رمضان هو شهر الزيادة في العبادات والطاعات والصلوات والأدعية، وتزداد فيه صلوات التراويح والنوافل والأذكار..
ومن ناحية أخرى زيادة في الأسعار والمأكولات واللحوم والفاكهة والخضار حتى "الفجلة"، وبين الضجيجين زيادة في الإسراف والتبذير والفوضى والضجيج والقلق والمخالفات والصراخ والإزدحام،والدنيا زحمة بشر، فكيف في رمضان..
لا تقلق كل ما في الأمر إنه رمضان، مع أنَّ الحكمة منه هي أن يردع الصائم نفسه عن إستغلال الناس وإستثمارهم، والتعدي على طعامهم وشرابهم،ويدرك بأن لا يجعل أنانيته وأهوائه بالتلاعب على مقدرات الناس في الغش والكذب والتدليس، وهذا من أخطر ما نعيشه في المجتمع الإسلامي..
وإلاَّ كما تساءل "سعيد ناشيد" لماذا لا تريد"فوائد الصوم" التي يتغنى بها الجميع أن تتجلى إلاَّ على نحو مخيب للظنون والآمال؟
فالأطباء "الثقات" الذين يخبرون الناس في بداية شهر الغفران عن الفوائد الصحية للصوم،لا تلبث عياداتهم أن تمتلئ بعد الإفطار وفي آخر الشهر بالمصابين بأمراض الجهاز الهضمي وما شابه، أو الوعاظ والدعاة الذين يحرضون المستعمعين على الفوائد النفسية والخلُقية للصوم،هم أول من يشتكي من كثرة تثاؤب وقلَّة أدب من الصائمين المتدينين، وعلماء النفس والإجتماع "المتدينون"الذين يكتبون عن الفوائد الإجتماعية للصوم، هم أول من يقف حائراً أمام تفشَّي مظاهر العنف الإجتماعي خلال هذا الشهر الكريم.. ويضيف في كتابه"قلق في العقيدة" هل ثمة فوائد خفية لشهر الصيام أم أننا فقط نبحث عن القط الأسود في الغرفة السوداء؟
يقول: في جولته في المغرب "فاس" أهل فاس مهذبون، طيبون ومسالمون،لكنك في رمضان لا تكاد تمر بشارع إلا يصادفك مشهد من مشاهد العراك الدموي والتلاسن الحاد،ولا يندر أن ترى مشاجرة طويلة لا تنفض إلا بصوت آذان وجبة الفطور، وفي الليل قد تصادف نفس الأشخاص متأبطين سجاداتهم مهرولين إلى صلوات التروايح التي تملأ المساجد والشوارع المجاورة"..
أليست هذه المشاهد نراها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ أليست الصلاة يمكن إتيانها في أي مكان ولو على ظهر بعير؟ في الإسلام لا يوجد قداسة للأرض التي يبنى عليها المسجد،ولا قداسة لمن يؤم الصلاة، أليس الصائم المسلم من سلم الناس من يده ولسانه؟ كيف يكون المسلم الصائم المصلي مخيفاً ومرعباً ؟وهل حكامنا اليوم يصلون ويصومون؟ لا ندري..!
هل يتذكرون الفقراء والمحتاجين والمعذبين والمهجرين من بيوتهم،لكي يتصدقوا عليهم بالرغيف، أو يمنعوا سفك الدماء بين المسلمين؟
إذا كانت هذه هي فوائد شهر الغفران، لوجب الصوم عليهم دون الجياع من المشردين والفقراء،الذين إنتخبوهم وجعلوهم أمناء وحكَّام،وإذا كانوا يريدون أن يبحثوا عن الأجر فأبسط حقوق المساكين الذين يُطلق عليهم "الشعب" ولإكتمال شروط الأجر أن يوقفوا سفك الدماء والتهجير،وأن يعطوهم حقوقهم دون مكرمة منهم،أو مِنَّة..
ولكن المراقب لأبسط دعوة إفطارية يقيمها حاكم أو زعيم أو مسؤول أو جميعة بإسم "فقراء الله" كما يسمونها،سنرى بأنَّ فضلات مائدة واحدة تكفي لسدِّ جوع أحياء وحارات ومناطق وقرى من فقراء الناس..إنه شهر رمضان فهو كريم على الشعب "المعتَّر" والمسكين....رمضان كريم..