من الصّعب إحصاء القادة والوفود العسكرية الأميركية المتخصّصة التي تزور لبنان دورياً، فيما المعلن منها قد تحوّل أخيراً بمعدل قائد كلّ اسبوع، وهو ما يُوحي بوضع لبنان على خريطة الدول المدعومة أميركياً في المواجهة المفتوحة مع الإرهاب، من دون الربط بينها وبين الإهتمام الأميركي بالثروة النفطية ومطاردة الأموال العائدة لـ«حزب الله» و«داعش»... فما الذي يعنيه ذلك؟
لا يجب أن يغيب عن بال أحد أنّ لبنان الدولة عضو في الحلف الدولي في مواجهة الإرهاب الذي نشأ في 11 ايلول 2014 عقب اجتماع جدّة حيث التقى وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والعراق، والأردن، ولبنان، والولايات المتحدة، ليعلنوا عن أول الأحلاف في مواجهة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق «داعش».
ومن بعدها لم يغب لبنان عن أيّ من المؤتمرات العربية والدولية وصولاً الى لقاءات القاهرة التي وضعت على لائحة مؤتمرات الرياض والكويت «وتناولت الوضع في اليمن من خلال عملية الحلف العربي - الإسلامي الذي قادته الرياض تحت اسم «عاصفة الحزم» قبل عملية «إعادة الأمل».
ولم يغب لبنان عن مؤتمرات الكويت وفيينا وباريس وميونيخ ولندن وموسكو التي خُصِّصت للأمن الدولي وأزمة النازحين السوريين الى جانب الدول المانحة الكبرى، وتلك الواقعة في مدار «الجوار السوري» والتي حظيت ببرامج الدعم العسكرية والأمنية والإستخبارية المقدّمة من الولايات المتحدة الأميركية ودول اوروبا المنضوية في صفوف الحلف ومتفرعاته وصولاً الى الدعم المالي لمواجهة آثار النزوح وكيفية تقاسم الكلفة الباهظة الواقعة على عاتق لبنان.
وفي هذه الأجواء، يمكن للباحث عن أشكال الدعم الأميركي والدولي الى لبنان أن يتوقّف امام مسلسل الهبات العسكرية المنظورة وغير المنظورة التي تصل الى الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى قبل وبعد الهبة السعودية العسكرية بشقّيها والتي لم يستفد منها لبنان سوى بما يراوح بين 30 و35 في المئة من هبة المليار الواحد قبل تجميدهما.
وبالنظر في حجم هذه الهبات، لا يمكن سوى التوقف عند نوعيّتها وهي التي ساندت الجيش اللبناني في مهماته الحدودية عقب عملية عرسال في الأول من آب 2014، ولتعزيز قدرات القوى الأمنية الممسكة بالمعابر البرية والبحرية والجوية، وتلك التي تُعنى بملاحقة الإرهاب في الداخل عبر العمليات الإستباقية التي استدرجت الغرب الى الدعم المحقق الى اليوم.
وفي مسلسل زيارات القادة العسكريين الى لبنان يمكن الاشارة الى الدفعة الأخيرة منها والتي تحوّلت دورية وشبه اسبوعية:
- زيارة قائد مشاة البحرية في القيادة الوسطى الأميركية الفريق ويليام بايدلر الى قائد الجيش العماد جان قهوجي في مكتبه في اليرزة في الخامس من أيار الجاري. وهو اللقاء الذي خُصّص كما اعلن في حينه لتعزيز مجالات التعاون العسكري بين جيشي البلدين، خصوصاً في مجال تدريب الوحدات الخاصة وتجهيزها.
- زيارة وفد من مكتب نائب وزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة ومحاربة الإرهاب برئاسة مارك لويس الذي زار العماد قهوجي أيضاً في التاسع من ايار في حضور ملحق الدفاع الأميركي العقيد ريشارد كوريك. وتناول البحث مختلف أوجه التعاون العسكري بين الجيشين اللبناني والأميركي وتحديداً ما يتصل بدعم جهود الجيش في مجال مكافحة الإرهاب.
- زيارة قائد القوات الخاصة الأميركية الجنرال توماس رايموند على رأس وفد في السابع عشر من أيار الجاري الى العماد قهوجي حيث تناول البحث بالإضافة الى علاقات التعاون بين الجيشين، كيفية تدريب الوحدات الخاصة وتجهيزها، وتوفير حاجاتها المختلفة في إطار برنامج المساعدات الأميركية المقرّرة.
بالتأكيد، وبعد إحصاء المعلن من هذه الزيارات خلال شهر أيار وحده وعلى هذا المستوى القيادي، يمكن الاستنتاج أنّ حركتهم تشي بالكثير، على أكثر من مستوى وخصوصاً إذا تمّ ربطها بالإنجازات العسكرية التي تحقّقت في جرود عرسال وبعلبك.
ويأتي ضمّ ما تعنيه الى نتائج الزيارات الخارجية التي قام بها قائد الجيش والضباط الكبار الى أكثر من مؤتمر وعاصمة ليُدلّل على أهمية ما توافر للجيش من عتاد متطوّر بعد إلغاء الهبة السعودية ورفض أيّ عون إيراني على رغم الكرم المعلن عنه، ومن دون أيّ شروط انعكس إمساكاً أكبر بالوضع الأمني على الحدود البنانية - السورية في مواجهة الإرهابيين على مساحات منها وفي الداخل.
ويبدو للمراقبين أنّ تعزيز قدرات الجيش بالأسلحة النوعية للرّصد من الجو والبر وعبر تقنيات التنصّت على الإتصالات اللاسلكية التي يستخدمها المسلّحون، قد ترجم عمليات استباقية بالغة الدقة وصفت بأنها نوعية بكلّ المعايير العسكرية طالما أنها انتهت بانتصارات مؤكدة وخيبات كبيرة للمسلّحين وسقوط لمزيد من رؤوسهم القيادية.
الجمهورية