يوما بعد يوم، تزداد المعاناة الاقتصادية للمواطنين في حلب، حتى في مناطق سيطرة النظام، إذ إن ارتفاع الأسعار بعد الهبوط الحاد الذي أصيبت به الليرة السورية، جعل مسألة تأمين القوت اليومي بالنسبة لمعظم الأسر، وخاصة الكبيرة منها، أمرا صعب المنال، في ظل تدن حاد للأجور، وارتفاع الأسعار، وفقدان القيمة الشرائية لليرة السورية.

وقد دفعت هذه الحالة كثيرين ممن أصروا خلال السنوات الماضية على البقاء في سوريا؛ للتفكير بالرحيل، لكن لا يبدو أن هذا الخيار متاح الآن.

"الناس في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام يعيشون ظروفا أفضل من هنا بكثير، ولا يمكن مقارنة الأوضاع المعيشية بين مناطقنا وبين تلك المناطق، فعلى الرغم من تشابه الأسعار للسلع الغذائية، إلا أن معظم العائلات في الأرياف قد أمّنت فرص عمل مناسبة خلال السنوات الفائتة، وكل أسس لعمله الجديد المتناسب والأوضاع الجديدة كما في ريف حلب الشمالي مثلا".

هكذا يصف معلم المدرسة الابتدائية، جمعة الظروف التي يمر بها في القسم الغربي من حلب، وهو القسم الخاضع لسيطرة النظام السوري.

ويقول جمعة: "خلال خمس سنوات ازداد مرتبي الشهري زيادات بسيطة لا تتناسب بالمطلق مع ارتفاع الأسعار، أما المعلم المقيم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ورغم مرتبه القليل، إلا أنه يحصل على مرتب أعلى من مؤسسات المعارضة، وعلى الأقل يستطيع تأمين قوت أطفاله، حتى ولو زاول مهنة أخرى إلى جانب عمله في التعليم"، وفق قوله.

يعتقد جمعة أن الناس سعداء في الأرياف الحلبية الخاضعة لسيطرة الفصائل المقاتلة، رغم تعرضهم للقصف الجوي والمدفعي اليومي.

ويذهب إلى القول: "نحن هنا نُقصف أيضا. ولو كانت المقارنة غير مناسبة هنا، لكننا بالفعل نتعرض للقصف، ثم إن القصف أفضل من الموت جوعاً، صحيح أننا لم نصل لتلك المرحلة لكننا سنصل قريباً، ولم يعد أحد يقبل بأن نستدين منه، فمتى سنرد له الدين؟ إذ لا أمل أو ضوء قادما من بعيد".

أمثال جمعة بدؤوا يفكرون بالرحيل من حلب المدينة والتوجه إلى الأرياف القريبة، خاصة أولئك الذين تتحدر أصولهم من تلك القرى والبلدات القريبة من حلب. ويعتقد بعض هؤلاء أن معاناة القصف لا تقل عن معاناة الفقر والحاجة، كما أن كثيرين منهم يدفعون إيجارات مرتفعة للبيوت التي يسكنونها، في حين قد يستطيعون الحصول على سكن شبه مجاني أو مجاني في الريف، كما يرون.

أما حسام، وهو طالب في كلية الصيدلة بجامعة حلب، فيعبر عن ندمه على عدم خروجه من مدينة حلب خلال الأعوام الماضية، ويعتبر أنه ضيع فرصاً كثيرة كانت بين يديه نتيجة "جهله"، أو بناء على الأمل الذي كان يعيش في نفسه قبل اليوم.

يقول حسام: "رغم أنني طالب في السنة الثالثة بكلية الصيدلة، إلا أنني أتمنى لو غادرت هذه المدينة التي أصبحت على حافة الجوع".

ويضيف: "لم أغادر سابقاً لأجل متابعة دراستي هنا، واعتقدت أن هجرتي ستكون عبارة عن تدمير لمستقبلي الدراسي، لكنني أرى اليوم الكثير من زملائي يُتمون دراستهم في دول مجاورة ودون أية عوائق. صحيح أنهم عانوا في البداية، لكنهم الآن يعيشون حياتهم المستقرة ويستكملون حياتهم الجامعية في جامعات أفضل من جامعة حلب على الأقل في الوقت الراهن"، وفق تقديره.

ويعبر حسام عن رغبته بالهجرة من البلاد، "لكن المثل السوري الذي يقول (يطعمك الحج والناس راجعة) انطبق عليّ تماما، فالحدود التركية مغلقة تماما أمام اللاجئين السوريين حاليا، وحتى الدول الأوروبية التي استقبلت مئات آلاف السوريين، قررت أخيراً إغلاق أبوابها في وجه اللاجئين الجدد بعد أن كثرت أعداد الوافدين إليها من مختلف الجنسيات".

ويتابع الشاب ساخرا: "عندما أتخرج وأفتح صيدلية خاصة بي؛ سأنعم برغد العيش، لا سيما أن الحرب السورية مستمرة دون نهاية فيما يبدو، فكل يوم سيسقط الكثير من الجرحى ويضطرون لشراء الدواء ما سيجعل دخلي خيالياً حينها".

في حلب اليوم يعيش الناس بين خيارين لا ثالث لهما، إما الصبر على المعاناة والفقر، والعيش في ظل قوات النظام وفروعه الأمنية، حيث لا مكان لأي احتجاج أو مطالبة بالأفضل، وإما الخروج إلى المناطق المحيطة بحلب التي تتعرض للقصف، ولا وجهة غيرها بعد انسداد الطرق إلى الدول المجاورة.

(عربي 21)