بعد انتهاء لبنان من الاستحقاق الانتخابي البلدي وبالنظر إلى النتائج التي خرجت بها الإنتخابات البلدية في كل المناطق اللبنانية، فرضت الإنتخابات النيابية نفسها على الواقع اللبناني بقوة واتجه الحديث بسرعة إلى القانون الانتخابي الأفضل للإنتخابات النيابية.
لبنان يتنرح بقوانين انتخابية ثلاثة وهي القانون النسبي وقانون الستين والقانون الأرثوذوكسي، وحول هذه القوانين الثلاثة تتم المناقشات الحالية حيث من المقرر أن يتم إقرار أحد هذه القوانين لخوض الانتخابات النيابية القادمة .
قانون الستين :
قانون الستين الذي اقيمت الإنتخابات النيابية السابقة على أساسه وهو نسبة الى إقراره في العام 1960 واعتمد قانون الستين بعد اجراء بعض التعديلات عليه في عدة دورات انتخابية نيابية واعتمد القانون القضاء دائرة انتخابية لكن بشكل مغاير عن القانون الاساسي، حيث ان بيروت قسمت الى ثلاث دوائر، الأولى وتضم المزرعة، المصيطبة، رأس بيروت، دار المريسة وميناء الحصن والمرفأ، والثانية وتضم الباشورة، زقاق البلاط، الرميل، المدور والصيفي، والثالثة تضم الأشرفية. وفي الشمال كانت 7 دوائر هي طرابلس، عكار الضنية، بشري، زغرتا، الكورة والبترون، وجبل لبنان 6 دوائر هي الشوف، عاليه، بعبدا، المتن، كسروان وجبيل.
والجنوب 7 دوائر هي مدينة صيدا، الزهراني، صور، جزين، النبطية، بنت جبيل، ومرجيعيون- حاصبيا، والبقاع كالعادة 3 دوائر هي بعلبك- الهرمل، زحلة، والبقاع الغربي- راشيا.
ووفي الدورة الاخيرة التي أجريت عام 2009 عبر قانون الستين ايضا لكن مع 128 نائباً بدل 99 وهو يعتمد النظام الأكثري ويقسم الى الداوئر حسب الأقضية مع استثناءات، حيث قسمت بيروت الى ثلاث دوائر، الأولى هي الأشرفية، الرميل، المدور، الصيفي، المرفأ وميناء الحصن، الثانية هي الباشورة، زقاق البلاط ودار المريسة والثالثة هي رأس بيروت، المزرعة والمصيطبة.
وجبل لبنان الى ست دوائر هي جبيل، كسروان، المتن، بعبدا، عاليه، والشوف. والجنوب قسّم الى سبع دوائر هي صيدا، الزهراني، جزين، صور، مرجعيون وحاصبيا، النبطية، وبنت جبيل.
والشمال الى سبع دوائر هي طرابلس، المنية والضنية، الكورة، زغرتا، البترون، بشري، وعكار، والبقاع الى ثلاث دوائر هي بعلبك الهرمل، زحلة ، البقاع الغربي وراشيا.
وهذا القانون اعتمد في كل من انتخابات 1960 و1964 و1968 و1972 وهي آخر انتخابات قبل الحرب الأهلية والتمديد لهذا المجلس حتى العام 1992.
وقانون الستين بهذه الصيغة هو القانون المعمول به حاليا إلا في حال إقرار قانون جديد .
قانون النسبية :
الصيغ النسبية بشكل عام ، تهدف الى تمثيل كلّ حزب أو مجموعة سياسية بعدد مقاعد يوازي قوتها الانتخابية. اما فكرة التمثيل النسبي ، فقد ولدت في أوروبا بهدف حماية الأقليات. واعتمدت أولاً في دول تتميز بتنوع ديني أو عرقي أو لغوي مثل الدانمارك وسويسرا وبلجيكا وفنلنده.
وقد وردت هذه الفكرة لدى ارسطو وكوندورسي، وبشكل عام عند كل مفكري التيار الليبيرالي الذين يدعون الى وجوب أن يكون الجسم التمثيلي صورة مصغّرة (طبق الاصل ) عن الجسم الاجتماعي الممثّل. وبدأت المطالبة بتمثيل الأقليات، ثم بالتمثيل العادل فبالتمثيل النسبي في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وفي العام 1842 ميّز المفكر السويسري فيكتور كوسيديران، بين مبدأ الأكثرية الذي يجب أن يكون أساسًا لحق القرار، ومبدأ النسبية الذي يجب أن يكون أساسًا لحق التمثيل: "حق الأكثرية في القرار يفترض النسبية في التمثيل".
لكن لم تطبق هذه الطريقة إلا في النصف الثاني من ذلك القرن مع وزير المال الدانماركي اندرو كير الذي ادخل هذه الصيغة في الدستور عام 1855.
الخصائص العامة للصيغة النسبية من أبرز الخصائص العامة للصيغة النسبية: - تحقيق العدالة في التمثيل من خلال برلمان تتمثل فيه القوى السياسية كافة.
