محيط الفلوجة (العراق) - بدأت العوائق والصعوبات تظهر تباعا في طريق الحملة العسكرية الكبرى الهادفة إلى انتزاع مدينة الفلّوجة العراقية من سيطرة تنظيم داعش، مسقطة التوقعات بحسم سريع ضدّ التنظيم، والتي شجّع على ترويجها التقدّم السلس الذي حقّقته القوات العراقية والميليشيات الشيعية في بداية الحملة ليتكشّف لاحقا أنّ ذلك التقدم تمّ في مناطق أخلاها داعش لأسباب تكتيكية تتصل بترتيب دفاعاته حول مركز المدينة.
واضطرت شراسة القتال التي أبداها مقاتلو التنظيم خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، دفاعا عن المدينة التي تعتبر آخر معاقلهم المهمة في العراق، القوات المهاجمة لوقف زحفها بعد أن كان رئيس الوزراء العراقي نفسه قد أعلن دخول الحملة مرحلة اقتحام الفلوجة.
وصرح الثلاثاء ضابط في الجيش العراقي بأن القوات العراقية أوقفت تقدمها من المحور الجنوبي لمدينة الفلوجة بسبب المقاومة الشديدة التي يبديها تنظيم داعش.
وقال العميد أحمد محمود لوكالة الأنباء الألمانية إنّ القوات العراقية أوقفت زحفها الثلاثاء باتجاه حي الشهداء من جهة النعيمية، وإن هذا التوقف يعود إلى القوة التي تبديها عناصر تنظيم داعش لمنع حصول توغل للقوات العراقية.
وأضاف أن داعش اعتمد في حركته على أنفاق طويلة يستطيع من خلالها المناورة والتحصن ومن ثم الخروج والمباغتة للقوات العراقية بتنفيذ عمليات تفجير انتحارية وبدعم من القناصة في استهداف القوات الأمنية عند تقدمها.
وذكر أن التنظيم جهّز في حي الشهداء بالمحور الجنوبي للفلوجة أكثر من 100 انتحاري لتفجير أنفسهم بين القيادات الأمنية والعسكرية انطلاقا من الأنفاق.
ويقول خبراء الشؤون العسكرية إنّ تنظيم داعش يخفي الكثير من وسائل دفاعه عن مدينة الفلّوجة، محذّرين من أنّ التنظيم لن يقاتل في المدينة وحدها ولكنه سيحرص على نقل المعركة وراء خطوط القوات المهاجمة وإلى العاصمة بغداد ذاتها من خلال تكثيف التفجيرات والعمليات الانتحارية.
ولإعاقة تقدّم القوات العراقية والميليشيات الشيعية نحو الفلّوجة عمد داعش إلى غمر بعض الأراضي بالمياه.
وقال قيادي بالحشد العشائري الموجود في جنوب الفلوجة إن عناصر داعش قاموا بإطلاق مياه الآبار والمشاريع الزراعية نحو منطقة البوسواري الواقعة بين جسر التفاحة وأماكن تواجد القطعات العسكرية وأطراف مدينة الشهداء جنوبي الفلوجة لإغراق المنطقة ومنع تقدم القطعات العسكرية.
ولا تمثل المياه بحدّ ذاتها عائقا لكنها تعسّر اكتشاف ما يمكن أن يكون تحتها من ألغام وعبوات ناسفة.
ويلفت الخبراء إلى أنّ عوائق حسم معركة الفلّوجة بالسرعة المطلوبة لا تتلخّص في شراسة دفاع التنظيم عن المدينة فقط، ولكنها تمتد إلى القوات المهاجمة ذاتها والتي لا تبدي تجانسا في القتال ولا في الأهداف.
ويشيرون بذلك إلى ما تحدّثت عنه مصادر من أرض المعركة بشأن خلافات شديدة بين بعض قادة القوات المسلّحة العراقية، وقادة الميليشيات الشيعية بشأن دور الأخيرة في الحملة على الفلّوجة.
وقالت المصادر إنّ قادة الحشد يرغبون في التقدّم باتجاه المدينة مخالفين التعهدات المعلنة بشأن عدم المشاركة في اقتحامها، بينما يتمسّك ضباط في الجيش والشرطة بتنفيذ ما قالوا إنها أوامر عليا بعدم السماح للحشد الشعبي بدخول مدينة الفلّوجة مخافة تنفيذ الميليشيات عمليات انتقام طائفي من السكان على خلفية اتهامهم باحتضان تنظيم داعش والتعاون معه.
ونقلت وكالة الأناضول عن ضابط عراقي قوله إن طيران التحالف الدولي قصف قوات الحشد الشعبي خلال محاولتها دخول مدينة الفلوجة.
وشرح الضابط الذي لم تورد الوكالة اسمه مكتفية بالقول إنّه برتبة رائد في شرطة الأنبار أن “قوات من الحشد الشعبي ومعها عربات تحمل راجمات صواريخ حاولت الدخول إلى محيط منطقة الشهداء لقصف المدينة، ما أدّى إلى مشادات كلامية بين الحشد وقوات مكافحة الإرهاب، تدخّل بعدها طيران التحالف الدولي وقصف ميليشيات الحشد لإجبارها على التراجع”، مشيرا إلى أنّ “القصف لم يوقع خسائر مادية أو بشرية بين صفوف الحشد، لكنه كان بالقرب من تلك القوات التي حاولت الدخول إلى الفلوجة، وهو إنذار لها بعدم الدخول إلى المدينة”. ويعتبر الفشل في حماية السكان المدنيين بحدّ ذاته من عوائق الحملة على الفلّوجة، حيث تأكّدت استحالة مغادرة من بقي من السكّان بعد إحكام تنظيم داعش الحصار عليهم لاتخاذهم دروعا بشرية.
ويمثّل العدد الضئيل للعائلات التي غادرت المدينة إلى حدّ الآن، خيبة أمل للمهتمين بالوضع الإنساني المأساوي في الفلّوجة، بعد أن بالغت الجهات الرسمية العراقية في الترويج لتوفير ممرات آمنة للسكان.
ولا ترغب حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي في حمام دم بالفلّوجة الذي سيكون بمثابة فضيحة جديدة لها أمام الرأي العام الدولي الذي ينظر إليها باعتبارها حكومة فاشلة وضعيفة كرّست أزمات البلاد بدل حلّها.
كما أنّ تعثّر الحملة العسكرية وتحوّلها إلى مستنقع سيكون بمثابة آخر مسمار في نعش الحكومة التي أرادت من إطلاق المعركة في هذا التوقيت بالذات، مهربا من مشكلاتها الداخلية، ومن مواجهتها مع المحتجين المصرّين على التمادي في التظاهر للمطالبة بالتغيير والإصلاح.
العرب