أصدر البنك الدولي تقريره الفصلي، أول من أمس، بعنوان "A Geo – economy of riks and reward". التقرير الذي قدّمه الخبير لدى البنك الدولي وسام الحركة، كان بمثابة نعياً للنموذج الاقتصادي، إذ أشار في خلاصته إلى أنه "بات ضرورياً للبنان أن يخرج من النموذج الاقتصادي والاجتماعي المُفلس". سبق هذا النعي، عرضٌ لنتائج النموذج في عام 2015 والتوقعات لعام 2016 انطلاقاً من موقع لبنان الجغرافي في "قلب الشروخ والمخاطر".
يقول البنك الدولي إن اعتماد الاقتصاد اللبناني على تحويلات المغتربين لتمويل الاختلالات الداخلية والخارجية "يعرّض البلد إلى ظروف اقتصادية وسياسية لا يمكنه السيطرة عليها". ويشير إلى أن "التهديد الاساسي للاقتصاد اللبناني هو احتمال ترحيل اللبنانيين المهاجرين إلى الخليج لدواع العمل". "المحاكاة التي قام بها البنك الدولي تشير إلى أن النموّ سيكون أقل بنسبة 2.1% في السنة الأولى على هذا السيناريو ويتزامن مع تقلص الإستهلاك الخاص. المشكلة أن هذا الأمر يأتي في وقت يصاب فيه النشاط الاقتصادي بأزمة سببت تقلصاً في النمو الحقيقي وكان لها انعكاسات على نسبة التضخّم، فضلاً عن ازدياد الحاجات التمويلية".
ما تعنيه هذه الخلاصة، هو أن لبنان استورد في عام 2015 سلعاً ومنتجات استهلاكية بقيمة 18 مليار دولار في مقابل صادرات بقيمة 2.9 مليار دولار، وبالتالي فهو بحاجة لاستقطاب الدولارات الكافية من الخارج لتمويل العجز التجاري البالغ 15 مليار دولار. ويضاف إلى ذلك أن الحكومة تغرق في العجز والاستدانة لتمويل خدمة الدين العام. النموذج الحالي قرّر أن يموّل هذه الحاجات من خلال تصدير اليد العاملة التي تحوّل قسماً من مداخيلها إلى أسرها في لبنان. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على كل النظام الذي لم يتوقف يوماً عن الخضوع للإرادة الخارجية في قراراته السياسية.
إذاً، ما يرمي إليه البنك الدولي هو أن النموذج، بكل أقسامه السياسة والمالية والاقتصادية، مكشوف على المخاطر الخارجية. انكشاف ظهرت نتائجه أسرع مع ازدياد عدد السكان بنسبة 27% خلال فترة زمنية قصيرة لا تزيد على أربع سنوات. خلال هذه الفترة الزمنية كان هناك "قصور في التدفقات النقدية قد يؤدي إلى تدهور في الاصول الخارجية الصافية. ففي عام 2015 كان التراجع في التدفقات الرأسمالية ملحوظاً أكثر من السنوات الثلاث السابقة، إذ بلغ التراجع 25.4%". ويضيف أنه "منذ عام 2012 عانت القطاعات الاساسية المحركة للنموّ من تراجع حادّ في نشاطها واصبحت أقلّ استقطاباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة، سواء كانت في العقارات والسياسة وسواها. آخر إحصاءات متوافرة عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تشير إلى أنها تمثّل 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من المستويات المطلوبة التي تسبق أي أزمة، فهي كانت بين 2000 و2010 توازي 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي".
أدّى هذا التدهور في التدفقات الرأسمالية إلى تراجع ملحوظ في الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، التي بلغت 30.6 مليار دولار في نهاية 2015. إلا أن ما لم يذكره تقرير البنك الدولي، هو أن مصرف لبنان لجأ إلى أدوات مختلفة لتعزيز محفظته من الأصول الأجنبية، فأجرى عملية استبدال، بالتنسيق مع وزارة المال، للسندات التي يحملها بالليرة اللبنانية بسندات بالدولار كانت تحملها وزارة المال. هذا الأمر وفّر له 2 مليار دولار أضيف أخيراً إلى احتياطاته، لكنها لا تعزّز موقعه تجاه الأصول الاجنبية الصافية التي تقاس على أساس ما يحمله لبنان بكل أركانه (وزارة مال، مصرف لبنان، مصارف...) مقارنة بما عليه.
إلى ذلك، تستمرّ معاناة هذا النموذج. "منذ عام 2005 لم يقرّ مجلس النواب أي موازنة عامة. وكان لافتاً، أن الموازنات التي أقرها المجلس في فترة ما بعد الحرب الأهلية لم تكن ضمن المهل الدستورية، فيما الحسابات العائدة لهذه السنوات تحتاج إلى تعديلات أساسية... وقد توسّع الإنفاق على أساس تحويلات من الخزينة. السياسات لم تكن موجودة على أساس متوسط المدى".
ومن أبرز نتائج أداء النموذج في عام 2015، أن الفقر بلغ 27% خلال الفترة 2011/2012، علماً بأنه ما من إحصاءات عن الفترة التالية. معدلات الفقر الأعلى كانت في الشمال والبقاع، أما نسب تركّز الفقراء، فكانت في جبل لبنان… ويلفت البنك الدولي إلى أن "النازحين السوريين، نظراً إلى طبيعة وجودهم في لبنان، صاروا جزءاً من سوق العمل، وهم ناشطون اقتصادياً ما أدى إلى توسّع العرض في سوق العمل بنسبة 50%".
( الأخبار)