- وقد حققت هذه الصيغة رقمًا قياسيًا في بولندا عام 1991. حيث شارك في الانتخابات 65 حزبًا وفاز 29 منها بمقاعد لكن من دون أن ينال اي منها أكثر من 12,3% من المقاعد ..
- تغليب طابع التنافس بين المبادىء السياسية والبرامج على التنافس بين أشخاص، وابتعاد الاتخابات عن الاعتبارات والمصالح المحلية.
- الاستمرارية في تطبيق السياسات، إذ أنه غالبًا ما يعود حزب أو أكثر للمشاركة في البرلمان بعد الانتخابات الجديدة. بينما في حكومات الحزب الواحد يمكن أن يحصل تغيير جذري بفعل نتائج الانتخابات والتغيير الحكومي.
آلية تطبيق النظام النسبي :
إن آلالية المقترحة لنظام الإقتراع النسبي تلحظ في طياتها خصوصية الواقع الإنتخابي اللبناني لجهة تعقيداته المذهبية والمناطقية ،وتؤسس لمجتمع مدني يتولد عنه تكتلات سياسية وطنية ،تتنافس ديمقراطيا فيما بينها، دون ان يؤدي تنافسها للتنافر ،وزرع معضلات تتفشى وتغدو قنابل موقوتة مرشحة للإنفجار عند اول اختبار حقيقي كما تعودنا .
في الترشح والإقتراع يجري الترشح على أساس اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة ، علىان يجري اعتماد عدد معين من المرشحين من كل قضاء داخل اللائحة الواحدة .
( إذا كان اعتماد لبنان دائرة واحدة يثير حساسية سياسية او غير سياسية لطرف او اكثر من الاطراف فلا ضير في اعتماد المحافظة دائرة انتخابية ، وهذا لا يمنع من اعتماد النسبية في المحافظة كتمهيد وتحضير لإعتماد خيار لبنان دائرة انتخابية واحدة ) بموجب نظام التمثيل النسبي المطلوب اعتماده في انتخابات مجلس النواب ، تنال كل لائحة من اللوائح المتنافسة نسبة مئوية من المقاعد مساوية للنسبة المئوية التي تنالها من مجمل الاصوات التي نالتها على مستوىالدائرة الانتخابية الكبرى .
مثلاً : اذا كان مجموع الاصوات في الدائرة الكبرى مليون صوت ونالت لائحة مئة الف صوت اي عشرة بالمائة من مجمل اصوات المقترعين ، فان ذلك يؤهلها للفوز بعشرة بالمائة من مجمل مقاعد الدائرة الكبرى مع تدوير الكسور العليا على ان يكون نصاب الابعاد 10% ( نصاب الابعاد في المانيا هو 5%) .
(*) نصاب الابعاد هو الحد الادنى من مجمل عدد الاصوات التي يقتضي ان تنالها اللوائح المتنافسة كي يحق لها التمثل في البرلمان ، اي كي يحق لها المشاركة في توزيع المقاعد علىاللوائح المتنافسة وفق النسبة المئوية التي تنالها من مجموع اصوات المقترعين .
فاللائحة التي لا تنال هذا النصاب ، لا تنال اي مقعد.
فكل لائحة لا تحصل على نصاب الابعاد المحدد من مجمل أصوات الدائرة الكبرى ، تفقد –أي اللائحة- إمكانية التمثل بأي مقعد، وتعتبر الأصوات التي حصلت عليها كانها لم تكن.
وتعطى مقاعدها الى اللوائح المتجاوزة لهذا النصاب. ويكون الترشّح على أساس لائحة مسماة ومقفلة ( اي لا يحق للناخب في اللوائح المقفلة إضافة إسم مرشح من خارج اللائحة التي اختارها). وعلى الناخب ان يفاضل بين المرشحين على اللائحة المقفلة التي يختارها، ولكن حق المفاضلة يكون مقيداً بخمسة اصوات فقط، وهي أصوات " ترجيحية " موزعة على طائفتين إسلاميتين وطائفتين مسيحيتين وصوت آحر غيرمحدد، يمنحه- اي الناخب-لأي مرشح بمعزل عن الطائفة التي ينتمي اليها، مما يمنع الناخب ان يقترع لمرشح طائفته فقط، و يشجع المرشح على تبني خطاب سياسي وطني ويرتقي بالمستوى العام للآداء السياسي في لبنان .
:آلية الفرز النهائي
عملية الفرز هي احتساب المقاعد المستحقة لكل لائحة، وتحديد الفائزين من كل واحدة منها، وتتطلب عملية الفرز اعتماد الخطوات التالية:
أ –قسمة إجمالي أصوات المقترعين على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابيـــة بغية الحصول على معدل الأصوات للمقعد الواحد ( اي الحاصل الانتخابي ).
