات الصلة ما لبثت أن ظهرت في السعودية، وبصورة حادة في البحرين، ما دفع السعودية والإمارات والكويت إلى إرسال "قوات درع الجزيرة" إلى البحرين عام 2011 لمساعدة المنامة على مواجهة احتجاجات عنيفة ذات صبغة طائفية، وللوقوف ضد ما اعتبر تدخلا إيرانيا، فيما اعتبرت طهران حينها تلك الخطوة بمثابة غزو عسكري.
تلك الواقعة كانت إحدى إرهاصات ما يسمى بانتفاضات الربيع العربي، ولم تكن الوحيدة، حيث تطورت الأوضاع في اليمن بشكل متسارع مع بروز الحوثيين كقوة رئيسة تمكنت مع حليفها علي عبد الله صالح من اجتياح صنعاء ومعظم أراضي البلاد، الأمر الذي ردت عليه الرياض وحليفاتها ربيع عام 2015 بتدخل عسكري بري وجوي وبحري تحت اسم "عاصفة الحزم".
وبذلك تحول الصراع بين السعودية وإيران إلى ما يشبه الحرب الباردة بين قوتين إقليميتين، وطغى هذا الصراع على ما عداه، بما في ذلك صراع الشرق الأوسط المزمن بين الفلسطينيين والعرب والإسرائيليين، أو ما كان يُعرف بقضية العرب المركزية.
وفي الآونة الأخيرة تدهورت علاقات الرياض وطهران بصورة لا سابق لها، ووجد ذلك انعكاسه في أكثر من جبهة مشتعلة في سوريا والعراق وفي اليمن. واتخذ العداء بين الجانبين منحى متفجرا بامتدادات تاريخية وبتناقضات مذهبية وطائفية انبعثت من جديد، وباتت مواقف الجانبين أسيرة لها بصورة أو بأخرى.
واستخدم الجانبان أسلحة متنوعة في هذه المواجهة إعلاميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا. وكادت حدة التصعيد في أكثر من مناسبة أن تتحول إلى صدام عسكري مباشر في البحر الأحمر وفي سماء اليمن.
الخيارات المتاحة أمام إيران
تمكنت إيران من تلافي خطر شن هجمات جوية مدمرة ضدها بتوقيع اتفاقية التسوية النهائية بشأن برنامجها النووي مع القوى الدولية الست في تموز عام 2015، بعد 12 عاما من المفاوضات الماراتونية الشاقة، وبذلك أصبحت قادرة على الحركة بحرية أكبر، وتوفرت لها ظروف أفضل لمساعدة حلفائها في سوريا واليمن ولبنان والعراق اقتصاديا وعسكريا.
وكانت طهران نجحت منذ وقت طويل في إقامة رؤوس جسور في أكثر من منطقة، ونسجت علاقات قوية مع قوى فاعلة في أكثر من بلد عربي مستفيدة من فراغ سياسي يزداد اتساعا مع الزمن، واحتجاجات تثور هنا وهناك بسبب صراعات داخلية على السلطة والنفوذ، إضافة إلى ما يمثله "داعش" من خطر يهدد استقرار، بل ووجود معظم دول المنطقة بما في ذلك السعودية.
وقد ساعدت الظروف الداخلية في أكثر من بلد عربي النفوذ الإيراني على الامتداد، واستغلت طهران ما يمكن وصفه بعدم قدرة أنظمة هذه الدول على التكيف مع المتغيرات، وإصرار النخب الحاكمة على استمرار الوضع التقليدي القائم من دون إدخال إصلاحات تسد المنافذ على الدخلاء.
الخيارات المتاحة أمام السعودية
اتجهت السعودية مؤخرا أكثر فأكثر إلى ساسة "الحزم" مع إيران ولجأت إلى استخدام قواتها المسلحة وقوات حليفاتها لمواجهة حلفاء إيران في البحرين وفي اليمن وفي سوريا، وهي تواجه حلفاء إيران في لبنان وفي العراق سياسيا وإعلاميا، إلا أن تدخلها العسكري في اليمن لم يفض إلى نتائج حاسمة بعد مرور عام، ما يضاعف من خطر انجرارها إلى حرب استنزاف طويلة وخاسرة.
كما أن تدخلها العسكري في البحرين لم يضع حدا للاحتجاجات وللاحتقان الاجتماعي ولا للمشكلة الجوهرية القائمة وامتداداتها الإقليمية، ما يشير إلى أن الاضطرابات الداخلية الطائفية مرشحة للتصعيد في أكثر من بلد بما في ذلك السعودية ذاتها.
مآلات الصراع
وتبعا لسياق تطور الأحداث في المنطقة بتشعباتها وامتداداتها وأبعادها، يمكن القول إن استقرار وأمن السعودية وبقية دول الخليج مرتبط بالدرجة الأولى بإدخال إصلاحات داخلية حقيقية، وباللجوء إلى ما يمكن وصفه بـ" القرارات المؤلمة" وإعادة النظر في التشريعات القائمة، وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية والسياسية وإشراك الأقليات الشيعية في الحكم، ومنح مرجعياتها الدينية المحلية نفس المكانة التي يتمتع بها نظراؤهم السنة، لقطع الطريق أمام "النفوذ الإيراني"، بالإضافة إلى ضرورة إغلاق ما يعرف بـ"دكاكين الإفتاء" وكبح جماح عدد من شيوخ الدين المحرضين على التطرف والإرهاب.
بمثل هذا النهج، يمكن الخروج بأقل الخسائر في الأوضاع الراهنة العصيبة والخطرة بدءا من "الخطر الإيراني" وانتهاء بالخطر "الداعشي". والسعودية مطالبة بالمبادرة إلى معالجة الأزمات الراهنة قبل فوات الأوان وبخاصة في داخلها، إذ أن مكانتها النفطية في طور الانحسار، وتحالفاتها التقليدية القديمة مع الولايات المتحدة لم يعد ممكنا الاتكاء والاعتماد عليها حاضرا ومستقبلا، والأخطار الكبيرة كامنة وقد تنفجر في أي لحظة.
(روسيا اليوم)