يقول الله تعالى في سورة هود 118 :"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين".خطاب الهي للنبي محمد( ص),مفاده أن يا محمد,لو شاء وأراد ربك
لأمر الناس جميعا بأن يؤمنوا برسالتك,وبكل ما جئتهم به,فآمنوا وتمت الدعوة وانتهى الامر,ولكن لله الخالق حكمة فيما يفعل ويأمر,وهو القائل في نفس السورة آية 119
"...ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك...",وأكد على ذلك بخطاب آخر موجه للمؤمنين اذ قال في سورة الرعد 31 "...أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا..."
وقال الله أيضا مخاطبا النبي(ص)في سورة البقرة 272 "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء..."أي ليس عليك هذا الامر,بل على الله والى الله,وقد خفف الله على رسوله
حيث قال له:"فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب."الرعد:40 ,"فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر."الغاشية 21 ,22 .الى غير ذلك من الآيات التي تدل على آليات الدعوة
والفرق بين وظيفة الخالق ووظيفة المخلوق,وأن الله هو الفعّال لما يريد,ولما يشاء,لعلمه وحكمته وعدله,وهو العادل في كل شيء.
هذه المقدمة محاولة منا لاستنطاق كتاب الله ,بما أنه يمثل الثابت من المفاهيم والاليات,والثابت من السلوكيات,اذ أنه يعتبر باقرار المسلمين جميعا,المصدر الاول لاضفاء الشرعية
القانونية والاخلاقية,والقيمية,على كثير من الممارسات الانسانية بشكل عام ,وخاصة الممارسات والسلوكيات في الاجتماع الاسلامي,حيث أن أي سلوك مع الذات أو مع الآخر
ينبغي أن يستمد من القرآن الشرعية,وينغي أن لا يتناقض مع الثابت الديني.
ان ما نراه ونعاصره من سلوك أصحاب الدعوة الدينية ,والارهاب الفكري الطاغي في سلوكياتهم ,وآلياتهم في العلاقة مع الآخر المختلف معهم دينيا وسياسيا ,لهو من أبرز
مظاهر التناقض الصريح والفاضح للثابت القرآني,حيث تراهم يحسنون الى من وافقهم سياسيا ولو اختلف معهم دينيا,ويسيؤون الى من خالفهم سياسيا ولو اتفق معهم دينيا
وهذا دليل واضح على أنهم ليسوا أصحاب دعوة دينية ,بل يستعملون الدين لأغراض سلطوية,اذ أنه لا ثابت ديني في سلوكياتهم,بل لا ثابت أخلاقي في أدبياتهم السياسية,
وليس هذا من أدبيات القرآن الكريم,وقد أشار لرفض هذه السلوكيات عند بعض المؤمنين بقوله عاتبا "يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون,كبر مقتا عند الله أن تقولوا
ما لا تفعلون."سورة الصف 2و3.
أما ما هو أخطر من ذلك,وأوضح في البينيّة بينهم وبين الأدبيات القرآنية المأمور بها كآليات في الدعوة الى الله,خلو سلوكياتهم من الرحمة والعاطفة والمحبة للانسان بما هو
انسان,اذ أنك لا تشعر بالحكمة والموعظة الحسنة,اذا اختلفت الآراء,وعجزوا عن اقناعك برأيهم,يمطرونك بوابل من الاتهامات,مع برق ورعد من مخزونهم الفكري المتلبّد
بغيوم الجهل والتعصب والتصلب,في مخالفة صريحة لآلية الدعوة القرآنية المعتمدة على الدفع بالاحسن,حيث يقول في القرآن:"ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي
هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم." سورة فصّلت 34 . الواضح في الأدبيات والاليات القرآنية للدعوة,الاهتمام بانسانية الانسان,أي النزعة الانسانية المفقودة في
آليات وأدبيات الدعاة ,وهذا الذي يزرع العداوة والبغضاء بدل الحميمية والمحبة,وبالتالي ضياع الغاية من الدعوة الدينية.....