نعتهم نصر الله ب "شيعة السفارة"، لمعارضتهم سياسته لم يكن يعلم أن أولئك كانوا يشكلون أكثرية شيعية صامتة أثناءها، فترجموا مقولة "كلمة حق بوجه سلطان جائر" من خلال مواقف جريئة ضد سياسة حزب الله وممارساته، وآخر تلك المواقف بدت واضحة في صناديق الإقتراع في الجنوب، حيث استطاع المستقلون أن يكسروا قليلا" من حالة الإستئثار بالمناصب التي أوجدتها محادل ثنائية حزب الله - حركة أمل على مدى 18 عاما". في هذا السياق، كان لنا لقاء مع الكاتب الصحفي عماد قميحة، الذي تحدث لموقعنا عن دلالات الإنتخابات البلدية في الجنوب بعد خرق المستقلين للوائح أمل_حزب الله، وعن مقتل بدر الدين، وعن الأوضاع العربية لا سيما في سوريا والعراق، إضافة إلى الأوضاع الإقليمية.
إنتخابات الجنوب ودلالاتها: أصبح لدى الناس الجرأة لرفض هيمنة أمل_حزب الله على البلديات
"لا شك أن هذه الإنتخابات كانت مميزة عن إنتخابات عام 2010، حيث تلمَسنا ببساطة حالة الرفض، التي من الممكن ألا تكون نتيجة إمتعاض سياسي، والتي من الممكن أن تكون بسبب نفس المقدمات التي لطالما ترددها الأحزاب. على سبيل المثال، في قريتي كفر سير، هناك إعتراض على أداء البلدية، أما في كفر رمان هفناك خلفية سياسية، وفي بلديات أخرى هناك إعتراض على شخص رئيس البلدية، وهناك بلديات، خاصة شمال الليطاني، تعاني من الفساد وسرقة أراضي المشاع، ولكن نستطيع القول أنه في العام 2016 أصبح هناك جرأة عند الناس لتقول "لا" لأمل وحزب الله. الناس انتظرت الإستحقاق البلدي لتظهر حالتها الإعتراضية في صناديق الإقتراع. أنا أميل إلى تفسير ما حصل بأنه حالة جماهيرية وليس حالة حزبية. لقد تحدثت سابقا" عن "حزب لبنان الجديد" الذي يواجه ثنائية أمل_حزب الله، وما عنيته بحزب لبنان الجديد، المستقلين، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء المستقلون يعرفون بعضهم شخصيا، إلا أنهم حالة عامة، ويجمعهم سبب خفي، وهو حالة الرفض لهيمنة أمل_حزب الله على الطائفة. بنظري، هذه الحالة يبنى عليها في المستقبل. أيضا"، هناك مسألة أساسية يجب التطرق لها، وهي أن البلديات كانت بيد أمل_حزب الله لمدة 18 عاما"، ولم يكن هناك نهضة بحجم الأموال التي كانت ترد إلى البلديات، وبالتالي أفسحت الإنتخابات البلدية المجال أمام وجوه جديدة لإنماء الجنوب. كان أقرب إلى الخيال أن يترشح أشخاص بوجه أمل_حزب الله، وأن يدفعوا رسوم الترشح على نفقتهم الخاصة، وما حصل شيء جيد جدا، فقد أصبح هناك مقدرة للناس على قول "لا". هؤلاء المستقلون سيغيرون في سلم أولويات عملية الإنماء في الجنوب".
مصطفى بدر الدين: لا أعتقد أنه مات حقا" والحديث عن الرد هو مجرد مسرحية
هناك ضبابية حول مقتل بعض القادة في حزب الله كمغنية وبدر الدين. باعتقادي، حزب الله لا يذهب إلى التصفيات الداخلية، ولكن النظام السوري قد يفعلها ببساطة، وأنا أتحدث هنا عن عماد مغنية في هذا السياق، أما مصطفى بدر الدين، فأعتقد أن النظام السوري والمخابرات السورية أضعف من أن تدخل في مغامرات بهذا الحجم اليوم. من خلال مراقبتي لمشهد مقتل ذو الفقار، أرى أن هناك عدة فرضيات. قد يكون مات عن طريق الخطا، حيث يتواجد في مركز عسكري مليء بالذخيرة. برأيي، لا علاقة للإسرائيلين بمقتل بدر الدين. الإرباك الذي حصل في تضارب روايات حزب الله عن سبب مقتله برأيي ليس نتيجة عدم تحديد الحزب لكيفية مقتله، بل لحيرة حزب الله في مسألة لمن يوجه أصابع الإتهام، لأنه في حال اتهم الإسرائيلي، كان يتوجب عليه الرد سريعا" كما جرت العادة، وكما عوَد جمهوره. الرد الآن محرج جدا لغياب الغطاء الإقليمي بعد الإتفاق النووي، ولوجود مقاتلي حزب الله في سوريا، وبالتالي هو مستنزف في سوريا. لذلك، يتجنب حزب الله بقدر المستطاع إتهام الإسرائيلي وفتح جبهة الجنوب، والحديث عن جهوزية حزب الله في مواجهة الإسرائيلي عبارة عن مسرحية أو "فيلم تركي". الحديث عن استهداف بدر الدين من قبل "التكفيريين" غير منطقي أيضا"، فكيف لمجموعة "تكفيريين" أن ينالوا من شبح حزب الله الذي لم تستطع المحكمة الدولية الوصول إليه؟ والفصائل السلحة التي تستميت في تبني هكذا خبر، نفت قيامها بهذه العملية. روايات حزب الله لا تقنع أي مراقب عادي فكيف بالمراقبين العسكريين؟ من يعرف طبيعة مصطفى بدر الدين، الذي من الممكن أن يشهر السلاح في أصغر مشكل مع أصدقائه، يضع علامات إستفهام كبيرة حول مقتله. أنا أميل إلى سيناريو أنه "حي يرزق" بنسبة 80%، لأن ردة الفعل لم تكن بمستوى حجم بدر الدين عند حزب الله، فهو أهم من مغنية عند الحزب، وهو من صنع عماد مغنية، ويحكى أن نجم عماد مغنية لمع عنما سجن بدر الدين في الكويت. كانت ردة الفعل خجولة جدا". حتى نصر الله لم ينعه! انتظر أسبوع ليظهرعلى الشاشات ويتحدث عنه. حتى أن حزب الله لم يستهدف أي شخصية أمنية من قيادات الجماعات المسلحة. من يتحدث عن بدر الدين اليوم؟ وكأن المطلوب كان إعلان موته فقط لا غير. هناك حديث حتى عن أن مغنية لم يمت. لقد تحول حزب الله من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم فيما يخص المحكمة الدولية بحيث أعلن عن استشهاد بدر الدين، وأقام جنازة له، ليصرف نظر المحكمة الدولية عن شخص بدر الدين.