-انظر الجدول- ب - قسمـة مجمـل عدد الاصوات لكل لائحة على حدة، علىالحاصل الانتخابي ليصار الى تحديد نصيب اللائحة من مجمل المقاعد ( مع تدوير الكسور العليا) مثال تطبيقي: محافظة بيروت: (جدول رقم 1)
مخصص لمحافظة بيروت تسعة عشر مقعدا ، ومجمل الذين إقترعوا في المحافظة بلغ مئة وواحد وتلاثين الف مقتـــرع ، للحصـــول على معــدل اصوات المقعد الواحد ( الحاصل الإنتخابي )، نقوم بالعملية الحسابية التالية: 131000 ÷ 19 = 6894 (الحاصل الإنتخابي)
آلية تحديد عدد المقاعد المستحقة لكل لائحة: اللائحة مجمل اصواتها الحاصل الإنتخابي عدد المقاعد المسحقة لكل لائحة
"أ" 52700 ÷ 6894 = 8
"ب" 48300 ÷ 6894 = 7
"ج" 30000 ÷ 6894 = 4
آلية توزيع المقاعد على المرشحين المتفوقين (الأوائل) في اللوائح: تتم عملية المقارنة بين الاصوات التي نالها كل مرشح من مختلف اللوائح بحسب مقاعد الطائفة والقضاء اللذين ترشح عنهما لتحديد المتفوقين منهم (الاوائل ) وبعد جمع اصوات كل مرشح، يتم ترتيب المرشحين المتفوقين في كل لائحة ،على حدة وفق تسلسل عدد الاصوات التي نالها المرشحون المتفوقون من الاعلى الى الادنى، (ويحتسب التفوق على أساس المقاعد الطائفية والمناطقية التي ترشحوا عنها، كما هو معمول به في النظام الأكثري) .
تنطلق عملية توزيع المقاعد بدءاً باللائحة الاقوى اي التي قد يزيد عدد متفوقيها عن نصيبها المحدد من المقاعد ويتم منح المقاعد للمتفوقين ( الاوائل ) من اللائحة بدءاً من الاعلى الى الادنى وفق تراتب الاصوات حتى تستوفي اللائحة مقاعدها المحددة.
أما اللائحة التي يتبيَّن ان عدد متفوقيها أقل من نصيبها المستحق من جرَّاء عملية الفرز التي حصلت، فتمنح تلقائياً المقعد ( اوالمقاعد ) المتبقية .
واستناداً لما بيَّناها أعلاه من محاسن نظام الإقتراع النسبي، نقول بأن العمل بقانون انتخاب عصري وحديث ، كما هو معمول به في الدول الديمقراطية ، ساعد في تمكين المجتمع المدني ، الذي أنبثق منه النظام السياسي ، على الارتقاء الى اعلى المستويات في علاقاته ، بحيث أصبح الانسان يعي ويعنى بكل ما يحيط به و من حوله .
وما دام المجتمع المدني في لبنان محكوماًَ باعتبارات طائفية ومناطقية وسلطوية في سيرورته ، فإن نظام الاقتراع النسبي كفيل بالارتقاء به الى حيث يجب ان يكون في عالمنا المعاصر.
القانون الارثوذوكسي :
يعتمد مشروع قانون اللقاء الارثوذكسي الذي تبناه مسيحيو 8 و14 اذار توزيع المقاعد على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، بحيث ينتخب كل مذهب لائحة تضم نواب من مذهبه على مستوى كل لبنان، بمعنى ان تتشكل لوائح مذهبية تمثل جميع المناطق الانتخابية انما لمذهب واحد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فعلى الناخب الارثوذكسي ان يقترع للائحة مؤلفة من اربعة عشر مرشحا هو عدد المقاعد الارثوذكسية في البرلمان.
اي عليه اذا كان من مؤيدي التيار الوطني الحر وحلفائه ان ينتخب اللائحة التي تضم المرشحين الارثوذكس على مستوى كل لبنان. وعلى الناخب الذي يؤيد القوات اللبنانية وحلفاءها ان يختار مرشحيه ممن ضمن لائحة تضم المرشحين الارثوذكس. الامر ذاته ينسحب على اللائحة التي يشكلها المستقلون من الارثوذكس.
اما على مستوى الفرز، فيجري الفرز على اساس نسبي: اذا نالت اللائحة أ 60 في المئة من الاصوات تحصل على ستين في المئة من المقاعد. ويبقى الترشح والفرز والتمثيل على اساس المناطق وتوزيع المقاعد ضمن الاطار الذي حدده اتفاق الطائف على الشكل التالي :
*34 مقعدا مارونيا
*27 مقعدا سنيا
*27 مقعدا شيعيا
*14 مقعدا ارثوذكسيا
* ثمانية مقاعد كاثوليكية
* ثمانية مقاعد درزية
* 5 مقاعد للارمن الارثوذكس
* مقعدان علويان
* مقعد للارمن الكاثوليك
* مقعد للاقليات
*ومقعد واحد للانجيليين.
وعلى الرغم من ان مشروع اللقاء الارثوذكسي سيكون من بين القوانين الاخرى قيد البحث في اللجنة النيابية المصغرة، لكن هناك اقرار ضمني بصعوبة اقراره في الهيئة او حتى بصعوبة اقناع كل طرف مسيحي حلفاءه بتبنيه.