اذا كنتم تبحثون عن اب لمحمد حميّة او عن اب لحسين الحجيري، فهو كل اب في لبنان. واذا كنتم تبحثون عن ام لمحمد حميّة او عن ام لحسين الحجيري، فهي كل ام في لبنان...
اي فارق بين الصورة التي في جرود عرسال، وقد هزت اقاصي القلب، والصورة التي في مقبرة طاريا، وقد هزت اقاصي الروح. لماذا الاصرار على ان نكون، نحن الضحايا، ضيوف شرف على...تورا بورا؟
من لم يشعر بفظاعات اللحظة حين كان البرابرة، ولطالما قلنا انهم الاتون من قاع الامم ومن قاع القبائل، بل ومن قاع جهنم، يوجهون الرصاصات الى رأس الجندي الذي وجهه كما لو انه شروق الشمس؟
ومن لم يشعر بلوعة معروف حميّة الذي كان يسأل اين هي الدولة، واين هو العالم، بل واين هو الله؟ لسنا نرى في وجه مصطفى الحجيري سوى وجه الاتي من الكهوف، هو الذي كان يعد العدة لا ليكون اميرا على البقاع، بل واميرا على لبنان. اسألوا الذين يعرفونه عن كثب ماذا كان يقول، وبماذا كان يعد ويتوعد، كما لو ان تراب عرسال لا يمتزج بكل تراب آخر، وكما لو ان وجوه اهل عرسال ليست وجوه اهل اللبوة ووجوه اهل رأس بعلبك ووجوه الاهل في اي مكان آخر... اولئك الذين ينتمي اليهم «ابو طقية».
الذين افكارهم، الذين احاسيسهم، اشد فظاعة من فظاعات العدم، ألا يستهوون بعض الساسة في لبنان الذي يرون فيهم الخلاص. الخلاص ممن ولمن؟ قيل ذلك على الملأ. « جبهة النصرة» من النسيج السوري.
هل الذين قتلوا محمد حميّة من النسيج السوري؟ لنسأل ادونيس حين يتكلم عن «الدهر الذي يغتسل ببردى»، ولنسأل نزار قباني حين يتحدث عن « الياسمين الذي يمشي عاريا على ضفاف الازل». لكن مصطفى الحجيري ليس محمد الحجيري الذي قيل لنا ان له الطريق الاخر، الرؤية الاخرى، وانه اراد لابنائه ان يكونوا خارج الرهان المغولي، خارج عباءة العم بتقاطيع مصاصي الدماء...
ألم يقل محمد حميّة حين رأى حسين الحجيري مسجى على قبره: « لست انت، لست انت، لست انت». ليس حسين الحجيري هو القاتل لكي يقتل. نعلم ما هي معاناة معروف حميّة الان.
ونعلم اين هي ثقافة القلب في عشيرة آل حميّة الذين طالما عرفت عنهم ثنائية الرجولة والشفافية، قوة الشكيمة وخفة الظل...
حسين الحجيري كان ضيفا في بعلبك، مواطنا في بعلبك. لو كانت يداه ملطختين لما كان حيثما كان. هل سمعتم ما قاله ابوه وما قاله رئيس البلدية باسل الحجيري؟ معروف حمية، الشيخ معروف حدد اعداءه.
من وضع اسم حسين على اللائحة السوداء؟ يعرف محمد الحجيري، المختار العتيق، من هم الذين حاولوا ان يصنعوا من البلدة التي كانت قلعة ناصرية، مستنقعا للمذهبية وللضغينة، دون تبرئة اي كان.
يعرف ايضا من كان يخطط لافغنة البلدة، كاحدى حلقات الافغنة لسوريا ولبنان. محمد وحسين ضحيتان للعبة اياها. احد ابناء عرسال قال « ان تفكيك المستحيل اقرب من تفكيك العرى التي بيننا»؟
هؤلاء الذين عملوا على تفكيك عظامنا، وعلى تفكيك ارواحنا، والذين لهم بين الساسة في لبنان من يصفقون لهم وينفخون الابواق من اجلهم... لو كان الله هناك في تلك اللحظة لامر بدفن محمد حمية وحسين الحجيري في قبر واحد.
لانهما واحد، ولاننا نحن الباقون على سطح الارض متواطئون على الشقيقين محمد الذي من طاريا، وحسين الذي من عرسال. طاريا العزيزة التي يفترض ان تمسح دموع عرسال، وعرسال العزيزة التي يفترض ان تمسح دموع طاريا...
وليعلم محمد الحجيري ان الكل اهتزوا لمرأى حسين، وان معروف حميّة ليس قاتلا، لكنها لحظة الدم، ولعلها لحظة القلب، تجعل الدم يضيع والقلب يضيع. هكذا ضاع دم حسين الحجيري الذي كم يشبه وكم يتماهى مع دم محمد حميّة...
مثلما هي فجيعة معروف حمية فجيعة محمد الحجيري. فجيعتنا جميعا ان يقال لنا هذا دم وهذا دم آخر، هذا تراب وهذا تراب اخر. الى اين يذهب لبنان حين يقتل قايين هابيل وحين يقتل هابيل قايين؟
والى اين يذهب لبنان حين يكون هناك رجال دين مثل الحجيري (واين القرآن في وجوه هؤلاء؟)، ويغسلون الادمغة بالعدم، ويغسلون القلوب بالعدم. محمد اركون لطالما حذر من « الذئاب التي بأسنانها تصنع اسنانا للنصوص».
النصوص التي نزلت او انزلت من عليين ليكون الله في الانسان وليكون الانسان في الله... الان في هذه اللحظة، معروف حمية ومحمد الحجيري شقيقان مثلما هما محمد حمية وحسين الحجيري شقيقان. خلاصنا كلنا في ان يبكي كل من الابوين على كتف الاخر!
الديار