كشف عراقي هارب من مدينة الموصل في حديث لـ"عربي21"، كيف يدير تنظيم "داعش" شؤون المدينة البالغ عدد سكانها مليوني نسمة، بعدما فرض سيطرته عليها في حزيران 2014، عقب هروب عشرات الآلاف من قوات الأمن العراقية في مواجهات لم تدم سوى أسبوع واحد.
ويقول عبد الله يونس، وهو الاسم الذي فضل أن يطلقه على نفسه خوفا من ملاحقة التنظيم لأقاربه في الموصل، إن "سيطرة تنظيم الدولة على الموصل جاء في وقت كان فيه سكان المدينة ناقمين أشد النقمة على الأجهزة الأمنية بقيادة الفريق الركن مهدي الغراوي قائد عمليات المحافظة، بسبب ممارساتهم الطائفية ضد أهالي المحافظة ذات الغالبية السنية".
وبحسب رواية الشاب الموصلي ذي الـ25 عاماً، فإن "سكان المدينة فرحوا في بداية الأمر بدخول تنظيم الدولة إلى الموصل، ليس حبا في فكرهم المتطرف ولا بممارساتهم، وإنما لأجواء النقمة ضد القوات الأمنية التي ذكرتها آنفا، ولا سيما أن بعضا من مؤيدي التنظيم في المدينة وهم نسبة قليلة جدا، أشاعوا بين الناس أن المدينة ستعيش عصرا ذهبيا وفقا لتطبيق شرع الله".
ولكن سرعان ما تلاشت هذه الصورة التي حاول التنظيم رسمها في عقول أهالي المدينة، بعدما باشر التنظيم في تنفيذ إعدامات ميدانية بحق أبناء الموصل لأسباب عدة، ومعظمها بالإمكان أن نسميها "تافهة"، ومن قبيل أن الرجل يقتل لأنه تطاول على شخص خليفة التنظيم أبي بكر البغدادي، وفقا لرواية يونس.
القتل الميداني
وأشار إلى أن قتل الشباب رميا من بنايات مرتفعة في الموصل، أصبحت شائعة بشكل مخيف في المدينة، والتهمة واحدة، هي أن المقتولين كانوا يمارسون اللواط (الشذوذ الجنسي)، وهو ما شكل صدمة لدى سكان المدينة ليس فقط لفقدان أبنائهم، وإنما بسبب السمعة السيئة التي لحقت بذوي المقتولين.
ولكن يونس، يؤكد أن "تصاعد حالات الرفض بين الأهالي لحوادث القتل هذه، ولا سيما أن المجتمع الموصلي يعد مجتمعا متدينا، ومثل هذه الأفعال بعيدة كل البعد عن أبنائه، دفع بتنظيم الدولة إلى إنشاء (محكمة الدم) للتحري بشكل دقيق عن كل تهمة قبل تنفيذ الحكم بحق أحد، فقد بتنا لا نسمع مثل هذه الحوادث مرة أخرى".
وأما تهم "التواطؤ" (التعاون) مع القوات الأمنية، فإن تنظيم الدولة أصبح لا يعاقب عليها إلا بوجود دليل واضح كأن تكون مراسلات هاتفية أو عبر البريد الإلكتروني وغيرها من وسائل الاتصال، لأنها كانت تلحق به خسائر فادحة، ولا سيما في صفوف القادة منهم وكذلك لمخازن السلاح ومقراتهم الأمنية، فقد يتم استهدافها بشكل مباشر من طيران التحالف الدولي.
واللافت للموضوع، بحسب عبد الله يونس، أن التنظيم يتمكن من إخلاء معظم مقاره قبل قصفها بأيام ولا سيما المصارف منها، حيث إن التنظيم يبلغ الموظفين بعدم الدوام لأن هذا المكان سيتعرض للقصف، وفعلا فإنه بعد أيام يتم قصف المبنى، وبهذه الطريقة لا يعرف أحد كيف عرف التنظيم بأنها هذه المباني مستهدفة.
ثورة حرف "م"
وبعد رحلة هروب شاقة تنقل فيها "يونس" من مدينة الموصل إلى سوريا ومنها إلى تركيا ليستقر الأمر في اليونان، فقد تطرق إلى ظاهرة انتشرت بشكل سريع وباتت تثير فزع التنظيم، وهي أن مجهولين من أهالي المدينة يخطون على جدران البنايات حرف "م" بحجم كبير ويقصدون به عبارة "مقاومة".
