تشهد محافظتا الشمال وعكار غداً الفصل الختامي للانتخابات البلدية والاختيارية في مرحلة رابعة لن تقل حدة وحماوة في الكثير من مدن المحافظتين وبلداتهما وقراهما عما سبقها في المحافظات الاخرى بدءاً من عاصمة الشمال طرابلس. ومع طي هذا الاستحقاق الذي أعاد الاعتبار الى اللعبة الديموقراطية في لبنان الرازح تحت وطأة أزمة الفراغ الرئاسي مطلع سنتها الثالثة، يبدو طبيعياً أن تنشد الأنظار الى ما ستحمله رياح الشمال التنافسية من نتائج من شأنها أن تكمل المشهد السياسي الناشئ عن هذه الانتخابات التي اتسمت بافراط يكاد يكون نادراً في تسييسها عاكسة بذلك انخراط القوى السياسية والحزبية بكل زخمها وماكيناتها الانتخابية في هذا الاستحقاق الذي يطغى على طبيعته الأساسية العامل الانمائي.
وعلى غرار المراحل الثلاث السابقة من الانتخابات البلدية تبرز في مناطق الشمال مجموعة معارك أساسية تتخذ المبارزات فيها طابعاً شديد الحماوة وتأتي في مقدمها معركة طرابلس التي تتميز عن سواها من المعارك بتداخل واسع بين العوامل السياسية والعوامل الاجتماعية. واذا كان شعار الانماء ورفع الغبن الانمائي عن المدينة لا يغيب عن المبارزات بين اللوائح المتنافسة والقوى الداعمة لها، فان المواجهة الاقسى التي سترسم مصير النتائج السياسية للانتخابات تدور بين لائحة الائتلاف السياسي التي يدعمها الرئيسان سعد الحريري ونجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي واللائحة التي يدعمها وزير العدل اللواء أشرف ريفي الذي يخوض حملة اعلامية وانتخابية بالغة الحدة ضد اقطاب التحالف. كما أن ثمة لائحتين أخريين احداهما برئاسة النائب السابق مصباح الاحدب والاخرى تنضوي فيها مجموعة من المستقلين والناشطين في المجتمع المدني.
ووصف النائب سمير الجسر لـ"النهار" الوضع في طرابلس عشية الانتخابات البلدية بأنه "هادئ" على رغم ان الوزير ريفي "يضفي على الاستحقاق طابعاً سياسياً". وأضاف: "أن تسييس الاستحقاق كان لينجح لو كانت الانتخابات نيابية. ولكن في الموضوع البلدي الامر مختلف لإن إهتمام الناس في مكان آخر". وأوضح أن تيار "المستقبل" لم يقدم الى اللائحة التي يدعمها في طرابلس أي مرشح له "لإنه آثر الاتيان بعناصر تكنوقراط محايدة". وعلى صعيد الشمال ككل أفاد الجسر إن "المستقبل" إتخذ قراراً بعدم التدخل، مشيراً الى انه "من أصل 180 قرية للتيار وجود فيها لن تجري منافسات إلا في ثلاث أو أربع قرى بسبب الصراع فيها" علما أن التيار قرر سلفاً تفادي الحساسيات في كل هذه القرى.
وفي البترون وفيما تحتدم المواجهة في بلدة تنورين بين اللائحة المدعومة من وزير الاتصالات بطرس حرب ولائحة اخرى مدعومة من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، لفت الوزير حرب الى "ما نشهده في هذه الانتخابات من نشوء تحالفات هجينة بين القوى والاحزاب السياسية المعطلة للانتخابات الرئاسية أو الساكتة عنها"، معتبراً أن ذلك يهدف الى "القضاء على ما تبقى من أصوات مستقلة متمسكة بالنظام الديموقراطي ودور المؤسسات". ولاحظ "مشاركة القوى والاحزاب في هذه الانتخابات في شكل لم يشهد مثله تاريخ لبنان البلدي بخلاف ما يحصل في الانتخابات الرئاسية".