بعد مقتل بدر الدين، إعتبرت أن هذه المرحلة هي بداية مرحلة تراجع إنسحاب أو إعادة تموضع حزب الله في الحرب السورية، لأن بدر الدين هو أحد أصحاب القرار في دخول سوريا بموافقة إيرانية. استوقفني موقف نصر الله في أسبوع ذو الفقار، ومع هذا، لا نستطيع البناء على خطابه لأنه من الممكن أن يدخل ضمن البروباغاندا الإعلامية.
الصراع السعودي_الإيراني: أميركا هي المستفيد الأكبر من هذا الصراع وهناك تسوية كبرى
الصراع بين إيران من جهة، والسعودية والدول العربية من جهة أخرى هو في أقصى درجاته. للأسف، إيران تتعمد تأجيج النار. الدول التي تملك أنظمة خاوية غير ديمقراطية تحتاج دوما" لعدو. بتقديري، عند انتهاء الصراعين الإيراني_الأميركي والعربي_الإسرائيلي إمتدادا" للإتفاق النووي، اتجهت إيران للعمل على الموضوع العربي عموما" والسني خصوصا"، والدليل كلام نصر الله الأخير الذي قال بكل وضوح" "السعودية أشد عداء لنا من إسرائيل"، وقس على ذلك في العراق. الإيراني يتبع مبدأ فرق تسد، وبالتالي الساحات التي تريد إشعالها تشعلها عن سابق تصور وتصميم، والدليل على ذلك الفيديو الذي أظهر سليماني في الفلوجة، والذي تريد إيران أن تقول من خلاله للسنة أنها ستفعل الأفاعيل بهم. عدم حصول ردود فعل من الدول العربية، سيؤدي إلى تمدد إيران، وسيطرتها على عدد أكبر من الدول العربية، ولكن يجب التنويه إلى أنه قبل تولي الملك سلمان الحكم، كان هناك جزم أنه ليس هناك من مشروع عربي، ولكن بتقديري بعد موضوع اليمن استفاق العرب والسعوديون خاصة، ولكن لا أدري ما حجم استفاقتهم، ففي النهاية الأنظمة العربية محكومة بالسقف الأميركي، وأميركا هي المستفيد الأول من هذه الصراعات، وما رأيناه من قوة عسكرية عربية كرعد الشمال وغيرها، لم تنوجد لتواجه المشروع الإيراني بشكل مباشر، وليس مسموحا" أن ينتصر طرف على الآخر، بحيث تستطيع أميركا بيع السلاح للطرفين، ويصبح كل طرف بحاجة للأميركان، وبالتالي تمسك أميركا بزمام الأمور، وهي متحكمة فعلا" بقرارات كل المنطقة.
أزمة العراق: إيران تريد أن تدخل التسوية الكبرى وهي قوية من خلال السيطرة على بلاد الرافدين
أزمة العراق أزمة متشعبة، فهناك أزمة داخلية، وأزمة مع داعش، وأزمة الحروب التي حصلت، وأزمة الفساد والسرقات، وأتوقع أن تتوجه الأمور إلى تعقيد أكثر، وإلى المزيد من القتل، فالإيراني لا يستطيع حل الأزمة، والعرب قد سحبوا أيديهم من العراق، والأميركان لا يكترثون طالما أنهم يبيعون السلاح للأطراف المتقاتلة، ولم يظهر أفق للحل حتى اليوم. العراق اليوم كلبنان، واليمن، وسوريا، ساحة مفتوحة بانتظار التسوية الكبرى بين السعوديين والإيرانيين والأميركان، وإعادة هيكلة الأنظمة من جديد، بحيث يأخذ كل نظام حصته. عندما تم الحديث عن وقف إطلاق النار في اليمن، وعن حصول المفاوضات في الكويت، اعتبرت كمراقب أن ما يحدث هو بداية إرهاصات للتسوية الحقيقية التي ستحصل، ولكن من الواضح أن الإيرانيين لا يريدون الذهاب إلى التسوية وهم بموقع ضعف، ويريدون تحقيق نوع من التوازن، فهم لم يستطيعوا تحقيق إنجازات حقيقة في سوريا، بل استنزفوا هناك، وقد أخذ الروس دور الإيرانيين في سوريا، وفي لبنان الدولة مدمرة، ولم يستطع حزب الله الإتيان بالرئيس الذي يريده، وفي اليمن تراجع الحوثيون ميدانيا" بعد عاصفة الحزم، وبالتالي يريد الإيراني أن يحققق إنجازا" ما في الفلوجة، والقول للعالم بأنه إن كان الروس أصحاب القرار في سوريا، فنحن أصحاب القرار في العراق.
المصدر : Lebanon360