تكاد لا تحصى ولا تُعدّ المواضيع التي تتكشّف يوماً بعد يوم حول ملفات الفساد والهدر وسرقة المال العام، ولكن لا فاسدين خلف القضبان، والسبب في أغلب الأحيان يكمن في التحايل على القوانين والأنظمة من قبل هؤلاء.
والفضيحة الأكبر كانت ولا تزال منذ التسعينات إلى اليوم هي "دفاتر شروط المناقصات"، والتي تُفصّل على قياس شركات معينة، وإن كان معلوم ـ مجهول من يقف خلفها ومن يتقاسم معها "الغلّة" مع كل فوز بعقد مضخّم.
يعتبر قطاع الكهرباء من أكثر القطاعات التي صُرف عليها من مال المكلّف اللبناني، ولا يزال اللبنانيون حتى اليوم يعانون من التقنين العشوائي والإنقطاع المفاجئ والمتكرّر للتيار، والذي وصل في بعض المناطق في الأيام الماضية إلى أكثر من 12 ساعة يومياً.
لا نحتاج إلى تقارير المؤسسات الدولية لنتأكد من فشل "مؤسسة كهرباء لبنان" في إدارة هذا القطاع الحيوي، فهذه المؤسسة مشكوك بشفافيتها، ولا ثقة لأحد بإدراتها الغارقة في الفشل والهدر.
في الفترة الأخيرة طافت على السطح فضيحة "التلزيم بالتراضي" لعقد تبلغ قيمته 107 مليون يورو لتشغيل وصيانة محطتي الذوق والجية للمحركات العكسية لمدة خمس سنوات، و ترافق ذلك مع كشف للحقائق من قبل الإعلام اللبناني، قابله تبرير من قبل شركة "Middle East Power - MEP" الفائزة بهذا العقد.
وهنا يهمّ "ليبانون ديبايت" الذي رافق "التلزيم الفضيحة" منذ بدايته، وشارك في كشف بعض خباياه، أن يصوّب بعض الحقائق بشكل علمي ومنهجي من موقعه المحايد ليتبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض.
إنطلاقاً مما كشفنا، بعد اطلاع "ليبانون ديبايت" على دفتر الشروط والتدقيق في بيانات شركات التحالف الذي فاز (OEG - Arkay - MEP)، وبالإستعانة بخبراء في هذا المجال، يمكننا أن نوجز أهم الثغرات التي اعترت تلك المناقصة ودفتر شروطها وعملية فضّ العروض، وأهمها:
1 ـ وصف الخبراء دفتر الشروط بأنه "فزّاعة"، وقد جرى تفصيله لإخافة الشركات المهتمة بالتقدم إلى المناقصة، وذلك واضح من خلال إحجام تلك الشركات التي وجدت في بعض بنود العقد الغامضة فخ يمكّن من الإنقضاض من خلاله عليها في فترة لاحقة. هذا بالإضافة إلى البنود الجزائية التي تتضمّن غرامات مالية باهظة تفوق المعايير المتفق عليها في هذا القطاع عند خروج المحطتين عن العمل أو في حال الأعطال، وأيضاً فرض عقود تأمين على المحطتين بمبالغ خيالية.
2 ـ إن الفترة الزمنية - 33 يوماً - التي مُنحت للشركات منذ إبلاغها بتوفر "دفتر الشروط" في 14 آب 2015، وتاريخ إقفال باب استدراج العروض في 17 أيلول 2015 هي فترة قصيرة جداً لا تسمح بالقيام بالعمل المطلوب، وبخاصة أن المناقصة دولية. فالشركات التي قامت بشراء "دفتر الشروط" هي بحاجة إلى وقت أطول بحسب المتعارف عليه دولياً، كما أن القيام بإجراء أكثر من تمديد لموعد انتهاء عملية استدراج العروض تمت بطريقة غير شفّافة.
3 ـ لا تنطبق على شركة MEP الشروط التقنية، ومع ذلك تم قبول عرضها في مخالفة صريحة وواضحة لدفتر الشروط، إذ تنص النقطة (B) من البند الثالث على أن تتوفر لدى مقدّم العرض خبرة لا تقل عن خمس سنوات في تشغيل وصيانة محطات المحركات العكسية، وهذا ما لا يتوفر لدى MEP التي حصلت على العقود في إربيل ودهوك عام 2011، ولكن العمل بدأ في العام 2012 وبالتالي تم خرق الشرط الزمني للخبرة، وتنص النقطة (C) من البند الثالث على أن تتوفّر لدى مقدّم العرض خبرة في إدارة محطتين لا تقل طاقتهما عن 50MW ، وذلك في الوقت الذي تدير MEP بالفعل معملين ولكن تلك المعامل تبلغ طاقتها 29 MW في كل من أربيل ودهوك. وبالتالي تم خرق النقطة (B) و (C)من الشروط التأهيلية، بالإضافة إلى التصنيف الضعيف كون MEP تشغّل محركات عكسية مختلفة عن تلك المتوفرة في محطتي الذوق والجية.
4 ـ تشير البيانات المنشورة على الموقع الالكتروني لشركة OEG India، وهي احدى شركات التحالف الفائز، والذي تم تحديثه في العام 2013 الى خبرة واسعة في مجال التشغيل والصيانة ولكن لا يذكر الموقع اية محطة للمحركات العكسية تقوم الشركة بتشغيلها وصيانتها الامر الذي يخالف شروط التأهيل المنصوص عنها في دفتر الشروط.
5 ـ بحسب الموقع الالكتروني لشركة ARKAY الهندية، فان الشركة تقوم بتشغيل وصيانة محطة قدرتها 150 MW ولكن لا تملك عدد سنوات الخبرة المطلوبة وهي خمس سنوات في مخالفة واضحة لشروط التأهيل.
6 ـ اكتفت مؤسسة كهرباء لبنان برأي الإستشاري EDF لناحية اعتدال السعر البالغ 107 مليون يورو، وهو الإستشاري نفسه الذي أخذت المؤسسة برأيه في معظم قراراتها خلال مسيرتها الفاشلة الممتدة لسنوات، والتي أغرقت لبنان بالظلام وأغرقت خزينة الدولة في عجز كبير.
7 ـ إن امتناع مؤسسة كهرباء لبنان عن فتح العرض الوارد من متعهد المحرّكات العكسية شركة BWSC ترك أكثر من علامة استفهام، وبخاصة أنه كان بالإمكان الاستعانة بالعرض فقط من أجل التأكد من اعتدال السعر الذي لُزّم به عقد الصيانة والتشغيل لشركة MEP.
8 ـ إن دفتر الشروط لم يتضمن الإجراءات اللازمة لتفادي أية إشكالات وتعقيدات ونتائج سلبية ونزاعات بين المتعهّد والمشغّل نتيجة عدم حسم المسؤولية خلال فترة الضمان الممتدة على ثلاث سنوات.
عطفاً على ما تقدّم، وإزاء الملايين التي ستُصرف من أموال اللبنانيين، وإزاء المعلومات الموثّقة التي يضعها "ليبانون ديبايت" أمام من عليه أن يتحمل المسؤولية في الحفاظ على المال العام من قضاء مالي ووزارات الوصاية، وزارة الطاقة ووزارة المال، الذين إن تغاضوا عن تصويب الأمور، من المؤكد أننا سنشهد فصلاً جديداً من مسلسل الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان في ظل تفلّت الجناة من العدالة التي تبقى قاصرة أمام كبار الفاسدين.
ليبانون ديبايت