ضمت القوات النظامية السورية والميليشيات الموالية حي الوعر آخر معاقل المعارضة في «عاصمة الثورة السورية» إلى قائمة المناطق المحاصرة، بعد تعليقها تنفيذ اتفاق هدنة في الحي في بداية آذار (مارس) الماضي على رغم إشراف الأمم المتحدة على هذا الاتفاق. وتعرض الحي في الأيام الماضية لقصف من القوات النظامية والميليشيات الموالية في محاولة للضغط على حوالى مئة ألف مدني محاصرين في الحي الذي يضم نازحين من أحياء أخرى في حمص.

ووفق ناشطين محليين، فإن الحصار على حي الوعر يطبق من «الفرقة 18» في الجيش النظامي السوري بمشاركة أجهزة الأمن و «قوات الدفاع الوطني» الموالية، إضافة إلى نشر دبابات ومدافع الميدان ورشاشات آلية وقناصة في أحياء مجاورة تشرف على طريق حمص - طرطوس الساحلي. ويحيط بالحي قرى تضم شيعة موالين للنظام وشكلوا ميليشيات محلية باسم «حزب الله السوري» و «قوات الرضا» بقيادة ضباط من «حزب الله» اللبناني لها قرار وغرفة عمليات مستقلة عن قوات النظام والأجهزة الأمنية. وسهل تعاون هذه الأطراف عملية إطباق الحصار.

وبعدما كان زخم التفاهم الأميركي - الروسي في بداية العام الحالي وفّر وصول مساعدات إلى 13 من 18 منطقة محاصرة، شهدت الأسابيع الأخيرة تراجعات وانخفضت نسبة إيصال المساعدات من 40 في المئة في نيسان (أبريل) إلى 5 في المئة حالياً، إذ أحكمت قوات النظام حصارها على مناطق جديدة بينها حي الوعر ما رفع إلى حوالى مليون عدد المحاصرين.

وقال ناشطون في الوعر أن «الحصار جاء نتيجة عرقلة المفاوضات بين لجنة التفاوض عن الحي والنظام»، علماً أن الاتفاق تم في رعاية مكتب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا والأمم المتحدة في دمشق بصفة «مراقب « عبر حضور ممثل الأمم المتحدة يعقوب الحلو ومديرة مكتب الممثل الدولي خولة مطر. وبدأت المفاوضات في تموز (يوليو) 2014، وانتهت بتوقيع اتفاق في كانون الأول (ديسمبر) 2015، بعد فترات من التصعيد العسكري والتهدئة.

ووفق أحد الناشطين، فإن لجنة التفاوض عن الحي سعت إلى تخفيف معاناة آلاف المحاصرين منذ خريف 2013 عندما فرضت قوات النظام الحصار الأول على الحي. وفي منتصف 2014، أنجزت قوات النظام والمعارضة اتفاقاً قضى بإخراج المعارضين من الأحياء القديمة في حمص، ولم يبق سوى الوعر خارج سيطرة النظام.

وأضاف أن سبب نقض الاتفاق المبرم منذ نحو ستة أشهر «عدم التزام النظام شروط الاتفاق والتهرب المستمر من تعهداته، لا سيما تطبيق تنفيذ بند المعتقلين سواء عبر بيان وضعهم أو إطلاق سراحهم».

ويبلغ عدد المعتقلين في حمص 7365 شخصاً قامت لجنة التفاوض بتسليم أسمائهم ومكان وتاريخ اعتقالهم، لكن لم يتم إخراج أي معتقل، مقابل إصرار ممثلي النظام على «إخراج مسلحي المعارضة من الحي وتهجيرهم مع عوائلهم في سيناريو شبيه بإخراج مسلحي المعارضة من حمص المحاصرة»، وفق الناشطين. وقال أحدهم: «يروّج النظام لإنجاز اتفاق سياسي في الوعر كما حصل في الأحياء القديمة وقضى الاتفاق (منتصف 2014) بخروج عناصر المعارضة واستلام قوات النظام الحي».

وغادر في المرحلة الأولى من تنفيذ بنود الاتفاق الخاص بالوعر نهاية العام الماضي، 270 عنصراً معارضاً غالبيتهم من الجرحى وبعض المتطرفين، ما شكل نحو 8 في المئة من المقاتلين الموجودين في الحي. أما الوضع العسكري بقي على حاله بين الفصائل العسكرية في الحي وقوات النظام والميليشيات الموالية من جهة أخرى حيث يحتفظ الطرفان بمناطقهما.

