كالعادة لبنانيا، يأتي حدث فيطوي ما قبله. هذه المرة، الحدث أمني… ومن الشمال الذي لم «يهضم» بعد «قنبلة» أشرف ريفي الطرابلسية يوم الأحد الماضي.
الجيش اللبناني يرصد على مدى أسابيع خلية إرهابية لتنظيم «داعش» في بلدة خربة داود العكارية بقيادة خالد سعد الدين، وذلك في إطار جهد أمني متكامل شاركت فيه قوى الأمن الداخلي والأمن العام، ولم تغب عنه بصمات بعض الأجهزة الأمنية الغربية خصوصا «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي. آي. ايه).
حفل شهر أيار المنصرم لبنانيا باستحقاق بلدي واختياري راقبه الخارج وحظي باهتمام سياسي وشعبي محلي كبير. الشهر نفسه، كان يشهد من حول لبنان تطورات أمنية لا تخرج عن الإيقاع الإقليمي والدولي العام الذي فرضه حضور «داعش» على أرض المنطقة.
في موازاة الحراك السياسي المتصل بأزمات سوريا واليمن وليبيا والعراق، كان تنظيم «داعش» ومجموعات إرهابية أخرى يتلقون ضربة تلو الأخرى في أكثر من ساحة من هذه الساحات الملتهبة.
الضغط العسكري ترافق مع مضاعفة الجهود لتجفيف الموارد المالية والنفطية للتنظيم. بدا الجميع في سباق مع الوقت. لكن السؤال الذي كان يتردد في أكثر من دولة معنية بالحرب على الإرهاب: هل يملك تنظيم «داعش» القدرة على الرد ومتى وأين وكيف؟
الاستنفار الأمني الواسع في لبنان، شبيه إلى حد كبير بالاستنفار الأمني الشامل في أوروبا، خصوصا في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وثمة تقاطع في المعلومات حول نية «داعش» تنفيذ عمل أمني كبير في شهر رمضان المبارك، ولذلك، جرى إطلاق تحذيرات للرعايا الأميركيين في العديد من دول المنطقة وأوروبا.
هذا الاستنفار الاستباقي فعل فعله لبنانيا في مدينة صيدا قبل ثلاثة أسابيع، عندما تمكن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من إلقاء القبض على شبكة لـ «داعش» تأتمر بأوامر القيادي «أبو وليد السوري» الموجود في مدينة الرقة السورية، وتضم خمسة أشخاص على الأقل، يقودهم اللبناني (محمود أ. ع.) ومعه ثلاثة سوريين وشاب فلسطيني (بقي عضو واحد من الشبكة متواريا عن الأنظار).
ووفق المعلومات التي توافرت لـ«السفير»، فإن إلقاء القبض على اللبناني (محمود ع.) هو الذي أدى إلى تدحرج رؤوس باقي الشبكة، ليتبين أن لبنان كان أمام سيناريو يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن سيناريو تفجيرَي عين السكة في برج البراجنة، خصوصا أن المخطط واحد وهو «أبو الوليد السوري».
وقد تبين أنه تم تحضير انتحاريين مع أحزمة ناسفة كانوا ينوون تفجير أنفسهم «في أماكن للفسوق والفجور» على حد تعبير أحد الموقوفين، ليتبين أنه تم وضع ثلاثة أهداف سياحية في مناطق مسيحية في شرق العاصمة بيروت.
وتشير المعلومات إلى أن الجهد الذي بذلته القوى الأمنية اللبنانية، غداة تفجيرَي البرج، وقبلهما، أدى إلى توجيه ضربة قاسية على صعيد البنى التحتية التي كان «داعش» قد عمل عليها لمدة طويلة، ولم يقتصر الجهد على هذا التنظيم، بل تم تفكيك معظم مجموعات «كتائب عبدالله عزام» و «النصرة» في معظم المناطق اللبنانية (ندر أن يمر يوم منذ سنة حتى الآن إلا ويصدر بيان عن الجيش والأمن العام وقوى الأمن عن توقيف إرهابيين).
