عام بعد عام تتراجع مداخيل الكازينو ويخسر لبنان وهج وبريق مرفق حيوي كان منارة في هذا الشرق واحد اهم المعالم السياحية اللبنانية نتيجة الفساد والهدر وغياب الخطط التطويرية وتخبط مجلس الادارة، واللافت في هذا الاطار هو غياب "اللجنة العليا لمراقبة كازينو لبنان" التي تُطرح علامات إستفهام كبيرة حول عدم قيامها بدورها لناحية تطبيق بنود المرسوم الذي أنشأت على أساسه، حيث تظهر الوثائق التي حصل عليها "ليبانون ديبايت" مدى تقصير اللجنة في تنفيذ بنود المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية حمل الرقم 6239 صدر في 2001/09/03.

بداية، أنشأت اللجنة كـ "لجنة مراقبة" لأعمال الكازينو ومراقبة مجرى سيره وسير الإتفاقية المعقودة بين الكازينو كمؤسسة وبين الحكومة اللبنانية كدولة، حيث أعطيت اللجنة صلاحيات عالية، ففضلاً عن أعمال المراقبة لحسن سير العمل من إنتظام ومراقبة الخلل وتصحيحه، أنيط باللجنة إقتراح الحلول في حال تدهور أمور الكازينو وتقديم إقتراحات من شأنها رفع وتطور العمل وزيادة المداخيل والسهر على إنتظام الربح وخلق الحلول في حال بان خلل في هذا الأمر، كون مداخيل الكازينو تعتمد على هذه الأعمال التي يُدخل منها إلى خزينة الدولة 40% من إجمالي المداخيل حتى نهاية العام 2016 وترتفع النسبة الى 50% مع بداية عام 2017.

ويُبيّن عقد إستثمار نادي ألعاب القمار في المعاملتين الذي وقع في بيروت بتاريخ 1995/07/14 بين وزيري السياحة نقولا فتوش والمالية رفيق الحريري - كممثلين للدولة - وبين شركة كازينو لبنان ش.م.ل بشخص رئيسها حبيب لطيف، إطار عمل اللجنة وعلاقتها مع كازينو لبنان بصفته شركة. فقد ورد في المادة 18 من العقد أعلاه التالي: "يجب أن يكون للدولة لجنة خاصة للمراقبة، تتولى هي - أي الدولة - تعين جميع أعضائها ورئيساً لها وتبلغ الشركة علماً بهذا التعيين ويكون للدولة حق تعديل أو تبديل أعضاء اللجنة ورئيسها في أي وقت". 

وتضيف المادة نفسها: "يكون للشركة هيئة خاصة لتسيير الألعاب موضوع الترخيص.. ويجب على الشركة أن تصرح للجنة المراقبة عن أسماء مدير هذه الهيئة وأعضائها ومهنة وأقامة كل منهم وأن تودع لجنة المراقبة انموذجاً عن توقيع كل منهم ويكونوا مسؤولين عن كل مخالفة تحصل لأحكام القوانين الجزائية والأنظمة النافذة.. ولا يجور قطعاً لأي من أعضاء كل من الهيئة واللجنة أن يشتركوا في الألعاب".

ويرد في المادة 27 من العقد نفسه، تحديدات للإطار العملاني للجنة التي ينظم عملها ويحدده، ويرد حرفياً: "تكلف الدولة لجنة المراقبة مراقبة الألعاب موضوع الترخيص من الناحيتين الفنية والمالية بشكل مستمر طوال ساعات الاستثمار بطريقة المناوبة وتستعين اللجنة بمراقبين تكلفهم الدولة من بين موظفي وزارتي المالية والسياحية وعلى هؤلاء المراقبين صورة خاصة: 

(إقتباساً) "حفظ أوراق اللعب في مستودع خاص، وتسجيل على السجل الخاص تسليم الأوراق مع بيان التاريخ والساعة"، كما تفرض أحكام المادة المتضمنة 6 فقرات (أ إلى و)، أن "يتحقق بإستمرار من صلاحية جميع أوائل اللعب للاستعمال وأن يراقبوا حسن إستثمار الالعاب موضوع الترخيص وفقاً لنظام العقد .. وأن يتحققوا من صحة إستيفاء الايرادات وحسن جمعها .. وأن ينظموا بذلك بياناً يومياً وبكل ظرف محاضر خاصة توقع كل منها من مراقبين ماليين ومن ممثلي الشركة حيث تحفظ حميع المحاضر على نسختين اصليتين كذلك يحق للمراقبين الماليين المكلفين من قبل اللجنة الاطلاع في كل وقت على تلك الحسابات .. على ان تعطي الشركة لجنة المراقبة جميع الايضاحات التي تطلبها".

