القراءة السريعة لنتائج انتخابات رئاستي مجلسي الخبراء والشورى في ايران، تؤشر الى عدم حصول تغيير رغم الانتخابات وفوز «التكليف الشعبي» على «التكليف الخامنئي»، وبذلك يمكن الذهاب بعيداً بأنه لا فائدة من الانتخابات سوى منح شهادة مزورة للديموقراطية للنظام الذي يتحكم به المرشد آية الله علي خامنئي بما يملك من صلاحيات مطلقة نتيجة لـ«ولايته المطلقة» منذ ربع قرن والتي تتجاوز كل ما عرف عن الديكتاتوريين العرب. ما يؤكد هذا الرأي المواقف المسبقة التي نمت وتمددت مع النزاعات والصدامات العربية - الايرانية منذ الحرب في سوريا.

لكن القراءة العميقة للنتائج، تؤكد ان مسار التغيير يتقدم ببطء وبعمق، في وقت يقف فيه كل النظام في الجمهورية الاسلامية امام مفترق طرق حساس ودقيق، وعبر قوى ترى انها تدير المواجهة في المربع الأخير بالنسبة اليها. اللافت للنظر ايضا ان كل حركة على رقعة الشطرنج الداخلية تتضمن رسالة أو أكثر يجب فكفكتها على قاعدة ان كل خطاب يتضمن خطابا آخر. من ذلك:

[ ان فوز آية الله احمد جنتي الطاعن في السن ( تسعون سنة وأكثر) والذي لم يعرف بفقهه او بدور متقدم في الثورة برئاسة المجلس حمل رسالة قاسية للمرشد خامنئي. هاشمي رفسنجاني امتنع عن الترشح وسمح لجنتي بالفوز علماً انه ضم الى لائحة الفائزين في طهران في اللحظة الاخيرة وحتى لا يتسبب سقوطه إسقاطاً للشرعية المهزوزة أصلاً لـ«مجلس صيانة الدستور«. الرسالة التي وجهت الى خامنئي عنوانها: فقدت قرار انتخاب المرشد القادم. لماذا؟ ينص الدستور على ان انتخاب المرشد يتم بأغلبية الثلثين اي عضواً من الأعضاء ، وفي حين ان جنتي حصل على صوتاً لاستكمال الرسالة فإن نائبي جنتي آيتي الله محمد كرماني وهاشمي شهروردي حصلا على صوتاً و صوتاً.

الى جانب ذلك ان الهيئة المشرفة على انتخاب المرشد تضم ثلاثة وهم: الرئيس حسن روحاني وآية الله صادق لاريجاني رئيس هيئة القضاء (شقيقه علي لاريجاني) وهاشمي رفسنجاني رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» وذلك كما ينص الدستور. وقد لوحظ انه عندما دخل رفسنجاني الى جلسة مجلس الخبراء فقد وقف كامل الأعضاء له عدا أربعة من أصل عضواً. اما القول ان خامنئي قد يلجأ الى تعيين خليفة (قائم مقام) له فان موازين القوى لا تسمح له، وإذا كان آية الله العظمى حسين منتظري ابعد فمن هو القادر حالياً؟ الآن وايران تحيي ذكرى وفاة الامام الخميني فان مراجعة عملية انتخاب خامنئي مرشداً للثورة برعاية كاملة من رفسنجاني تؤشر بقوة الى ما يمكن ان يحصل بعد اكثر من ربع قرن. اما إمكانية استعانة خامنئي بالحرس الثوري فان ذلك سينتج نهاية الجمهورية الاسلامية اضافة الى ان تركيبة الحرس المعقدة لا تقبل ولا تسمح بهكذا قرار. ومقدمة لكل ذلك فان الجنرال نقدي قائد الباسيج و»المذياع العسكري« للمرشد والمتشددين سيذهب الى التقاعد في الأيام القادمة.

[ فوز علي لاريجاني تم برعاية كاملة من الثنائي روحاني - رفسنجاني حتى لا يقع عداء مضر على موازين القوى بعد ان انضم لاريجاني الى لائحة «الأمل« مع الإصلاحيين. ايضا قراءة نتائج انتخابات مكتب المجلس تؤكد حجم التغيير في موازين القوى. انتخب كلٌّ من مسعود بزتشيكان بـ صوتاً وعلي مطهري صوتاً. الاول كان وزيراً للصحة في حكومة الرئيس محمد خاتمي وهو النائب الوحيد الذي تجرأ عام على الدفاع علناً عن أمير حسين موسوي ومهدي كروبي، اما الثاني فانه «النائب المشاغب» الذي تجرأ على المطالبة بفرض الضريبة ومراقبة مؤسسة خامنئي الضخمة وقد شجّ راْسه من متظاهرين، ولو لم يكن ابن آية الله مطهري لكان سقط ضحية ذلك.

أيضاً، وهو مهم، ان مكتب المجلس الذي يضم عضوا بالانتخاب قد توزع على النحو التالي: خمسة أعضاء لروحاني وخمسة لخاتمي يعني عشرة أعضاء، واثنان للاريجاني. وهذا مهم في إدارة اعمال المجلس لمصلحة روحاني وحكومته.

وبذلك يضمن روحاني الذي يثبت يوماً بعد يوم برأي الايرانيين انه «رجل دولة» حقيقي من ناحية تمرير كل مشاريعه وكسب مزيد من الشعبية.

عندما انتخب حسن روحاني قال له المرشد المتضائلة شعبيته والمعارض لانتخابه، «لن تحصل على ولاية ثانية كما جرت العادة، ستنتهي مع نهاية ولايتك». روحاني يكاد منذ الآن يضمن اعادة انتخابه لولاية ثانية...

 

أسعد حيدر: المستقبل