وتمكن الجيش أيضا من اصطياد عدد من القياديين في «داعش» و «النصرة» في منطقة جرود عرسال، وجميعهم من المتورطين بخطف أو قتل العسكريين أو تنفيذ أعمال ضد أهداف مدنية وعسكرية لبنانية.
في هذا السياق، ثبت لمخابرات الجيش، وبالدليل القاطع، تورط «خلية عكار» أو «مجموعة خالد سعد الدين» في اعتداء ضد دورية من «فرع المعلومات» الداخلي كانت تقوم بعملية مداهمة في منطقة عكار، ونجت وقتذاك بأعجوبة من كمين نصب لها حيث أصيب رتيب، وتعذر إلقاء القبض عليها، إلى أن بدأت ترد تقارير متلاحقة إلى الجيش والأجهزة الأمنية عن الوضع في بلدة خربة داود ومحيطها جراء ممارسات إحدى المجموعات الإرهابية، فكان القرار بالحسم.
وبعد اجتماعات تنسيقية استباقية مع قادة الأجهزة الأمنية، تولى مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن كميل ضاهر إدارة عملية التنفيذ التي قامت بها قوة خاصة من مخابرات الجيش اللبناني، وحددت «ساعة الصفر» عند الواحدة من فجر يوم الخميس (أمس)، وكانت التعليمات تقضي بإلقاء القبض على أفراد المجموعة الأربعة وهم أحياء، غير أن أمير المجموعة خالد محمد سعد الدين حاول الهرب وبادر إلى إطلاق النار باتجاه العسكريين الذين كانوا ينفذون المهمة، فردوا على مصدر النار، ليتبين أن أمير المجموعة قد قُتل، فيما تم إلقاء القبض على الثلاثة الآخرين وهم (ز. سعد الدين) و (س. سعد الدين) و (ج. سعد الدين وهو شقيق الجندي الفار عاطف سعد الدين الذي قُتل منذ شهرَين في بلدة دنكة الحدودية)، وجميعهم صادرة بحقهم مذكرات توقيف غيابية.
ووفق المعلومات، فإن هذه المجموعة الإرهابية التابعة لـ «داعش» كانت تجهز البنى التحتية والوسائل اللوجستية والمواد التي تستخدم في صنع المتفجرات وتفخيخ السيارات وتصنيع الأحزمة الناسفة، إضافة إلى محاولة تجنيد بعض شباب منطقة عكار، بعد التغرير بهم وتقديم إغراءات مالية لهم. كما تم العثور على مضبوطات صادرها الجيش من مخزن للذخيرة عُثر عليه ويضم قواذف صاروخية وقنابل وصواعق وأعتدة وأنواعا مختلفة من الرمانات اليدوية والقذائف الصاروخية، بالإضافة إلى حزام ناسف جاهز للتفجير وأجهزة إشعال ومنظار وكاتم للصوت وعدد من أجهزة الاتصال، ومعدات عسكرية مختلفة، حسب بيان مديرية التوجيه.
وبينت الاعترافات الإولية للموقوفين الثلاثة أن المجموعة الإرهابية كانت مكلفة بفرض موطئ قدم لـ «داعش» في منطقة عكار وتوسيعها تباعا وصولا إلى محاولة تأمين منفذ بحري على «المتوسط».
كما تبين أن هذه الخلية نفذت عمليات إرهابية استهدفت الجيش اللبناني في محلتَي البيرة والريحانية في قضاء عكار عبر كمائن تهاجم دوريات عسكرية، وكانت نتيجتها سقوط ثلاثة شهداء للجيش اللبناني وعدد من الجرحى.
