يعيش الأكراد في سوريا حالة من الالتباس تهيمن على مستقبل غامض لمناطق شاسعة يسيطرون عليها في شمال سوريا ويسعون جاهدين للتوصل إلى صيغة تتيح لهم إدارتها بأنفسهم.
ومنذ تصويت المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال سوريا في مارس الماضي لصالح الحصول على حكم ذاتي في إطار نظام اتحادي، لا تعترف الحكومة السورية إلى جانب تركيا بهذه الخطوة التي يمكن أن تعقّد محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة بين فصائل المعارضة والحكومة.
وقال سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، إن الدولة الكردية حقيقة تاريخية وسياسية وجغرافية، وذكرها مؤرخون معروفون في التاريخ العربي مثل ابن خلدون وابن خلكان وابن الأثير وغيرهم.
وأشار إلى أن “نموذج الدولة القومية الذي تم استيراده أو فرضه من خارج الشرق الأوسط يشهد فشلا مزدوجا، مرة بما نشهده من أحداث عنف مستمرة، ومرة أخرى بالتخلي عن الحدود، كما هو الحال في الدول الأوروبية”.
وأكد القيادي الكردي أنه “باستثناء العراق، فإن الدول التي يعيش فيها الأكراد (تركيا وإيران وسوريا) تتفق باطنا وظاهرا على معاداة الحق الكردي، خاصة تركيا، بالرغم من وجود تناقضات ظاهرة بينها في أغلب القضايا الأخرى”.
وكشف في حوار خاص مع “العرب” في القاهرة أن “حزبه لديه رؤية مغايرة حول الاستقلال لا ترى ضرورة لربط مسألة الحقوق بالدولة المستقلة، وأن نموذج الفيدرالية الديمقراطية لروج آفا بشمال سوريا يمكن تطبيقه في الأجزاء الأخرى لكردستان”. ويتألف إقليم “روج آفا”، الذي يعتبر منطقة حكم ذاتي للأكراد من ثلاث مناطق رئيسية، هي عفرين وعين العرب (كوباني) والجزيرة السورية، حيث تسكنه مكونات من العرب والأكراد والسريان والآشوريين والأرمن والتركمان. وكلمة روج آفا، هي ترجمة حرفية لمصطلح “غرب كردستان”، وهي المناطق التي تعتبر كردية من وجهة نظر الأحزاب الكردية الطامحة إلى إنشاء كيان كردي في سوريا. وشدد ديبو على أن مصلحة الأكراد هي في بقاء سوريا وحدة اتحادية، لكن في شكل فيدرالي، لافتا إلى أنه ليس من المعقول الإصرار على الصيغة المركزية الاستبدادية التي كانت سائدة قبل 2011. وحول رؤيته للوضع الحالي في سوريا بعد 5 سنوات من الاقتتال، أكد أن “الوضع يزداد تعقيدا، مع سيادة حالة من التقسيم المجتمعي والجغرافي بفعل التدخلات الخارجية وربط الأزمة السورية بالملفات الساخنة في الشرق الأوسط”. وأشار إلى أن سوريا “تحولت إلى ساحة للصراع بالوكالة بين هذه الأجندات، ومن يمثلها سواء من قبل النظام أو المعارضة على اختلاف فصائلها”. وثارت تكهنات حول أسباب استبعاد الأكراد من مؤتمرات جنيف رغم مشاركتهم في عدة ترتيبات تخص الأزمة السورية، وقد أرجع ديبو هذا الغياب إلى “التهديدات التركية بسحب وفد الائتلاف حال دعوة الأكراد وهذا باختصار سبب عدم توجيه الدعوة لهم”. واتهم القيادي الكردي المعنيين بالملف السوري بأنهم “لا يريدون حلا للأزمة، ويخشون من حضور حزب الاتحاد الديمقراطي كطرف فاعل مؤثر على الساحة السورية، ما يقود إلى إمكانية إيجاد حل سريع للأزمة وهو ما لا يريده الكثير من المشاركين في جنيف”. وحصر ديبو حل الأزمة في “إنتاج عملية سياسية تضمن عدم ظهور نظام استبدادي جديد، ما يقتضي البحث عن صيغة متفق عليها عالميا وتناسب في الوقت نفسه طبيعة المجتمع السوري وخصوصيته”. وتقود هذه الصيغة إلى شكل الدولة المقترح من وجهة نظر حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعول على النظام الفيدرالي الديمقراطي البرلماني باعتباره الأنسب للمجتمع السوري. وقال ديبو “بعد الاتفاق على شكل النظام ستكون مسائل التصدي لإرهاب تنظيم داعش وغيره من المجموعات المسلحة غير المؤمنة بالحل السياسي، أكثر يُسرا بالتنسيق مع الأسرة الدولية”. |
محسن عوض الله العرب |