حذرت ميليشيا عصائب أهل الحق، إحدى أقوى الميليشيات الشيعية في العراق وأكثرها نفوذا، رئيس الوزراء حيدر العبادي من وقف الحملة على مدينة الفلّوجة، وذلك في مظهر للضغوط الشديدة التي يتعرّض لها رئيس الحكومة الذي يتولّى أيضا منصب القائد العام للقوات المسلّحة بشأن المعركة وطريقة إدارتها.
وبعد أن أعلن العبادي بحماس عن إطلاق حملة كبرى لإنهاء سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلّوجة ثاني أكبر المعاقل الباقية للتنظيم في العراق بعد مدينة الموصل، بدا متردّدا بشأن مواصلة الحملة أو وقفها أو إبطائها بعد أن لاحت له صعوبتها خصوصا في ظلّ وجود أكثر من خمسين ألف مدني محاصرين في المدينة ومهددين بالهلاك في الاشتباكات الضارية.
ويبدو العبادي في ورطة محاصرا بين ضغوط جهات شريكة له في الحكم، أو ذات تأثير ونفوذ سياسي وعسكري خصوصا قادة الميليشيات الشيعية الذين يضغطون باتجاه مواصلة الحملة بغض النظر عما يترتب عنها من خسائر في الأرواح، وذلك لرغبتهم في تحقيق انتصار على داعش في الفلّوجة يرسّخ مكانتهم السياسية وموقع ميليشياتهم في معادلة الحرب بالعراق، وبين مقتضيات حماية المدنيين المهدّدين والذين أصبحت كل الأضواء المحلية والدولية مسلّطة على قضيتهم.
ويعني تعثّر الحملة العسكرية على الفلّوجة، أو سقوط عدد كبير من المدنيين بفعلها مزيدا من المتاعب السياسية للعبادي، الذي كان يأمل أن يجد في إطلاق الحرب على داعش بالمدينة متنفسا من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية المتفاقمة والتي بدأت تثير الشارع العراقي ضدّ الحكومة وضدّ نظام حكم الأحزاب الشيعية بشكل عام.
وتتمسّك الميليشيات بضرورة مواصلة الحملة على الفلّوجة وتسريعها بعد أن تمكّنت من القفز على الاعتراضات الكثيرة على مشاركتها فيها والتي أبدتها عدّة جهات ملوّحة بالخوف على المدنيين من عمليات انتقام طائفي على غرار أعمال مماثلة كانت قامت بها الميليشيات ذاتها ضدّ سكّان مناطق عراقية أخرى شاركت في استعادتها من سيطرة تنظيم داعش.
وتمثّل ميليشيا عصائب أهل الحق إحدى أشرس الميليشيات الموجودة على جبهة الفلوجة إلى جانب لواء أبوالفضل العباس وكتائب حزب الله وميليشيا بدر، إضافة إلى العشرات من الفصائل الشيعية المسلّحة الأخرى.
واتهمت العصائب الجمعة في بيان رئيس الوزراء العراقي بالرضوخ لإرادة بعض الدول التي تمارس ضغوطا كبيرة عليه لإيقاف معركة الفلوجة.
وقال جواد الطليباوي المتحدث باسم الميليشيا في ذات البيان إن “بعض الدول الداعمة لداعش تمارس ضغوطا كبيرة على رئيس الوزراء حيدر العبادي من أجل إيقاف معركة تحرير الفلوجة”.
وأضاف “رأينا في اليومين الماضيين جمودا في العمليات العسكرية، لذلك ندعو العبادي إلى عدم الرضوخ للضغوط الخارجية، وعليه أن يحترم إرادة أبناء الشعب العراقي الداعية إلى تحرير أرض العراق من الإرهابيين”.
وكان العبادي تراجع الأربعاء عن إعلانه في وقت سابق وقف الحملة على الفلّوجة بانتظار توفير حماية أفضل لسكانها، الأمر الذي فسّره مراقبون بتعرّضه لضغوط شديدة من قبل قادة الميليشيات الراغبين بالمضي في العملية بغض النظر عن مصير سكان الفلّوجة.
وقضية سكان المدينة الواقعين تحت الحصار المشدّد للقوات العراقية، والواقعين عمليا في أسر مقاتلي تنظيم داعش الذي يمنع مغادرتهم لأحيائهم حتى يبقي عليهم دروعا بشرية، حظيت باهتمام كبير تجاوز حدود البلد إلى الإقليم والعالم.
وفي الداخل العراقي حيث لا ينقطع الصراع بمختلف أبعاده الدينية والقومية والسياسية، أصبحت قضية سكان الفلّوجة موضع مزايدة لتبرئة الذمّة والتملّص من المسؤولية دون أن يطرح أحد أيّ إجراءات عملية ملموسة لحماية هؤلاء السكان الذين يعيشون منذ حوالي أكثر من سنتين مأساة حقيقية، بفعل نقص الغذاء والدواء والتعرض لعنف داعش وللقصف العشوائي لمدينتهم من الخارج من قبل القوات العراقية والميليشيات الشيعية.
ودعت المرجعية الشيعية العليا في العراق بزعامة علي السيستاني الجمعة جميع منتسبي القوات المسلحة والحشد الشعبي إلى حماية أرواح المدنيين وعدم التعرض لهم والمحافظة على أموالهم وممتلكاتهم في المعارك الجارية حاليا لاستعادة مدينة الفلوجة من سيطرة داعش.
وقال ممثل المرجعية عبدالمهدي الكربلائي أمام المصلين خلال خطبة صلاة الجمعة في الصحن الحسيني وسط كربلاء إن المرجعية الدينية توصي جميع أبناء القوات المسلحة والمتطوعين خيرا “بالنفوس فلا يجوز التعرض لها لأن في ذلك خطيئة، ولقتل النفس البريئة آثار خطرة”.
ومن جهته اتهم زعيم ائتلاف “متحدون للإصلاح” أسامة النجيفي، الجمعة، مجموعات مسلحة خارجة عن السيطرة، في إشارة إلى ميليشيات الحشد الشعبي، بارتكاب انتهاكات غير مقبولة وعمليات خطف وإعدام جماعي في معركة الفلوجة.
وتابع في بيان “ما ينضح عن أرض الواقع يشير إلى حدوث انتهاكات غير مقبولة ويشير إلى عمليات خطف وإعدام جماعي لا تقره الشرائع أو القوانين أو أخلاق ومعايير المعارك الوطنية الشريفة”.
العرب