الهجوم الذي شنّه تنظيم "داعش" على ريف حلب الشمالي لا يستهدف خصومه من "الصحوات" و"الفصائل المفحوصة" كما يسميها، بل هو محاولة لإعادة التوازن من وجهة نظره إلى المشهد العسكري في الشمال السوري، الذي اختلّ نتيجة زحف الأعلام الصفراء نحو عاصمته السورية.
ويحمل الهجوم رسالة واضحة مفادها أن هناك معادلة جديدة ستحكم المنطقة، وهي "إعزاز مقابل تهديد الرقة" بما تنطوي عليه هذه المعادلة من عناصر تفجيرية قد تؤدي إلى إشعال الريف الحلبي لوقت طويل.
ومع فجر اليوم الرابع من الحملة الكردية على ريف الرقة الشمالي، شنّ "داعش" عملية عسكرية واسعة ومباغتة على البلدات والقرى الواقعة على الخط بين مدينتي إعزاز ومارع، تمكن خلالها من السيطرة على معظم هذه القرى وسط انهيارات سريعة في صفوف خصومه من مسلحي الفصائل، التي يتلقى بعضها دعماً أميركياً. وما زاد من حالة الانهيار أن جزءاً من الهجوم قامت به خلايا نائمة من داخل القرى نفسها.
وبالنتيجة، فقد أتاحت سيطرة التنظيم على قريتي كلجبرين وكفركلبين استكمال تطويق مدينة مارع من ثلاث جهات، وعزلها عن محيطها باستثناء صندف شمالاً وشيخ عيسى غرباً. بينما وضعته السيطرة على قرية ندة على أقرب نقطة من مدينة إعزاز تطأها قدماه منذ حوالي سنتين. أما السيطرة على نيارة وطاطية فقد جعلته في محاذاة قرية السلامة ذات المعبر الحدودي المعروف.
وقال "داعش"، في بيان، إنه سيطر على هذه القرى "بعد اشتباكات خفيفة أسر خلالها 10 مرتدين وقتل أكثر من 33 آخرين". وأشار إلى اغتنامه "آليات بعضها مزودة بأسلحة أميركية".
ومن النتائج المهمة التي ترتبت على هذا التقدم هو أن مسلحي "داعش" حازوا نقطة تماس جديدة مع "قوات سوريا الديموقراطية" تمثلت بقرية عين دقنة التي باتت تفصلهم عن التقدم نحو منغ ومطارها الشهير، وذلك بالإضافة إلى نقطة التماس القديمة المتمثلة بالخط الفاصل بين حربل واحرص، والتي لم تشهد سابقاً أي مناوشات بين الطرفين. وقد دفعت هذه التطورات "وحدات حماية الشعب" الكردية إلى إغلاق كل الطرق التي تصل بين إعزاز وعفرين ومنع حركة المرور بين الجهتين.
وكان من اللافت أن طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، غابت عن الأجواء في ليلة الهجوم، ولم تشارك في وقف تقدم التنظيم على جري عادتها في بعض الاشتباكات السابقة، من دون أن يكون واضحاً هل السبب هو التقاعس أم أن عنصر المباغتة فاجأها هي أيضاً؟ وقد أدّى هجوم "داعش" إلى موجة نزوح واسعة من القرى التي طالتها الاشتباكات نحو مدينة إعزاز، التي أشارت منظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن "حوالي 100 ألف نازح باتوا عالقين بين مدينة إعزاز والحدود التركية نتيجة المعارك التي لا تبعد سوى 3 كيلومترات عن إعزاز". كما أكدت مصادر ميدانية أن المئات من سكان القرى ما زالوا محاصرين في منازلهم، ولم يستطيعوا الفرار بسبب الاشتباكات واندلاعها ليلاً.
وحاولت الفصائل المسلحة، بدعم من المدفعية التركية، شن هجوم معاكس لفك الحصار عن مدينة مارع وإبعاد "داعش" عن مدينة إعزاز، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، خصوصاً بعد تفجير التنظيم سيارة مفخخة بالمهاجمين على محور كفركلبين. وقد أقر أبو عمر، القيادي في "جيش أحرار الشرقية"، في حديث متلفز بوجود تنسيق مباشر بين "جيشه" والجيش التركي لوقف تقدم "داعش".
وكما هو معلوم، فإن واشنطن وأنقرة سعتا خلال الأسابيع الماضية إلى التنسيق مع بعض الفصائل لدحر تنظيم "داعش" من الشريط الحدودي، وتسليمه لهذه الفصائل التي باتت تعرف باسم "الفصائل المنتقاة" أو "المفحوصة"، في إشارة إلى أنها تعرضت لفحص من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية ونالت ثقتها.
في غضون ذلك، وفي خطوة هي الأولى من نوعها بهذا الشكل، أقدمت وحدات من الجيش التركي على التوغل مسافة كيلومتر تقريباً داخل الأراضي السورية من جهة ناحية جنديرس التابعة لمدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، حيث قامت هذه الوحدات بنصب الحواجز والبدء بتفتيش المارة من المدنيين بين قرية حمام التابعة لناحية جنديرس وقرية مارونية التابعة لناحية شيه.
وقال مسؤول في "وحدات حماية الشعب" الكردية إن الوحدات مستعدة لأي طارئ، ولن تسمح للقوات التركية بالتوغل أكثر من ذلك. وشدد فوزي سليمان، في تصريح صحافي، على أن قريتي حمام ومارونية محتلتان حالياً من قبل تركيا.
ومن المتوقع أن يترك الهجوم على ريف حلب الشمالي تداعياته على معركة الرقة، التي تعاني أصلاً من تباطؤ ملحوظ، لأن القوات الكردية لا تستطيع التغافل عن الخطر الذي بات يهدد طموحاتها في وصل منطقة عفرين مع عين العرب (كوباني) ليكتمل تكوين "فدراليتها" الموعودة.
ومع ذلك فقد استمرت الاشتباكات المتقطعة على عدة محاور في المزارع الواقعة شرق وجنوب عين عيسى من دون أي تغيير على خريطة السيطرة على الأرض، فيما ألقت طائرات التحالف مناشير جديدة فوق مدينة الرقة تطالب الأهالي بالخروج منها.
(السفير)