أما في عكار التي ستشهد معارك عدة تتداخل فيها العصبيات العائلية والسياسية، فان معركة القبيات تبدو مشابهة تماماً لمعركة تنورين اذ تتواجه فيها لائحة مدعومة من النائب هادي حبيش والنائب السابق مخايل ضاهر مع لائحة يدعمها "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية". واسترعى الانتباه ان رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع قد أطل شخصياً على الاستعدادات لهذه المعركة في لقاء مع اللائحة التي يدعمها حزبه و"التيار الوطني الحر" رافعاً عنواناً لها هو "الانتقال بالقبيات من الزبائنية الى الانماء". وفي المقابل، رأى النائب حبيش ان "هناك من يحاول تحويل المعركة في القبيات الى سياسية محض وان ينسينا البعد الانمائي وهذا يعبر عن ضعفه في ادارته".
أما في مدينة بشري التي تواجه فيها لائحة من عائلات ومناصرين سابقين لـ"القوات اللبنانية" اللائحة "القواتية"، فدعا نائبا بشري ستريدا جعجع وإيلي كيروز جميع الناخبين في القضاء وخصوصاً في مدينة بشري إلى "ممارسة حقهم الانتخابي الديموقراطي"، وأكدا "من خلال دعمها للائحة الإنماء والوفاء لمدينة لبشري الإصرار على متابعة مسيرة البناء والإنماء وتلبية طموحات الأهالي وتطلعاتهم، وشددا على أهمية كل صوت دعماً وتأكيداً لمسيرة إنماء بشري ونهوضها منذ انطلاقها في العام 2005".
وفي الكورة صرّح نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لـ"النهار" بأنه سعى الى توافق في مسقطه انفه وكل الكورة، داعياً مؤيديه في البلدات والقرى التي لم يحصل فيها توافق الى التصويت لمن يرون انهم يحققون مصلحة بلدتهم. وأشار الى أنه "قدم تنازلات بلا حدود في انفه للتوصل الى توافق، لكن أحد الاطراف لم يلتزم المعايير ولاحقاً غير "التيار الوطني الحر" رأيه والتحق بالطرف الذي لم يتجاوب". وأكد أن لا مشكلة في التوافق الذي تحقق مع "القوات"، مشدداً على ديموقراطية الانتخابات في انفه وكل الكورة.

غلايزر
ولم تحجب الاستعدادات لمرحلة الشمال الانتخابية نتائج المحادثات التي أجراها في بيروت في اليومين الأخيرين مساعد وزير الخزانة الاميركي لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايزر والتي تركزت على موضوع القانون الاميركي للعقوبات على "حزب الله" وتطبيقه عبر المصارف اللبنانية. وتتلخص أبرز المعطيات التي نقلها غلايزر الى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم كما صرحت مصادر اميركية لـ"النهار" بأن الادارة الاميركية لا تنتظر من لبنان أن يوافقها الرأي بالنسبة الى موقفها من "حزب الله" وهي لا تطلب تالياً من لبنان أن يتخذ أي اجراءات في حق الحزب ولكن على لبنان أن يدرك ان للولايات المتحدة الحق في حماية نظامها المالي وفي اتخاذ أي إجراءات تجدها مناسبة لتحقيق ذلك بما فيها فرض العقوبات على كل من يسهّل ولوج الحزب الى النظام المالي العالمي عموما والأميركي خصوصا. وأشارت المصادر الى أن غلايزر أكد أن القانون لا يستهدف في أي شكل الحكومة اللبنانية أو الجهاز المصرفي اللبناني او الطائفة الشيعية خلافا للاعتقاد أن الاميركيين لا يميزون بين "حزب الله" والمجتمع الشيعي وأن التركيز هو على الحزب حصراً. لكنه أبرز في المقابل ضرورة التطبيق "المسؤول والشفّاف" للقانون.