الاسبوع المنصرم كان نقطة مفصلية في تاريخ الانتخاباتالاميركية. المرشح الجمهوري دونالد ترامب انهى رسميا استيلائه على الحزب الجمهوري عندما حصل على العدد الكافي من المندوبين للفوز بترشيح الحزب في تموز المقبل.
ويعتبر حصول ترامب على 1237 مندوبا، معلما لا سابقة له، لأن رجل الاعمال الاميركي ليس سياسيا تقليديا، وهو لم يكن يعتبر نفسه لعقود طويلة جمهوريا، وحتما ليس محافظا، حيث كان يفاخر بأن معظم مواقفه الاجتماعية والسياسية تتسم بالليبرالية. كما تميّز الاسبوع بتعرض المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون المتوقع فوزها بترشيح الحزب لنكسة جديدة، عمّقت من مشاعر الشكوك الواسعة في اوساط الناخبين بصدقيتها ونزاهتها.
وبعد اشهر من التحقيقات في كيفية استخدام كلينتون لجهاز خاص لتنظيم رسائلها الالكترونية وضعته في منزلها ولم يكن خاضعاً لاشراف الوزارة او وفق اعرافها، اصدر المفتش العام للوزارة تقريرا من 83 صفحة أكد فيه ان سلوك كلينتون "لم يكن مناسبا" وانها خالفت المقاييس التي تتبعها الوزارة لحفظ رسائلها الالكترونية.
كما يشير التقرير الى ان كلينتون، بدلا من تسلم وزارة الخارجية جميع رسائلها الالكترونية فور انتهاء خدمتها، فعلت ذلك بعد نحو سنتين من انتهاء خدمتها، وفقط بسبب الضغوط.
والاهم من ذلك، كشف التقرير ان ادعاءات كلينتون بان الوسيلة التي استخدمتها لحفظ رسائلها الالكترونية قد حظيت بموافقة قانونية من الوزارة، لم يكن لها أي اساس من الصحة. التقرير كان مبنيا على مقابلات اجريت مع وزارء الخارجية السابقين مثل مادلين اولبرايت، وكولن باول وكونداليزا رايس، ومع الوزير جون كيري، ولكن ليس مع هيلاري كلينتون التي رفضت طلبا بهذا الشأن من المفتش العام.
هذا التقرير الرسمي، يعني ان هذه المشكلة التي طغت على حملة كلينتون (اضافة الى التحقيقات المستمرة في هذا الشأن والتي يقوم بها مكتب التحقيقات الفيديرالي الاف بي آي) سوف تبقى معلقة كالسيف فوق رأسها خلال السباق الرئاسي.
نظرة سلبية للمرشحين كما ابرزت التطورات الانتخابية في الايام الماضية ان الانقسامات والاستقطابات في الحزبين الجمهوري والديموقراطي لا تزال مفتوحة كجروح قد لا يتم تضميدها قبل مؤتمري الحزبين لا بل ربما بقيت حتى الانتخابات وبعدها.
وأبرزت استطلاعات الرأي الاسبوع الماضي بشكل نافر ان النظرة السلبية لترامب وكلينتون هي الاعلى في اوساط الناخبين المسجلين، منذ بدء هذه الاستطلاعات قبل أكثر من نصف قرن. وجاء في اخر استطلاع للرأي لصحيفة "الواشنطن بوست" وشبكة "أي بي سي" الاميركية للتلفزيون ان نحو 60 في المئة من الناخبين المسجلين لديهم انطباعات سلبية عن كل من ترامب وكلينتون.
هذه النظرة السلبية موجودة حتى في اوساط مؤيدي المرشحين، حيث قال اقل من نصف المشاركين في الاستطلاع فقط من مؤيدي كلينتون من الديموقراطيين انهم يؤيدونها "بقوة"، مقابل اكثرية بسيطة تؤيدها "بعض الشي".
الارقام مماثلة حيال ترامب. وبينما كانت استطلاعات الرأي قبل بضعة اشهر تظهر ان كلينتون ستفوز في الانتخابات ضد أي مرشح جمهوري، بمن فيهم ترامب، الا ان شعبية كلينتون انحسرت لتتعادل مع شعبية ترامب في بعض الاستطلاعات.
كما ان ترامب في استطلاعات اقل، بدا متفوقا بعض الشيء على كلينتون.
هذه التطورات، مرة اخرى فاجأت قيادات الحزبين، وكذلك خطأ توقعات وتقويمات الكثير من المحللين الانتخابيين.
