أما وقد إنتهت الانتخابات البلدية والاختيارية في كافة المحافظات اللبنانية وعلى مدار أربع جولات. فإن نتائجها جاءت مخيبة لأمال كافة القوى السياسية والحزبية وحرمت أي طرف سياسي من الإدعاء بأنه خرج سالما دون جروح من آثارها. وهي لم تعطي الفرصة لأي فريق كي يكلل فوزه المهزوز بالمهرجانات واحتفالات النصر. إذ وقفت في كافة المناطق حالات اعتراضية في وجه الاحزاب والتيارات القابضة على مفاصل الحكم المتسلطة على رقاب البلاد والعباد تحت عنوان المحاصصة الطائفية والمذهبية والمناطقية. وبدت علامة الرفض بكلمة لا واضحة للعيان في وجه هذه الطغمة الحاكمة للأداء السيء لشؤون الناس ومشاكلهم وازماتهم التي تتراكم وتتزايد يوما بعد يوم.
فمع كل المال السياسي الذي تم إنفاقه على الماكينات الانتخابية ومع كل عمليات التزوير والتجاوزات التي رافقت هذه الإنتخابات ومع كل الخطابات التعبوية المشحونة بالإثارة والاحقاد وحتى مع طريقة المحادل التي تمت بها عملية تشكيل اللوائح. فإن أي من الأحزاب والتيارات من حزب الله إلى حركة امل إلى تيار المستقبل إلى الحزب التقدمي الاشتراكي إلى حزب الكتائب إلى حزب القوات اللبنانية إلى التيار الوطني الحر لم يستطع وحتى في البيئة الحاضنة لكل حزب أن يقول الأمر لي بعدما أفرزته صناديق الاقتراع إلى ما نسبته أقل بقليل من النصف لمصلحة اللوائح المنافسة التي جاءت لتقول كفاكم كذبا وخداعا ونفاقا. فلستم بعد اليوم خيار الشعب الذي تاجرتم به ومثلتم عليه دور الحامي والحريص على مصالحه عقودا من الزمن.
فالناس في هذا الاستحقاق جاءت إلى أقلام الاقتراع لتستعيد حريتها وكرامتها وارادتها المصادرة تحت عناوين الإنماء وشعارات التحرير. لا شك أن ملامح شرارات انتفاضة شعبية إصلاحية تغيرية بدت متصاعدة من صناديق الاقتراع بعد عشرات من السنوات العجاف عاشتها البلاد في ظلال النظام الطائفي الذي اوصلها إلى حافة الانهيار والفشل بعدما تسلقت قوى الأمر الواقع إلى مواقع القرار دون أن يكون لأي منها مشروع سياسي او برنامج تنموي يحد من معاناة المواطن. بل على العكس من ذلك فقد تحول البلد إلى اقطاعيات ومزارع وتفاقمت فيه الأزمات والمشاكل وراجت عمليات السرقة والنهب للمال العام من خلال الصفقات المشبوهة والفضائح المدوية مع غياب واضح للمحاسبة وتعطيل لمؤسسات التفتيش والمراقبة.
فأزمة النفايات لا زالت تنتظر حلولا تفضي إلى معالجتها بشكل جذري ونهائي لتجنيب المواطن اخطار الامراض والأوبئة الناتجة عن استفحالها رغم انه مضى أكثر من سنة على نشوء هذه المشكلة. وكذلك فضيحة الانترنت غير الشرعي فإن التحقيقات فيها لا زالت تدور في أروقة غرف القضاء. وأما السلاح المتفلت في أيدي العابثين بأمن البلد واستقراره وأجواء الرعب والإصابات التي يتسبب فيها اطلاق الرصاص والقذائف في كل مناسبة ومع كل إطلالة لأحدهم على الشاشة فالحديث فيها يطول.
ومع كل ذلك فإن الناس بالغت في صمتها على هذا الواقع المزري الناتج عن الأداء الفاسد للطبقة السياسية الحاكمة وبالغت في خوفها وبالغت في رضوخها والسكوت على ازلالها وهدر كرامتها. لكن مع هذه الإنتخابات البلدية فإنها بدت متحفزة لمحاسبة المسؤولين والانطلاق بمسيرة التغيير وقد خطت الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل........