الحرب الأميركية «الناعمة» ضد «حزب الله» مفتوحة: ممنوع على الحزب أن يدخل إلى نظامنا المصرفي، وإذا أراد لبنان أن يدخل إلى نظامنا المصرفي، عليه أن يحترم قوانين الولايات المتحدة، بما فيها القانون المالي الأخير الموجه ضد «حزب الله».
هذه هي الرسالة التي أبلغها نائب وزير الخزانة الأميركية دانيال غلايزر، لمسؤولين لبنانيين اجتمعوا به في واشنطن قبل عشرة أيام.
أما في بيروت التي وصلها غلايزر أمس، فقد تميزت عباراته في اللقاء الذي جمعه بوزير المال علي حسن خليل، بمرونة في الشكل وصلابة في المضمون.
وحسنا فعلت الحكومة هذه المرة، أنها كانت مستعدة للزيارة وتملك توجها لمسه غلايزر، خلال اجتماعه بوزير المال، وسيلمسه اليوم خلال اجتماعه بحاكم المصرف المركزي الدكتور رياض سلامة، ثم مع جمعية المصارف اللبنانية.
ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة تمام سلام في السرايا الكبيرة، وحضره علي حسن خليل ورياض سلامة، تميز بمقاربة واقعية للملف، وذلك استنادا إلى موقف السلطة السياسية التي فوّضت هذا «الثلاثي» بصياغة مقاربة موحدة يصار إلى اعتمادها بدل الاستنسابية التي شابت المرحلة الأولى من التعامل مع ملف وطني بامتياز ويخص شريحة من اللبنانيين موجودة في الحكومة ومجلس النواب والمؤسسات الرسمية والبلديات وآلاف المؤسسات الخاصة في كل لبنان كما في الخارج.
وجاء اجتماع السرايا، غداة اجتماع عقده سلامة، في مكتبه في المصرف المركزي، مع وفد من «حزب الله» ضم وزير الزراعة حسين الحاج حسن والنائب علي فياض والنائب السابق أمين شري، وتم خلاله طي صفحة التعميم الأول الذي كان «حزب الله» قد أخذ عليه أنه أدى إلى التفريط بحق البنك المركزي بالرقابة المسبقة على أي قرار مصرفي بإقفال أي حساب مصرفي.
وبالفعل، أصدرت «هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان»، وهي برئاسة سلامة «إعلاما توضيحيا»(تعميم)، في شأن قانون العقوبات الأميركية على «حزب الله»، طلبت بموجبه من المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة المالية وسائر المؤسسات الملزمة بالإبلاغ، «عدم اتخاذ أي تدابير لجهة إقفال أي حساب عائد لأحد عملائها أو الامتناع عن التعامل معه أو عن فتح أي حساب له قبل مرور ثلاثين يوماً على إبلاغ «هيئة التحقيق الخاصة»، على أن يتضمن هذا التبليغ توضيحاً للأسباب الموجبة التي تبرّر اتخاذ هذه الإجراءات والتدابير، وإذا لم يردْ أي جواب من «هيئة التحقيق الخاصة» خلال المهلة المذكورة أعلاه، يعود للمصارف وللمؤسسات المعنية اتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الخصوص»(تفاصيل ص5).
واذ أكدت مصادر مصرفية معنية لـ «السفير» أن المهلة الزمنية ليست شكلية أو مقفلة نهائيا، بل «ستكون فرصة لكي يصدر رد من الهيئة سلبا أو إيجابا»، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير» إن «حزب الله» لم يناقش أبدا لا مع البنك المركزي ولا مع المصارف مسألة اللوائح الإسمية الأميركية، برغم اعتراضه عليها، بل حصر المناقشة في حدود الضوابط الواجب أن توضع للمصارف بعدما ذهبت في «اجتهاداتها» و «مبادراتها» إلى حد تحولها أداة تنفيذية تتجاوز حتى حدود المطلوب أميركيا، بدليل أن بعض المصارف قرَّر إقفال حساب مؤسسات تربوية واستشفائية واجتماعية وحسابات أفراد لا يمتون بصلة لا من قريب ولا من بعيد لـ «حزب الله».
وفيما شدد الوزير خليل أمام الوفد الأميركي على أهمية الحفاظ على القطاع المصرفي اللبناني كأحد أعمدة الاستقرار، علمت «السفير» أن وزير المال دعا إلى وجوب التنبه إلى أي شكل من أشكال التطبيق الاستنسابي للقانون، خصوصا أنه يتناول شريحة لبنانية كبيرة.
وعلم أن غلايزر سارع إلى الرد بالقول إن بلاده حريصة جدا على استقرار لبنان السياسي والأمني والاقتصادي والمصرفي، وهي تدعم مؤسساته العسكرية والأمنية في حربها ضد الإرهاب، كما تدعم مؤسساته الدستورية وتدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن. وأضاف أن لا تطبيق عشوائيا أو استنسابيا للقانون الأميركي، ولا استهداف لطائفة أو مجموعة أو شريحة لبنانية؛ «نحن أعلنا أن الهدف من القانون هو محاربة «حزب الله»، ونحن لا نزور لبنان للتفاوض بشأن القانون ولا نستقبل الوفود اللبنانية للأخذ والرد بالقانون، بل بسبل تطبيقه».
