تتالت فصول تداعيات الانتخابيات البلدية، وتجاوز المكاسب التي وفرتها هذه الانتخابات إلى نكء الجراح من جهة وبروز قوى سياسية جديدة، أو بإعادة النظر بتحالفات قائمة.
وفيما كان المناخ العام يوحي بإمكان الاستناد إلى نجاح التجربة البلدية وتوق اللبنانيين إلى استعادة روح الحياة السياسية والمدنية والديمقراطية التي تميز بها لبنان، إذا بنتائج هذه الانتخابات من الجنوب إلى الشمال وبعلبك وجبل لبنان، فضلاً عن العاصمة تكشف ما علق بالوضع اللبناني من اعراض واصابه من وهن وتحلل، في ضوء أزمة سياسية مفتوحة وانقسام وطني حول تدخل حزب الله في سوريا، وما ارتد عليه من هذا التدخل من أزمات مع دول الخليج، وما استدعى من عقوبات أميركية، ضاعفت المخاطر على الوضع الاقتصادي الهش، يضاف إلى كل ذلك المخاطر الأمنية سواء الناجمة عن السلاح المتفلت، أو الأوضاع غير المستقرة على الحدود الشرقية والشمالية.
وفي خضم الترقب لما يجري في ما خص أزمات المنطقة والمراجعات الجارية على هذا الصعيد، فضلاً عن إعادة وضع ملف القضية الفلسطينية على الطاولة، عادت الاستحقاقات اللبنانية إلى المربع الأوّل، واتجهت الأنظار إلى متابعة فصول التداعيات البلدية على مستوى الكتل والأحزاب والمحافظات، إضافة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية مع اقتراب شهر رمضان المبارك والخشية من ضربات توجهها «مجموعات مسلحة» للاستقرار اللبناني:
1- بات بحكم المؤكد بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، في ما خص ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، ومسارعة السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري باستغراب ما جاء على لسان الوزير المشنوق لبرنامج كلام النّاس مساء الخميس «واقحامه المملكة العربية السعودية في عدد من الملفات الداخلية»، ونفيه ان تكون المملكة «تدخلت في ملف سياسي مثل ملف رئاسة الجمهورية»، وتأكيد السفارة البريطانية في بيروت ان بريطانيا «لا تدعم أو تعارض أي مرشّح محدد لرئاسة الجمهورية»، ان ترشيح النائب فرنجية تراجع، وكذلك الحال بالنسبة لترشيح النائب ميشال عون.
وإذا كان الأمر على هذا النحو، فإن الأنظار عادت تتجه إلى إسقاط هاتين الورقتين، أو البحث ببدائل بصرف النظر عمّا إذا كانت في الخدمة الوظيفية او خارجها، أو من أي موقع سياسي آخر.
ولما كان، وفقاً لمصادر سياسية، حزب الله و«التيار الوطني الحر» ما يزالان يتمسكان بترشيح عون، فإن المراوحة سيّدة الموقف، وأن مرور سنتين لا يعنيان شيئاً بالنسبة للعاملين على تعطيل الاستحقاق الرئاسي.
ويؤكد مصدر متابع في هذا السياق ان يتطرق الرئيس سعد الحريري إلى الأوضاع المستجدة في سلسلة إفطارات يقيمها في «بيت الوسط»، بدءاً من الخميس 4 رمضان (9 حزيران) في بيت الوسط.
2- قانون الانتخاب: ثمة سؤال محير، ما الذي حدا بالرئيس نبيه برّي للعودة إلى مشروع قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المتمثل بتقسيم لبنان إلى 13 دائرة واعتماد النظام النسبي، مع العلم ان الرئيس برّي تقدّم باقتراح وسجل باسم أحد نوابه بضرورة اعتماد النظام المختلط مناصفة بين النسبي والاكثري.
ومع تزايد الرفض السياسي لانتخابات تجري على أساس قانون الستين، تلوح في الأفق مخاوف من أحد احتمالين: اما العودة إلى نظام التمديد بعد عام من الآن، أو عدم اجراء الانتخابات والدخول في المجهول؟!
وقال مصدر نيابي لـ«اللواء» ان شهر حزيران حاسم على هذا الصعيد، فجلسات اللجان النيابية ستتكثف بمعزل عن مصير مبادرة الرئيس برّي التي ما يزال هو ينتظر أجوبة الأحزاب والقوى السياسية عليها قبل التئام طاولة الحوار في 21 حزيران الحالي.
3- ليس امراً غريباً ان يعلن نائب في كتلة الكتائب ايلي ماروني ان «مرضاً بسيطاً» يصيب العلاقة بين حزبي الكتائب و«القوات اللبنانية» اللذين خرجا من رحم واحد، داعياً إلى الإسراع بمعالجة هذا المرض قبل ان يستفحل: إذ كشفت التحالفات البلدية بين «القوات» والتيار العوني عن محاولة لإلغاء الحزب الذي اضطر إلى المواجهة بتحالفات في غالبية المناطق اللبنانية، حفاظاً على وجوده.