ساندرز "المتمرّد" سباق الانتخابات التمهيدية في الحزب الديموقراطي لا يزال مستمرا حتى نهايته منتصف الشهر المقبل وبعد تصويت بعض الولايات المهمة وأبرزها كاليفورنيا الاكبر بعدد سكانها والاغنى بعدد المندوبين الذين يمثلونها، حيث يأمل السناتور بيرني ساندرز الفوز في هذه الولاية لتقليص الهوة بينه وبين كلينتون، والذهاب الى المؤتمر الحزبي من موقع قوي للتأثير على برنامج الحزب، وربما تغيير بعض الممارسات والاعراف مثل تعيين عدد ما يسمى "المندوبون البارزون"، وهم قادة الحزب في الولايات، كي يستطيع الحزب من خلالهم التأثير على الانتخابات الحزبية التمهيدية، الامر الذي يقلّص من حرية الناخبين في اختيار مرشحهم.
ويكرر ساندرز في خطبه انتقاداته القوية لهذه الممارسات التي يستفيد منها ما يسمى مرشح المؤسسة السياسية التقليدية، أي هيلاري كلينتون في هذه الحال، وليس ساندرز المرشح "المتمرد" الذي قضى معظم حياته السياسية مستقلاً، قبل الانضمام للحزب الديموقراطي كي يشنّ "ثورته" السياسية السلمية لحساب العمال وذوي الدخل المحدود والشباب.
وتجد كلينتون نفسها، في هذا الوقت المتأخر في الانتخابات التمهيدية غير قادرة على التخلص من منافسها ساندرز، وبدلاً من التفرغ لمواجهة ترامب والتحضير للانتخابات العامة، عليها القيام بنشاطات انتخابية في الولايات الباقية في السباق .
وتظهر استطلاعات الرأي ان نحو ربع مؤيدي ساندرز لن يصوتوا لكلينتون.
ترامب وقيادات الجمهوريين ضمان ترامب لترشيح الحزب، لا يعني انه سينجح (او انه راغب فعلاً) في توحيد الحزب في المؤتمر وخلال الحملة الانتخابية العامة.
ويبدو ان ترامب الذي تعود على التلذّذ بتعذيب خصومه خلال الانتخابات التمهيدية، غير قادر على تعديل اسلوبه او تكتيكاته، ولا يزال يصر على مهاجمة او اهانة فعاليات الحزب الجمهوري علناً اذا تجرأوا على معارضته او اذا اعربوا عن أي انتقاد ولو كان بناء.
وحتى الآن لا تزال هناك معارضة لترامب في اوساط المثقفين والمحللين الجمهوريين المعتدلين، وفي اوساط ما يسمى المحافظين الجدد، كما ان هناك شخصيات جمهورية معروفة بينها مرشح الحزب في 2012 ميت رومني، وحاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش يعارضون ترشيح ترامب.
وحتى الآن لم يعلن رئيس مجلس النواب الجمهوري بول رايان، وهو اعلى مسؤول جمهوري في البلاد عن تأييده لترامب، لا بل انه وجد نفسه اخيراً يدافع عن حاكمة ولاية نيومكسيكو سوزانا مرتينيز، وهي أول أمرأة من خلفية لاتينية تنتخب حاكمة ولاية، ضد الهجمات التي وجّهها لها ترامب لأنها لم تؤيده.
الحدث الابرز الاسبوع المنصرم كان في تحول ترامب من مرشح مفترض الى مرشح مؤكد للحزب الجمهوري. انتصار ترامب جاء بعد هزيمته لستة عشر منافسًا معظمهم من اقطاب الحزب الجمهوري ويتمتعون بخبرات سياسية طويلة، وذلك بعد اشرس معركة انتخابات تمهيدية في تاريخ البلاد.
ونظراً لأدائه الفظّ، واستخدامه لأسلوب الارض المحروقة في التعامل مع خصومه، وعدم تردده في انتقاد او حتى اهانة اقطاب الحزب، يمكن القول ان ترامب الذي لم ينتخب في حياته لأي منصب قد استولى على الحزب الجمهوري، حيث لا يزال يحاول ترويضه وتطويعه كي يتماشى مع طموحاته او أهوائه.
استطلاعات الرأى اظهرت أخيراً ان ترامب متعادل تقريبا مع كلينتون، وهو أمر لم تتوقعه اكثرية المراقبين والمحللين السياسيين قبل اشهر. انه فعلاً اغرب موسم انتخابي في تاريخ اميركا.
النهار