ونفى غلايزر أن يكون الهدف من القانون هو استهداف كل من يتعامل مع «حزب الله»، بل حصره بالحزب ككيان وأفراد وقيادات، وقال: «إننا مهتمون في الوقت نفسه بالتدقيق في حجم العمليات المالية وقيمتها ووجهتها».
وقال غلايزر إن بلاده تحترم القوانين المالية اللبنانية والمطلوب من الحكومة اللبنانية أن تحترم قوانين الولايات المتحدة طالما هي تريد التعامل أو الدخول إلى النظام المصرفي والمالي الأميركي.
في المحصلة، أبرزت محادثات اليوم الأول من زيارة غلايزر أن الحرب الأميركية ضد «حزب الله» مستمرة ومتصاعدة، لكن هذه المرة بأشكال اقتصادية ومالية، وينتظر أن تشكل الأسابيع المقبلة مناسبة لاختبار كيفية تعامل المصارف الخاصة مع تعميم هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، وهو الترجمة العملية للموقف الذي أعلنه المصرف الأسبوع الماضي وأدى إلى طي صفحة من التوتر وانعدام الثقة بين «حزب الله» وحاكمية البنك المركزي.
يذكر أن «كتلة الوفاء للمقاومة» جددت في اجتماعها الأسبوعي، أمس، إدانتها لـ «الاعتداء الأميركي على سيادة لبنان من خلال قانون العقوبات الماليّة وأي تواطؤ معه»، مؤكّدةً أنّها «معنية بمتابعة الأمر وفق معايير حفظ السيادة النقدية اللبنانية وحماية حق التداول النقدي لكل اللبنانيين، تلافيا لأي تداعيات سلبية على الوضع المصرفي اللبناني وعلى الأمن الاجتماعي والاقتصادي للناس، ومن المفترض أن تتوضح قريبا النتائج والمسارات في هذا المجال».
وبعد عام من الغياب، عاد الموفد الأميركي الخاص ومنسق شؤون الطاقة الدولية آموس هوكشتاين إلى لبنان، حاملاً ما قيل إنه «تقدم» في المعطيات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان، غير أن مصادر لبنانية واسعة الاطلاع أبلغت «السفير» أن ما أسماها هوكشتاين «مقترحات جديدة» لحل قضية الحدود البحرية هي عبارة عن دعوة أميركية متجددة للبنان لنسيان قضية الخلاف الحدودي مع إسرائيل، وبالتالي إهمال النقاط الحدودية المتنازع عليها، والمبادرة إلى إقرار المراسيم في مجلس الوزراء ومن ثم تلزيم «البلوكات» التي لا إشكالات حولها!
وفيما قال مصدر لبناني التقى الموفد الأميركي إن الموقف اللبناني الموحد الذي سمعه الضيف في زيارته الأخيرة، ساهم في حصول تقدم ما في الموقف الأميركي، من دون أن يفصح عن مضمونه، إذ كانت لافتة للانتباه المداخلة التي قدمها هوكشتاين، أمس، في «منتدى النفط والغاز»، في بيروت، وضمنها دعوة للبنان للبدء بالتنقيب عن النفط «في المناطق غير المتنازع عليها مع إسرائيل». وقال إنه لا يجوز ترك لبنان كله رهينة هذا الجزء الصغير المتنازع عليه في الجنوب.
وقد سمع هوكشتاين في زياراته التي أعقبت المؤتمر وشملت رئيسَي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة تمام سلام والرئيس سعد الحريري ووزيرَي الخارجية والطاقة تأكيداً على أهمية الفصل بين مسار التحرك اللبناني لتكريس حقه في ثرواته الطبيعية من جهة، والقرار اللبناني المرتبط بالتنقيب عن النفط من جهة ثانية.
وعبّر عن تفاؤله بـ «الوصول إلى اتفاق يسمح للبنان باستخراج ثروته النفطية والغاز من مياهه والمنطقة الخاصة»، آملاً أن «تؤدي الأفكار والمقترحات إلى حلّ في أسرع وقت ممكن».
واذ استفسر هوكشتاين من باسيل عن المناقصة والمراسيم التطبيقية وعن العوائق التي تحول دون إطلاق الخطوات التنفيذية بغية استخراج النفط والغاز، علمت «السفير» أن باسيل جدد تمسك لبنان بوجوب أن تبادر الأمم المتحدة إلى بت قضية النزاع الحدودي البحري بين لبنان وإسرائيل، وهذه النقطة أثارها المسؤولون اللبنانيون مع الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته الأخيرة للبنان.
ورد هوكشتاين بدعوة لبنان إلى التنقيب عن النفط في المناطق غير المتنازع عليها مع إسرائيل، وقال إن الترسيم عبر الأمم المتحدة مرفوض إسرائيليا وقد يُدخِل البلدَين في نزاع حدود لا أفق زمنيا له، معتبرا أن هذه المسألة لبنانية ـ إسرائيلية، وطالما أن إسرائيل لا تعترف بالحدود التي سلمها لبنان للأمم المتحدة، سيبقى النزاع مفتوحا بين الجانبَين.