4- وفي سياق التداعيات، وفيما يواجه حزب «القوات» أزمة صامتة مع «التيار الوطني الحر» وأزمة بلغت حدّ الطلاق مع مكونات حركة 14 آذار المسيحية، ولا سيما حزبي «الاحرار» والكتائب والوزير بطرس حرب فضلاً عن أزمة مع تيّار «المستقبل» حيث عمم رئيس الحزب سمير جعجع على نوابه وكوادره وقواعده الامتناع عن تبادل الحملات مع تيّار «المستقبل» لأي سبب كان.
5- ومن الممكن ان يكون تدخل الوزير السابق وئام وهّاب لمصلحة الإفراج عن بهيج أبو جمزة، محملاً القضاة مسؤولية ما يمكن ان يؤول إليه وضعه الصحي، لأهداف تتعلق بالافراج، لكن الأساس في هذه المطالبة تأتي في إطار التداعيات على الساحة اللبنانية، لا سيما مع النائب وليد جنبلاط والمتأثرة بنسب أقل بنتائج الانتخابات البلدية في الشوف وعاليه والمتن الأعلى.
6- اما على الساحة الشيعية فلم يتمكن «حزب الله» بعد من لملمة ذيول المعارك البلدية في الجنوب والبقاع، على الرغم من الليونة التي ابداها والتنازلات التي قدمها لحركة «امل» لتمرير الانتخابات البلدية بأقل الخسائر الممكنة، نظراً للتحديات التي يواجهها، سواء ممّا يصفه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بـ«خطر الإمارات التكفيرية في لبنان»، حيث اعتبر في كلمة له أمس، ان «الخطر انتهى» داعياً إلى الاستفادة من الاستقرار الحالي في لبنان والتقدم إلى الامام.
7- في ظل هذا التصدع السياسي، تتبلور في الأوساط السياسية والشمالية حالة اللواء اشرف ريفي الذي تمكن من كسب معركة انتخابات طرابلس، ليتحول إلى «نجم» سياسي صاعد محاولاً تأطير حركته الجديدة في تيّار أو حركة وبتوجهات سياسية لا تخرج عن خط الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو ثورة الأرز.
ومن بكركي، كشف ريفي أمس أن بداية التباين مع الرئيس سعد الحريري كان بسبب اعتماد خيار ترشيح النائب فرنجية وقضية ميشال سماحة، كاشفاً انه أبلغ جعجع رفضه تبني ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، معرباً عن استعداده لمحاورة «حزب الله» إذا ما عاد سلاحه إلى وجهته السابقة، مطالباً باعتماد خيارات تراعي رأي الجمهور السني ومطالبه حتى لا يتجه إلى التطرف، مطالباً الحريري وجعجع بالعودة الى التحالف وإسقاط ترشيح كل من عون وفرنجية.
وفي ردّ على ما جاء في كلام الوزير المشنوق أمس، وصف وزير العدل تبرير وزير الداخلية لترشيح فرنجية بأنه غير مقبول.
8 – والسؤال المشروع: ماذا أراد الوزير المشنوق من وراء المراجعة والمصارحة والمكاشفة التي قدمها عبر اطلالته التلفزيونية مع L.B.C امس الأوّل؟
من المفيد في معرض مقاربة الإجابة الانطلاق من الوقائع التي تلت كلام المشنوق:
– استأثر كلامه بأندية النقاش والتقييم في مختلف الأوساط.
– وجاءت مسارعة السفير السعودي والسفارة البريطانية وردة الفعل الفورية، لا سيما النفي لكل ما قاله ويتصل بترشيح فرنجية، لتعمّق التباينات في قراءة تصريحات المشنوق، فالبعض رأى في كلامه محاولة اعتراضية على ما يجري من ترتيبات لمرحلة ما بعد الانتخابات البلدية.
وكشف مصدر واسع الاطلاع أن كلام المشنوق لم يكن منسقاً مع الرئيس الحريري، وأن رئيس تيّار «المستقبل» ركز في اتصالاته على احتواء التداعيات السلبية.
ووصف مصدر دبلوماسي عربي لـ«اللواء» كلام المشنوق، بأنه «إساءة سياسية» في هذا التوقيت، وعملاً بقول المثل «أراد أن يكحلها فعماها»، وبالتالي لم يكن امراً ضرورياً لتبرير ترشيح فرنجية الخوض في ما حصل وسبق هذا الترشيح.
وتوقع مصدر نيابي أن يتم استيعاب الموقف، على أن يتضمن تقييم تيّار «المستقبل» المسائل السياسية والبلدية والإدارية التي سبقت الانتخابات وتلتها.
اما التغريدة الجنبلاطية فأعادت السجال مع المشنوق الذي لم يسجل له أي ردّ أمس، وقال جنبلاط في آخر تغريداته «اتركوا هذا الفارس العربي الكبير (الملك عبدالله بن عبدالعزيز) يرقد مرتاحاً بعيداً عن هذا النوع من الهذيان».
(اللواء)