يُلاحظ الزائر للعاصمة السعودية هذه الأيام، أن الرياض تحرّرت من أجواء الحذر والقلق التي عاشتها في أعقاب دخول المملكة مرحلة المواجهة ضد التمدّد الإيراني في المنطقة، والإعلان عن «عاصفة الحزم» في اليمن، وما تلاها من تشكيل تحالفات، بلغت ذروتها في الحلف العسكري الذي ضم قوات من أكثر من ثلاثين دولة في مناورات «رعد الشمال» الضخمة في منطقة حفر الباطن.
ثمة من يعتبر في الرياض، أن المملكة استوعبت «صدمة» الحرب في اليمن خلال فترة قياسية، ساعدت على التعامل بسهولة مع النقلة النوعية الكبيرة التي حققتها قيادة الملك سلمان، في الأشهر الأولى لتولي المسؤولية الوطنية في ظروف بالغة الدقة والتعقيد.
ويربط محدّثي، وهو من جيل الوزراء والأكاديميين المخضرمين، بين العودة السريعة للإيقاع المعيشي والاقتصادي في الرياض خاصة، وفي المملكة عامة، إلى سرعة تحرّك القيادة لتأمين متطلبات المواجهة في المرحلتين الحالية والمقبلة، ومحاكاة طموح الشباب والأجيال الجديدة عبر رؤية 2030، التي عمل عليها الأمير محمد بن سلمان منذ الأسابيع الأولى لتوليه مهام ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
ويشدّد محدثي على أن مرحلة المهادنة والمساكنة مع الأخطار التي تعصف بالإقليم، وتهدد أمن المملكة، وأمن دول مجلس التعاون، قد انتهت إلى غير رجعة، وأن المنطقة تشهد سياسة سعودية جريئة وواقعية في آن، حيث لا رومانسية ولا تطرّف، بل حزم وإقدام بشجاعة، لا تنقصها الحكمة.
وبدأت معالم السياسة الجديدة للمملكة تظهر في المعالجة والتصدي لأهم الملفات والقضايا التي تشغل المنطقة منذ فترة، والتي يمكن التوقف عند أبرزها عبر النقاط التالية:
أولاً: الإرهاب: لقد ذهبت القيادة السعودية بعيداً في المشاركة في الحرب ضد الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، التي تتاجر بشعارات الدين الحنيف ظلماً وعدواناً. فأعلنت عن مشاركة طيرانها مع التحالف الدولي في قصف قواعد داعش، ثم بادرت إلى إرسال قوات برية وجوية إلى القواعد التركية المجاورة للحدود السورية، استعداداً للمساهمة بالحملة البرية، في إطار التحالف الدولي إياه، والأجهزة الأمنية السعودية على تعاون كامل مع أجهزة الدول التي تشارك في الحرب ضد الإرهاب.
والمملكة في طليعة الدول التي تعرّضت للهجمات الإرهابية، منذ أوائل الثمانينات، وما زالت مكافحة الخلايا الإرهابية وملاحقة عناصرها، تحتل الأولوية في الخطط الأمنية، حيث يتم الإعلان عن القبض على العناصر المضللة تباعاً.
ثانياً: الأمن: تولي القيادة السعودية ملف الأمن اهتماماً مضاعفاً، لقطع الطريق على الخطط الخارجية في إحداث أي اختراق للوضع الأمني، والتلاعب من خلاله بأمن المجتمع السعودي، وتعريض استقرار المملكة لأي اهتزاز مفاجئ، ولم يعد مفهوم العمل الأمني يقتصر على تدابير واحتياطات داخل الأراضي السعودية وحسب، بل أصبح في استراتيجيته الجديدة يعتمد المواجهة الوقائية، ومباغتة مصدر التهديد الأمني في عقر داره، وقبل ولوجه إلى الداخل السعودي، ولعل هذا ما حصل في التعامل مع الخطر الحوثي في اليمن، والانقلاب الأسود للحوثيين على السلطة الشرعية وسيطرتهم على المواقع الرسمية في صنعاء.
وثمة من يقول بأن أحد أهم أهداف عاصفة الحزم في اليمن، هو حماية أمن المملكة، ومنع النفوذ الإيراني من التغلغل في اليمن، والتسلل لاحقاً إلى المناطق الحدودية السعودية. ولا بد من الإشارة في هذا الإطار، إلى أن الرياض تعتبر أي تمدد للنفوذ الإيراني في أي بلد عربي، وخاصة في سوريا والعراق ولبنان، يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، وتحدياً لا يقل خطورة للأمن الوطني السعودي.
ثالثاً: الاقتصاد: استطاعت القيادة السعودية، عبر صياغة «رؤية 2030» أن توازن بين متطلبات مسيرة النمو والتقدم، والتطوير والتحديث، وتأمين احتياجات الدفاع عن أمن المملكة والحفاظ على عروبة المنطقة، على قاعدة «يد تبني ويد تدافع»، الأمر الذي ساهم وإلى حد كبير في استعادة النشاط الاقتصادي إلى سابق مستوياته، بعد فترة وجيزة من الترقب، بانتظار بلورة توجهات المرحلة الجديدة، التي حددت معالمها بالتفصيل خطط الرؤية المستقبلية حتى عام 2030.
وعلى ضوء أولويات الرؤية الجديدة تمت إعادة هيكلة المشاريع الإنمائية الكبيرة، وصدرت التوجيهات الملكية في استمرار تنفيذ المشاريع الحيوية، مثل مشروع قطار الأنفاق في الرياض، وغيره كثير في المناطق الأخرى، وانتظمت عمليات السداد من الوزارات ومؤسسات القطاع العام إلى المؤسسات المعنية في القطاع الخاص، وشركات المقاولات المستمرة في تنفيذ تعهداتها.
ويختم محدثي كلامه بنظرة سريعة عن المستقبل القريب: دعني أقول لك أن المملكة تجدّد شبابها، وتطوّر مؤسساتها وتحدّث أجهزتها، عبر ورشة غير مُعلَنة بعد، تُعنى بإنشاء مراكز أبحاث، ومؤسسات دراسات، تعتمد على خبرات واختصاصات شبابنا المتخرّج من أهم الجامعات العالمية، هدفها الأساس التخطيط للمستقبل، والعمل على وضع برامج تعليمية وتثقيفية في المدارس والجامعات، والاهتمام بكل ما يُؤمّن الأمن والاستقرار، والرفاهية والسعادة للمواطن السعودي.