وأكد يونس لـ"عربي21" أن حرف "م" لم تقتصر كتابته على منطقة أو حي بعينه، بل إنه انتشر في مناطق وأحياء كثيرة، لكن المثير أنه بات يكتب على جدران المنازل التي يقطنها عناصر التنظيم والتي هي في الأساس منازل لمهجرين ونازحين عن المدينة استولى عليها التنظيم وأسكن عناصره وعوائلهم فيها.. الأمر الذي بات مثيرا للغضب والقلق عند عناصر التنظيم.
ويشير "يونس" إلى أن التنظيم إذا وجد حرف "م" مكتوبا في أحد شوارع الأحياء، فإنه ينفذ حملة اعتقالات عشوائية واسعة تطال العشرات من أبناء الحي، سعياً منه للوصول إلى الفاعلين الذي باتوا يشكلون نوعا من أنواع المقاومة الرافضة لتواجده في المدينة، بحسب تعبيره.
غياهب "2070"
ينفذ تنظيم الدولة اعتقالات واسعة، وفقاً لوشايات يتلقاها التنظيم من عناصر (عيون) من أهل المدينة لا أحد يعرفهم، وإن من يتم اعتقالهم لا يتمكن أحد من معرفة مكان احتجازهم، وعند سؤال ذويهم عنهم يرد عليهم التنظيم: "ستجدونهم في 2070".. في إشارة إلى قوائم الإعدامات التي نفذها بحق 2070 من أبناء المدينة، حسبما ذكر الشاب الموصلي.
ويروي عبد الله يونس لـ"عربي21" قصة اعتقاله، حيث اعتقله تنظيم الدولة بسبب "وشاية كاذبة"، كونه مرتبطا بإحدى الجهات السياسية التي تسعى إلى إخراج التنظيم من الموصل، لافتا إلى أنه تعرض لتعذيب جسدي طيلة مدة اعتقاله التي استمرت لأسبوعين وسط اتهامات له بالردة عن الإسلام، لكنهم أفرجوا عنه بعدما ثبت عدم ارتباطه بأي جهة.
ووفقا لرواية يونس، فإن التنظيم لا يخبر أي أحد من ذوي المعتقلين عن مكان الاحتجاز، وعندما تنفذ الإعدامات فإنه يبلغ ذوي المعدومين، لاستلام جثث ذويهم من دائرة الطب الشرعي في الموصل.
جنسيات "الدواعش"
ويؤكد عبد الله يونس، أن معظم الذين انتقلوا للعيش في مدينة الموصل من عناصر داعش (تنظيم الدولة) على ما يبدو هم من أصول أوروبية، وهذا ما يدل عليه لون بشرتهم البيضاء وشعرهم الأشقر وعيونهم الملونة، لافتا إلى أنهم في بادئ الأمر كانوا لا ينطقون العربية ويستخدمون الإشارات، لكنهم الآن يتحدثون الفصحى قليلا.
ولا ينفي يونس، وجود عناصر في صفوف التنظيم من أبناء مدينة الموصل، لكنه يؤكد أنهم بنسب ليست كالتي تضخمها وسائل الإعلام المحلية، ولا سيما الحكومية منها، كما أنه يؤكد وجود مقاتلين عرب مع عوائلهم يسكنون في بيوت العوائل الموصلية التي نزحت من المدينة من مختلف الطوائف والديانات، وحتى من أهل السنة.
وبحسب الشاب الموصلي، فإن تنظيم داعش يؤجر لعناصره المنازل التي يسكنونها ولا يهبها لهم مجاناً، ويعرض السيارات المصادرة في مزادات علنية بأسعار ضئيلة جدا لا تتعدى المائتي دولار فقط، إذ إن الإقبال على شرائها ضعيف جدا، لأن أهل المدينة يعتبرونها أموالا مغتصبة ولا يجوز شراؤها.
يذكر أن العقيد كريستوفر كارفر المتحدث باسم قيادة قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، قال في 4 آذار من العام الجاري، إن 30 ألفا من القوات العراقية، يخططون للهجوم على مدينة الموصل، شمال العراق، "بغرض استردادها من التنظيم الإرهابي".
(عربي 21)