ورأى محللون متابعون لاتفاق التسوية أن المرحلة الثالثة من الاتفاق، نصت على خروج «من يرغب من دون أي إلزام ودخول القوات النظامية إلى المباني الحكومية. وهذا من النقاط العالقة التي كان من المفترض أن يتم بحثها والتفاوض حولها في مرحلة لاحقة.

وإلى حين ذلك، يعاني مدنيو الحي من وضع إنساني في غاية الصعوبة حيث قامت قوات النظام بمنع إدخال المواد الغذائية والخبز والطحين بعد تجميد الاتفاق، إضافة إلى قطع كل الخدمات ومنها الكهرباء حيث يتم تزويد الحي بساعة كهرباء واحدة فقط يومياً مع منع إدخال مصادر الطاقة مثل البنزين أو المازوت.

وتدهور الوضع الصحي في الوعر. وجاء في تقرير داخلي لوسطاء في الحي أن «الوضع الطبي والصحي يصل حد الكارثة حاله كحال الوضع الغذائي بسبب عدم توافر المواد الأساسية للعلاج بعد منع قوات النظام إدخال الأدوية والمواد الإسعافية والمعدات الطبية منذ أكثر من عامين حتى في وقت العمل باتفاق الهدنة وأثناء دخول قوافل المساعدات الأممية ومنظمة الصليب الأحمر في فترات سابقة بحجة عدم الحصول على موافقة أمنية من النظام».

وتم تسجيل أكثر من مئتي حالة جفاف والتهاب أمعاء وفقر الدم بسبب الحصار وسوء التغذية مع المعاناة في نقص الأطباء ببعض الاختصاصات منها القلبية والعصبية. كما منع النظام من دخول الأطباء والطواقم الطبية والجرعات اللازمة لأمراض الكلى والسرطان والأمراض المزمنة كالقلب والسكري والضغط، إذ هناك نحو 1500 حالة مرضية في حاجة إلى علاج طبي في شكل دائم، مع الإشارة إلى أن لجنة التفاوض نجحت الشهر الماضي في نقل 40 حالة مرضية إنسانية في حاجة للعلاج العاجل في مستشفيات خارج الحي.

وأفاد التقرير بمقتل «طفلين خلال الشهر الجاري نتيجة نقص المواد الطبية ووفاة سيدة ورجل من مرضى غسيل الكلى نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عن الأجهزة لأيام عدة، وحصول حالتي بتر لأطراف على الأقل بسبب اعتبار هذه المعالجة هي الأرخص من ناحية صرف المواد الطبية»، إضافة إلى «عشرات الأطفال الحديثي الولادة في الحاضنات ومرضى الكلى ومرضى موجودين في العناية المركزية المهددين بالموت نتيجة الوضع الحالي من نقص مواد وانقطاع شبه تام للكهرباء».

وكانت مطر زارت مع وفد أممي حي الوعي في آذار الماضي. والتقت لجنة التفاوض وقادة فصائل في المعارضة المسلحة والمجلس المحلي. وقال أحد المشاركين: «تم إطلاعها على الوضع المتدهور في الحي بعد تجميد الاتفاق ونيات النظام بالتهديد بالعمل العسكري والقصف وأطلقت وعوداً منها عودة الوضع إلى ما كان عليه في السابق قبل تجميد الاتفاق وأن هناك محاولات مستمرة بالضغط الدولي على النظام من طريق الحليفين روسيا وإيران وأن هناك مساعدات إنسانية ستدخل في وقت قريب. لكن هذه المساعدات لم تصل بسبب حجة عدم إعطاء النظام الموافقة الأمنية للأمم والمتحدة والصليب الأحمر»، علماً أنه تم إدخال قوافل إنسانية إلى مناطق ريف حمص الشمالي، حيث يعتبر الوضع الأمني فيها «أكثر تدهوراً وخطورة».

وحض معارضون الأمم المتحدة على لعب دور لـ «إنقاذ المحاصرين والقيام بالواجب الإنساني». وبعد المؤتمر الوزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية»، سمحت القوات النظامية بـ «توزيع الخبز عند حاجز الفرن الآلي على مدخل الحي لمن يستطيع الوصول إلى هناك من المدنيين المحاصرين». وخرجت أعداد قليلة من المدنيين غالبيتهم نساء ورجال كبار في السن ووزعت كميات قليلة من الخبز لهم، لكن أفيد باعتقال 15 شخصاً خلال ذلك، و «تم تسجيل ٧ إصابات برصاص قناصة بعد استهداف المدنيين أثناء محاولتهم الحصول إلى الخبز»، وفق ناشط محلي. كما تجددت عمليات القصف على المناطق السكنية... مع إحكام الحصار منذ بداية آذار.