الافتراق سراً، تحوّل الى طلاق علناً، بين «الترويكا» المؤلفة من الرئيسين هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، وحسن الخميني، ومعهم الرئيس محمد خاتمي بعيداً عن الاضواء، ولكن الذي يوصف اليوم بأنه «المايسترو» الشعبي، من جهة، ومن جهة ثانية المرشد آية الله علي خامنئي ومعه كل القوى من المحافظين المتشددين ومريديه وأعضاء مكتبه، وهم حسب التقديرات اثنا عشر ألف ممثل وعامل.
خلال السنوات الثلاث الماضية من ولاية حسن روحاني الرئاسية كان يتم تبادل الرسائل المشفرة المتعلقة بالخلافات، خصوصاً بكل ما يتعلق بالمفاوضات النووية. كان روحاني مكبّل اليدين، ذلك ان مجلس الشورى ضده ولا يكتفي بوضع العصي فقط في دواليبه بل يذهب بعيداً في رفض من يسمّيهم للعمل معه ويهدده من حين الى آخر بحجب الثقة عنه. أما خاتمي فكان محاصراً وممنوعاً من التواصل الإعلامي ويتم تذكيره بأن القوى الإصلاحية هم «أهل الفتنة». الآن تغيّرت موازين القوى. في المجلس، رئيسه علي لاريجاني انتخب بأصوات كتلة روحاني وأعضاء مكتب المجلس عشرة منهم مناصفة بين روحاني وخاتمي واثنان للاريجاني.
من مؤشرات «الطلاق» العلني، القائم على توازن دقيق جداً، ان «الترويكا« (علماً ان خاتمي لا يدعى الى الاحتفالات) تعمّدت وبحضور خامنئي ان يجلس أعضاؤها متّحدين في احتفال ذكرى وفاة الامام الخميني، وأن يتبادلوا الحديث بودّ وابتسامات واضحة، وذلك في رسالة علنية خصوصاً وانه يتم بث الاحتفال حيّاً على كل القنوات التلفزيونية. المرشد ألقى خطاباً نارياً، وأبرز ما فيه:
[ «لدينا العديد من الأعداء الصغار والكبار، إلا إنكارهم أميركا وبريطانيا الخبيثة».
[ «ان بعض الجهات في البلاد لم تحدد خطوطها الفاصلة مع العدو».
بدوره سارع رفسنجاني الى إلقاء خطاب امام تجمعات زارته، قال فيه:
[ «معظم الشعب الإيراني يرغب في تعامل بناء وتواصل مستدام مع دول العالم».
أفضل وأقوى «القوى» الملتصقة بالمرشد، والتي في عملية تبادلية واضحة يستمد منها القوة والتهديد بها من وقت الى آخر هي «الحرس الثوري». «السلاح» الكبير لـ«الحرس» في دعم توجهات خامنئي، تصريحات بعض قياداته بتهديد الولايات المتحدة بالحرب المدمرة، أو «بتدمير تل ابيب ومدن إسرائيلية وإزالتها من الوجود في سبع دقائق» لا أكثر ولا أقلّ. أيضاً في الكلام عن إرسال المتطوعين لتحرير سوريا، والذي اقترب «موعد التحرير»، وقد وصل الامر حدّاً من البساطة انه جرى نشر صور لمتطوع إيراني مخيف بعضلاته، يطلقون عليه لقب «هولك» تيمّناً بـ «الرجل الأخضر» في السينما الاميركية، للقتال في سوريا دفاعاً عن «المقامات».
مثل هذه التصريحات بدأت تثير السخرية الشعبية. وقد ذكّرني حجة اسلام إيراني بمسألة لم تعد مغيّبة عن الرأي العام الشعبي المعارض لصرف الأموال والتضحية بالمقاتلين الشيعة حتى ولو كانت غالبيتهم العظمى من غير الايرانيين بقوله «يردد أركان «الحرس» والقوى المتشددة أن القتال في سوريا هو دفاعاً عن المقامات وأولها مقام السيدة زينب. تاريخياً إن الاتفاقات العثمانية - الصفوية تضمنت حق الملاحظة والاهتمام لإيران بأربعة مقامات في كل من كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء. ولم يدخل الايرانيون السيدة زينب في هذه الاتفاقات، لذلك فإن مقامها بقي مقاماً يحوطه بالاهتمام والرعاية الشيعة اللبنانيون. وان بداية اهتمام ايران بمقام السيدة زينب بدأ مع الشاه عندما موّل تعبيد الطريق الترابي بين دمشق والمقام.
الاهتمام الإيراني بمقام السيدة زينب الجدي والكبير، بدأ في بداية الحرب الايرانية - العراقية عندما أقفلت الأجواء ومنعت الزيارات الى المقامات الأربعة، فقامت السلطات الايرانية بفتح الأبواب امام الزوار باتجاه دمشق، والتزمت بتمويل تكبير المقام وتحديثه. وفي خطوة مالية ضخمة، مكافأة منها للرئيس حافظ الاسد الذي نصرها ضد الرئيس صدام حسين، أقرّت بأن يشتري كل زائر إيراني (وكان عددهم عشرات الألوف شهرياً) بمئة دولار وبسعر رمزي متفق عليه في العاصمتين مبلغاً من الليرة السورية، لدعم الخزينة السورية.
يتابع إيرانيون مطلعون هذه المسألة بقولهم: من الطبيعي ان يكون جميع المعتدلين وبكل تلاوينهم مع إنهاء الحرب في سوريا وعودة «الحرس» والمتطوعين ليس فقط لوقف هذا الاستنزاف الطويل والمرهق، بل أيضاً، وهو الأهم، ان «الحرس» الذي استثمر مشاركته وتضحياته الواجبة عليه في الحرب الايرانية - العراقية لمدّ نفوذه الاقتصادي والسياسي، فإنه اليوم يستثمر الحرب في سوريا للمحافظة على نفوذه في السلطة تحت شعار أنه يدافع عن المقامات في مواجهة «داعش».
هذا «الطلاق» لا بد ان تهز ارتداداته التوازن الدقيق في السلطة. في جميع الحالات ستشهد ايران المزيد من المواجهات والتحديات خصوصاً وان قيادة «الترويكا» تتمتع بخبرات تاريخية وعميقة: هاشمي رفسنجاني الذي يوصف بأنه «حصن» الدولة و«ثعلبها»، والذي تخلّى عن الذي كان يعرقله وهو طبع رجل البازار الذي يريد ان يربح بسرعة فأصبح يتحرك ببطء وعمق وصبر. أما حسن روحاني فإنه «رجل دولة« باقتدار، وأخيراً خاتمي «الفيلسوف« الذي تعلّم الكثير من تجاربه، وحسن الخميني الذي يملك الشرعية من جده إضافة الى البراعة في الحركة.
المستقبل: أسعد حيدر