كذلك، يحكم مرسوم تشكيل اللجنة وفق المرسوم رقم 6239 الصادر في 2001/09/03، إطارها الإجتماعي، حيث ينص بشكلٍ واضع، على ضرورة إلتئامها "من خارج الدوام الرسمي مرة في الأسبوع على الأقل (المادة 3)" ويفرض ايضاً، عقد أربعة إجتماعات دورية في الشهر للتباحث في الأمور المنوطة بها.

هنا بيت القصيد، فالخروج القانوني عن المسار الموضوع يظهر في عدة نواحي لعل أهمها أسلوب إجتماعات اللجنة التي يتضح أنها تسير بعكس اشرعتها التي نظّمت حركتها، فتؤكد معلومات "ليبانون ديبايت"، إنفراط عقد الإجتماع لدى اللجنة التي إستبدلت مبدأ الإجتماعات الدورية المنصوص عنه في المادة الثالثة من المرسوم، ببدعة "المراسيم الجوّالة" التي تطير من مسؤول إلى مسؤول، كلٌ في مكتبه، حيث تصدر محاضر الإجتماعات دون إجتماعات ويتم توقيعها من قبل أعضاء اللجنة دون إجتماع على طريقة "المراسيم الجوّالة" التي شهدها عهد الرئيس أمين الجميّل!.

وبدل أن تكون للجنة إجتماعات يجري فيها تداول المقترحات الآهلة لتطوير المرفق والإطلاع رسمياً على بياناتها التي ترد من المراقبين والاشراف على مجرى عمل الكازينو ككل، تكشف وثائق "ليبانون ديبايت"، إبتعاد اللجنة كلياً عن ذلك ولجوئها إلى الإهتمام بالعمل، كلٌ في مكتبه، وهو ما يؤثر سلباً على إنتاجيتها وعلى إبتداع الحلول لتطوير عمل الكازينو الذي يشهد إنحداراً رهبياً في مستوى عمله التقني ومستوى الإيرادات الناتجة عنه، وما زاد الطين بلة، هو نفض اللجنة يديها من مسؤوليتها، عبر بيان صادر من قبلها، يوم الثلاثاء 19 نيسان 2016 المنصرم، حيث تقول ما هو جدير بالانتباه: ": "يهم اللجنة التوضيح أن صلاحياتها المحددة في الأنظمة والقوانين المرعية الاجراء تنحصر في مراقبة الالعاب موضوع الترخيص من الناحيتين الفنية والمالية طوال ساعات الاستثمار مباشرة او من خلال الموظفين المكلفين باعمال الرقابة".

ومما لا شكّ فيه، يتعارض البيان مع المواد الواردة في عقد الاستثمار الذي حدّد سياق عملها بعد تعيينها بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية، والذي أناط بها، ليس فقط موضوع المراقبة، بل "إيجاد سبل تطوير المرفق وحسن إستثمار الالعاب وصحة استيفاء الايرادات". البيان الذي أريد له إنقاذ اللجنة وإبعادها عن طاولة التساؤلات، في الحقيقة وضعها أكثر من ذي قبل تحت مجهر الاستجواب الشرعي والأسئلة الواجب الاجابة عنها إنطلاقاً من المسؤولية أمام الرأي، خاصةً مع حصول "ليبانون ديبايت" على محاضر إجتماعات، تظهر عدم وجود أي نية من أجل إيجاد حلول لحال التدهور الحاصل في هذا المرفق، وفق ما يجب على اللجنة فعله.

وتؤكد محاضر إجتماع خاصة باللجنة، معقودة (وفق ما يرد) في تواريخ بين 2013/05/16 و 2013/06/24 (6 محاضر)، من ضمن عشرات المحاضرة التي يحفظها "ليبانون ديبايت"، أن هناك خلالاً في نتائج الألعاب التي تؤكد المحاضر أن إيراداتها قد تدنت مقارنة بنتائج الفترة نفسها من العام 2012. المحاضر الست التي ظهر أنها تكرار لنفس البيان مراراً، لم تشر أبداً إلى حلول من أجل رفع إنتاجية الألعاب، على عكس احدى الغايات التي أنشأت اللجنة من أجلها، وهنا نعود إلى مواد العقد التي تحتم على اللجنة إبتداع السبل من أجل تطوير عمل الكازينو ومعالجة أي خطب خاصة في موضوع الايرادات، وهو أمر بان اللجنة أبعد ما تكون عنه!.

ما يرد يفتح الباب مجدداً أمام واحدة من مواضيع الفساد في كازينو لبنان – المرفق العام – الذي بات عبء على الدولة بدل أن يكون مساعداً لها، وعلى اللجنة الاجابة عن الأسئلة الواردة أعلاه.

 

ليبانون ديبايت