استدعت المخاوف الكبيرة المثارة حول مشاركة الميليشيات الشيعية في معركة الفلّوجة بغرب العراق تدخّل المرجع الشيعي علي السيستاني، الذي قطع ما كان تعهّد به من صمت عن الكلام في الشأن السياسي، داعيا القوات المشاركة في المعركة إلى ضبط النفس والحفاظ على أرواح المدنيين.
وبدورها اختارت هيئة الحشد الشعبي التي تنضوي تحتها الميليشيات الشيعية المشاركة في الحرب ضدّ داعش، التهدئة، متبرّئة من تصريحات طائفية كان أدلى بها قائد إحدى الميليشيات، ومتعهّدة بعدم المشاركة في اقتحام الفلّوجة والاكتفاء بدور ساند للقوات النظامية في حصار المدينة على أن يوكل الاقتحام ومسك الأرض للجيش والشرطة.
وقال هادي العامري قائد ميليشيا بدر، والقيادي بالحشد الشعبي إنّ قوّاته لن تدخل الفلّوجة عند استعادتها من تنظيم داعش وإنّ الأمر سيوكل للقوات النظامية.
ويحاول قادة الحشد الشعبي تلافي الضغوط الكبيرة المسلّطة عليهم من عدّة جهات محلية وخارجية، بفعل المخاوف من مشاركة تشكيلاتهم الشيعية المسلحة في معركة الفلوجة.
وأجمعت عدّة جهات على أنّ تلك المشاركة تضفي طابعا طائفيا على المعركة كون الفلوجة مركزا ذا رمزية دينية عالية لأبناء الطائفة السنية في العراق، مثلما مثّلت بعد الغزو الأميركي مركزا لمعارضة حكم الأحزاب الشيعية في البلد.
وأثيرت أيضا مخاوف كثيرة من ممارسة الميليشيات الشيعية عمليات انتقام طائفي ضدّ أبناء الفلّوجة على خلفية اتهامات صريحة لهم من قادة الميليشيات باحتضان الإرهاب والتواطؤ مع تنظيم داعش.
ولخّص أوس الخفاجي أحد كبار قادة ميليشيا أبوالفضل العباس حجم نقمة الميليشيات على الفلّوجة بقوله إنّها منبع الإرهاب ولا يوجد فيها وطنيون، وإنّ المعركة فرصة لاستئصال “ورم الفلّوجة”.
وتجد الميليشيات الشيعية والسياسيون ذوو الصلة بتلك الميليشيات فائدة كبرى في مشاركة الحشد الشعبي في معركة الفلّوجة التي جاءت في وقت هزّت فيه الصراعات الداخلية بعنف صفوف الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق وكادت تقود إلى مواجهة مسلّحة بينهم داخل العاصمة بغداد.
ولجأت قيادة الحشد الشعبي إلى الانحناء أمام عاصفة الضغوط بالإعلان عن عدم المشاركة في اقتحام الفلّوجة، وأيضا بالتبرّؤ من تصريحات أوس الخفاجي.
وقالت هيئة الحشد الأربعاء في بيان إن تصريحات الخفاجي بشأن مدينة الفلوجة “لا تعبّر عن رأي الهيئة”، مؤكدة أنّه غير مخول بالتصريح نيابة عنها.
ومن جهته اعتبر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، الأربعاء، أن الأمين العام لقوات أبوالفضل العباس أوس الخفاجي «لا يمثل» هيئة الحشد الشعبي، مؤكدا أنه غير متواجد في المعارك الجارية في محيط الفلوجة.
ويمثّل اكتفاء الميليشيات الشيعية بمساندة القوات العراقية دون الدخول إلى الفلّوجة حلاّ وسطا لتهدئة المخاوف على المدنيين، وللحفاظ في نفس الوقت لدور للحشد الشعبي في المعركة.
ومن جهته أكد قائد القوات المشتركة طالب شغاتي، الأربعاء، في حديث لموقع السومرية نيوز، عدم مشاركة الحشد في القتال داخل الفلوجة، مبينا أن القوات الأمنية هي من ستقوم باقتحام المدينة.
ويعتبر هذا الحلّ استعادة لسيناريو معركة الرمادي حين اكتفى الحشد بدور خلف الجبهات تحت ضغط الولايات المتحدة التي لا ترغب في تغلغل الميليشيات الشيعية داخل مناطق السنّة بغرب العراق لحسابات تتصل بالنزاع على النفوذ مع إيران الداعمة الأساسية لتلك الميليشيات.
وكان لافتا خروج المرجع الشيعي علي السيستاني عن صمته موجها توصية عبر ممثله عبدالمهدي الكربلائي للمقاتلين الشيعة على جبهة الفلّوجة بـ”ضرورة الالتزام بآداب الجهاد”.
وكان السيستاني تعهّد منذ أشهر بالامتناع عن الخوض في أيّ شأن سياسي احتجاجا على تعثّر عملية الإصلاح.
ويعتبر السيستاني أبا روحيا للحشد الشعبي الذي كان أنشئ استنادا إلى فتوى دينية كان أصدرها السيستاني نفسه تحت مسمى “فتوى الجهاد الكفائي”.
واعتبر تدخّل السيستاني هذا محاولة لإنقاذ الميليشيات وتخفيف الضغوط الشديدة عنها.
وتم انتقاد تصريحات المرجع الشيعي الأعلى في العراق من زاوية صمته الطويل على جرائم كثيرة مارستها ميليشيات الحشد الشعبي من قبل ضدّ سكان العديد من المناطق الأخرى.
واعتبر ناشط سياسي عراقي تحدّث لـ”العرب” مشترطا عدم ذكر اسمه، نصيحة السيستاني “أشبه بدق متأخر لناقوس الخطر”، مذكرا بأن “السيستاني نفسه كان قد صمت عمّا شهدته ديالى من عمليات إبادة جماعية وتهجير”، ومتسائلا “هل ستنفع نصيحته هذه المرة في درء الخطر عن سكان الفلوجة؟”.
وأضاف “إن أسوأ ما يمكن أن ينتج عن خروج السيستاني عن صمته يكمن في الدعم الذي ستحصل عليه الميليشيات في مواجهة المعترضين على دورها ومن يذهبون حدّ المطالبة بحلها باعتبارها جسما دخيلا على الدولة ومتطفلا على قواتها المسلّحة”.
وجاءت دعوة السيستاني لـ”ضبط النفس” صدى للمخاوف الكبيرة المثارة على أوسع نطاق بشأن مصير المدنيين في حرب الفلّوجة ذات المخاطر العالية نظرا لخوضها في منطقة ماتزال مأهولة بأكثر من خمسين ألف مدني عجزوا عن مغادرة المدينة.
ورغم أنّ المعركة ماتزال إلى حدود الأربعاء خارج الفلوجة فقد بدأت أخبار الخسائر في صفوف المدنيين تتوالى. وقال مصدر بمستشفى المدينة إن ستة مدنيين قتلوا وأصيب 11 بجروح صباح الأربعاء مما يرفع إجمالي عدد القتلى في صفوف سكان الفلّوجة منذ بدء الهجوم يوم الاثنين إلى 21 قتيلا.
العرب