ووفق مراجع لبنانية معنية، فإن حالة التأهب فرضت نفسها بسلسلة إجراءات أمنية مشددة تشهدها الضاحية الجنوبية منذ حوالي الأسبوع وسترتفع وتيرتها خلال شهر رمضان، كما تشمل الإجراءات الوقائية دوريات ومواقع ومواكب القوات الدولية المؤقتة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، فضلا عن رفع حالة الجهوزية إلى الدرجة القصوى، خصوصا في مطار رفيق الحريري الدولي والمرافئ البحرية والمعابر البرية الحدودية، وذلك بناء على نصائح غربية «لأن تنظيم «داعش» لن يتردد في ضرب أي ساحة يتمكن من النفاذ إليها عبر أية نقطة ضعف محتملة».
وتشير المراجع إلى أن قوات «اليونيفيل» تتخذ إجراءات احترازية، أبرزها عدم التنقل إلا عند الضرورة على خط الجنوب ـ بيروت ذهابا وإيابا (تفادي التنقل بسيارات تحمل علم أو إشارة الأمم المتحدة).
وأكدت المراجع نفسها على الثوابت التي يكررها قائد الجيش العماد جان قهوجي في كل مناسبة من أن «دماء شهداء الجيش لن تذهب هدرا وهي التي ستحمي لبنان وتصون الوطن وتحفظ الشعب والمؤسسات، وأن لا تفريط بدماء العسكريين الشهداء والقصاص سيقع بحق الإرهابيين الذين سوّلت لهم أنفسهم الاعتداء على الجيش اللبناني والشعب اللبناني».
وشددت المراجع على أن «الجيش اللبناني لن يهدأ في حربه ضد الإرهاب استعلاميا واستباقيا لأن القرار الحاسم والجازم والنهائي أنه لن يسمح لأي إرهابي بإيجاد موطئ قدم في لبنان، وهي رسالة واضحة لكل من يفكر المس بأمن هذا البلد وشعبه».
هل نرتقب حدثا أمنيا ما؟
الجواب العسكري والأمني اللبناني يلتقي عند كلمة واحدة: «نعم»
المشنوق: الخطر دائم
من جهته، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق للزميل مارسيل غانم في برنامج «كلام الناس»، مساء أمس، أن لا خطر أمنيا استثنائيا في شهر رمضان، ونفى المعلومات التي تحدثت عن انطلاق انتحاريي جبلة وطرطوس في سوريا من الأراضي اللبنانية.
وردا على سؤال عن وجود خطر أمني قال المشنوق: نحن في خطر دائم، لكنه نفى وجود أمر عمليات جديد لعناصر «داعش» لاستهداف لبنان، بل هو أمر عمليات دائم، وهم يسعون كل فترة لإنشاء خلية، فإما أن ينجح الأمن اللبناني باعتقالها قبل تنفيذ عمل إرهابي، أو بعده كما حصل بعد تفجيرَي البرج.
وأشاد بعملية الجيش اللبناني في عكار، وأكد أن لا شيء يحمي لبنان إلا قدرة الأجهزة الأمنية على متابعة الخلايا الإرهابية مسبقا. ورفض الخوض في طبيعة الأهداف التي كانت ستستهدفها ثلاث خلايا كان قد أعلن سابقا عن إلقاء القبض عليها، معتبرا أن هذه الخلايا لا تهتم عادة بالمراكز الدينية بل تسعى لاستهداف «حزب الله» والأجانب «وبالتالي نحن كنا أمام خلايا إلقي القبض عليها في بداياتها المبكرة، وهي كانت تُحَضِّر لعمليات ضد أي هدف يمكن الوصول إليه بسهولة»، معتبرا أن الحديث عن أهداف معينة «لا يقدم ولا يؤخر».
وأكد المشنوق أن العين الأمنية مفتوحة على مدار الساعة على مخيم عين الحلوة، لأن المخاوف هناك قائمة ودائمة. وجدد القول بوجود قرار إقليمي ودولي كبير بحماية لبنان. وأكد أن الإيرانيين والسعوديين متفقون على تحييد لبنان عن المواجهة الإقليمية المفتوحة بينهما في معظم ساحات المنطقة
(السفير)